تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

(قُلْ : لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ). انها الفطرة والعقيدة الصحيحة ووام هذه الحياة ودليل الطريق الى رضا الله والجنة التي هي مصدر الغنى والعز والسعادة التي لا تزول عن كل من أحرز رضا الله والجنة.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) نعم الايمان بالله واحراز رضاه هو النور واضاءة البصيرة ، والخاسر لهذا الرضا هو الاعمى والميت وان كان يمشي في الاسواق.

والعقل البشري انما يستضيء بطاعة الله واحراز رضاه والابتعاد عما حرمه ، وترك طاعة الله بمعناها الحقيقي هو العمى. والظلام والموت للاحياء قبل موت الجسم :

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أم هل يستوي الاحياء والاموات.

والعقل البشري حينما يتحرك في اطار الوحي الالهي ، لا يتحرك في مجال ضيق ، وانما يتحرك في مجال وسيع لا حدود له ، يتحرك اول حركة له في هذا الكون الواسع الذي لا تعرف له حدود. وحين اذ تظهر لصاحبه بدائع الصنع الالهي والتدبير الرباني والقدرة الباهرة ، انه عالم الشهادة المبسوط لدى أولي الالباب والعقول النيرة ، وعالم الغيب من ورائه ، ينظره العقل بمنظار الخرائط الشرعية التي رسمها الله تعالى في منهجه القويم فهذه الاداة العظيمة التي وهبها الله تعالى للانسان وفضله بها على سائر مخلوقاته هي العقل النوراني ، وانما وهبه لنا لنعمل به في الهدى الرباني الذي لا يضل من استضاء به.

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ

٥٠١

وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))

البيان : انها العزة الكاملة لهذه العقيدة الصحيحة ، واستعلاؤها على قيم الارض الزائفة ، وتخلصها من الاعتبارات البشرية الصغيرة.

روى ان سبب نزول هذه الآية : انه كان بالمدينة قوم فقراء يجالسون رسول الله وهو يحدثهم ، فجاء يوما رجل من الانصار الى رسول الله ص وآله وعنده رجل من الفقراء فقعد الانصاري بعيدا عنهما ، فقال له رسول الله ص وآله تقدم ، فلم يفعل ، فقال له رسول الله لعلك خفت أن يلزق فقره بك ،

فقال الانصاري اطرده عنك حتى نأتي اليك فنزل في تلك الساعة قوله تعالى :

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)

لقد تقول هؤلاء الجبابرة على هؤلاء الضعفاء الفقراء من زخارف الدنيا الاقوياء في ايمانهم وعقيدتهم الاغنياء بتقواهم وصالحهم ، وعابوا على رسول الله ص وآله حيث يخصهم بحديثه ومجلسه.

وبقي فقراء الجيوب أغنياء القلوب في مجلسه وطرد المترفين ارباب الجاه والمال الزائف الزائل ، أولئك أغنياء بالاعمال الصالحة الذين لا يبغون الا وجه ربهم ورضاه فهو خير مما يجمعون.

واستقرت الموازين الاسلامية وقيمه على هذا المنهج الذي قرره خالق الانسان :

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا : أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا)

٥٠٢

واذ يقرر ان اعتراض المعترضين على فضل الله انما ينشأ من الجهالة بحقائق الاشياء ، وان توزيع هذا الفضل على العباد قائم على علم الله الكامل بمن يستحقه من هؤلاء العباد ، وما اعتراض المعترضين الا جهل وسوء أدب في حق الله عزوجل :

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ)

وهو التكريم ـ بعد نعمة الايمان واليسر في الحساب والرحمة في الجزاء ـ حتى جعل الله تعالى الرحمة كتابا على نفسه وهي رحمة يشملها العفو والغفران والرضوان.

روى عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش بالنبي ص وآله ، وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب وأمثالهم من ضعفاء المسلمين ،

فقالوا : يا محمد رضيت بهؤلاء من قومك ، أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا أنحن نكون تبعا لهؤلاء ، أطردهم عنك فلعلك ان طردتهم أن تنبعك. فنزلت الآية :

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))

البيان : يجب أن تبدأ الدعوة الى الله باستبانة سبيل المؤمنين ، وسبيل المجرمين ويجب أن لا تأخذ اصحاب الدعوة الى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة.

ان الاسلام ليس بهذا التمييع الذي يظنه المخادعون قام وظهر نور على الكون بتمامه أجل يجب أن يختار اصحاب الدعوة الى الله جماعة الاخيار الاتقياء الابرار المخلصين لخالقهم في دعوة الناس الى طاعته ، كي تنطلق طاقاتهم كلها في سبيل الله لا تصدها شبهة ولا يعوقها غبش ولا يميعها لبس ، فان طاقاتهم لا تنطلق الا اذا اعتقدوا في يقين انهم هم المسلمون. وان الذين يقفون في طريقهم ويصدونهم ويصدون الناس عن

٥٠٣

سبيل الله هم المجرمون ، كذلك فانهم لن يحتملوا متاعب الطريق الا اذا استيقنوا انها قضية كفر وايمان ، وانهم وقومهم على مفرق الطريق ، وانهم على ملة ، وقومهم على ملة وانهم في دين وقومهم في دين (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) صدق الله العظيم.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))

البيان : يأمر الله سبحانه رسوله ص وآله ان يواجه المشركين بأنه منهي من ربه عن عبادة الذين يدعونهم من دون الله. ومنهي عن اتباع اهواءهم. وانه ان يتبع أهواءهم يضل ولا يكون من المهتدين. ولقد كان المشركون يدعون رسول الله ص وآله ان يوافقهم على دينهم وهم يوافقونه على دينه. وكأن الشرك والاسلام يجتمعان في قلب واحد وكأن العبودية لله عزوجل. يمكن ان تكون مع العبودية لسواه. وهذا أمر مستحيل ابدا (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي). ان الايقاع بنزول العذاب عليهم لله وحده. وليس لأحد من خلقه وبذلك يجرد الرسول ص وآله نفسه من ان يكون له دخل في نزول القضاء عليهم فهذا من خصائص الخالق العظيم. دون المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا.

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ) فهو يمهلهم عن علم ويملي لهم عن حكمة. ويحلم عليهم وهو قادر على أن يأخذهم أخذ عزيز ذو لتدار.

٥٠٤

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) انها صورة لعلم الخالق العظيم انها الاحاطة بكل ساكن ومتحرك. انها جولة تدير الرؤوس وتذهل العقول. الا انه الاعجاز. وننظر الى هذه الآية القصيرة من أي جانب فنرى هذا الاعجاز الناطق بمصدر هذا القرآن المجيد ننظر اليها من ناحية موضوعها فنجزم للوهلة الاولى بأن هذا الكلام يستحيل ان يقوله البشر. وانى للبشر ان يحيط باهداف هذه المعاني الهائلة.

وننظر اليها من ناحية الابداع الفني في التعبير ذاته فنرى في آفاقها الجمال والتناسق.

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))

البيان : بضع كلمات أخرى كالتي رسمت آفاق الغيب وآماده واغواره واشارت الى مدى العلم الالهي وشموله في الآية السابقة. بضع كلمات اخر تضم حياة البشرية كلها في قبضة الله عزوجل. وفي علمه وقدرته وتدبيره : صحوهم ومنامهم موتهم وحياتهم حشرهم وحسابهم. ولكن على طريقة القرآن المعجز في الاحياء والتشخيص وفي نفس المشاعر واستجاشتها مع كل صورة وكل مشهد وكل حركة يرسمها تعبيره العجيب

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) فهي الوفاة المشخصة بالنوم. وما يعتر الحس من سهوة وما يعتري العقل من سكون. وما يعتري الوعي من سبات.

(وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) فما تتحرك جوارحهم لأخذ او ترك الا عند الله علمه ومسجل يسجل وهؤلاء هم البشر مراقبين في الحركات والسكنات

٥٠٥

لا يعزب عن علم الله شيء (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فهو عرض السجل الذي وعى على ما كان حتى الانفاس والخطرات وهو العدل الدقيق الذي لا يظلم في الجزاء. وكيف تكون الآيات الخوارق ان لم تكن هي هذه (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) فهو صاحب السلطان القاهر وهم بأجمعهم تحت سيطرته. (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) مولاهم الذي خلقهم من العدم وانعم عليهم بالجوارح والحواس. (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) فهو وحده يحكم ويحاسب. فلا يبطىء في الحكم. ولا يمهل في الجزاء لأهل الايمان والاحسان واما أهل العصيان والانحراف هم بانفسهم يلاقون العذاب ويقعون في حفر النيران. فكل بقعة اجرموا فيها فهي قطعة من قطع جهنم وما بين احدهم والانكشاف الا نزول الموت.

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)

قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧))

البيان : ان تصور الخطر وتذكر الهول قد يردان النفوس الجامحة ويرفقان القلوب الغليظة ، ويذكران النفس لحظات الضعف والانابة. كما يذكرانها رحمة الفرج ونعمة النجاة.

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ). انها تجربة يعرفها كل من وقع في ضيقة. او رأى المكروبين في لحظة الضيق. وظلمات البر والبحر كثيرة. وليس من الضروري ان يكون الليل لتتحق الظلمات. فالمتاهة

٥٠٦

ظلام ، والخطر ظلام ، والغيب الذي ينتظر الخلق في البر والبحر حجاب ، وحيثما وقع الناس في ظلمة أو ضيقة ولم يجدوا في انفسهم الا الله منقذا لهم يدعونه متضرعين ، أو يناجونه صامتين ، ان الفطرة تتعرى حينئذ من الركام فتواجه الحقيقة الكامنة في اعماقها. حقيقة الالوهية المدخرة لكل شدة وضيقة عجز عن رفعها العباد.

(لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). والله سبحانه يذكر عباده بحقيقة ضعفهم (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)

يا له من قدير عظيم وسلطان لا يقهر ولا يعجزه شيء ، فالوهم قد يخيل للانسان انه قد يقدر على دفع العذاب والبلاء اذا اتاه من حوله ام اذا أنصب عليه من فوق رأسه من السماء حيث يستحيل دفعه او التهرب منه. فهو عذاب قاهر مزلزل لا يقبل المقاومة والتهرب والتعبير الموحى هذا يتضمن هذا المؤثر القوي في حس الانسان الحساس ووهمه الحي. وهو يقرر حقيقة قدرة الله العظمى على أخذ العباد وانزال العذاب والنكال عليهم أينما كانوا من حيث يحتسبوا او من حيث لا يحتسبوا من حيث شاؤوا او من حيث لم يشاؤوا.

ان الفتنة الكبرى في الارض ان يقوم من بين العباد الضعاف من يدعي حق الالوهية بادعائه حق التشريع مقابل ما شرعه الله رب العالمين. كما وقع فعلا من ابي بكر وعمر وعثمان بن عفان حينما تولوا السلطة على العباد بدون حق ولا استحقاق وغصبوا لامام الحق علي بن ابي طالب امير المؤمنين (ع) حقه المفروض من خالق الكون وخاتم النبيين ص وآله وقد وقف على منبر رسول الله بدون خجل ولا حياء على رؤوس الاشهاد قائلا ومعلنا يعني عمر (ثلاث كن على عهد رسول الله حلال واحلهن

٥٠٧

الله ورسوله. وانا احرمهن واعاقب عليهن (متعة الحج. ومتعة النساء. وحي على خير العمل) في الآذان. والاصحاب والاتباع لم يزالوا على خطه سائرين ولبدعه مشرعين ومع هذا يدعون انهم مؤمنون بالله ومصدقون لرسول الله ص وآله فاعتبروا يا اولى الالباب لعلكم تذكرون وعن الخطأ ترجعون.

انها الفتنة التي تجعل الناس شيعا ملتبسة لانهم من ناحية المظهر يبدون للامة مسلمين. والارض كلها الآن تعيش في هذا العذاب المدمر لاهله والمجلب عليهم الخزي والعار ومراجعة التاريخ الصحيح يكشف النقاب عن وجوه الماكرين الذين يخفون ما لا يظهرون (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ) والخطاب لرسول الله ص وآله يعطيه صورة صحيحة عن قومه المنافقين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون وسينقلبون بمجرد ان تموت وفعلا قد حصل وجرى كل ما أخبر عنه العليم الخبير الذي يعلم ما تكنه السرائر والصدور.

(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وفي هذا الاجمال من التهديد ما يزلزل قلوب المنافقين لو كانوا يفقهون ولهم احساسات حية (.. وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وما احوج اصحاب الدعوة الى الله ـ في مواجهة التكذيب من قومهم ـ والجفوة من عشيرتهم والغربة في أهلهم. والاذى والشدة منهم ما احوجهم الى هذه الذكرى وهزة القلوب

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩))

البيان : ولقد كان هذا الامر لرسول الله ص وآله ويشمل حدود النص جميع المسلمين بدون استثناء .. ثم يكرر السياق المفاصلة بين المؤمنين والكافرين (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فليس

٥٠٨

هناك تبعة مشتركة بين المتقين والكافرين فهما صنفان مختلفان .. والاسلام قطع القريب. ووصل البعيد.

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢))

البيان : ان هذا الامر ايضا يشمل جميع المسلمين. فالذي لا يحترم دينه ـ حتى ولو كان غير صحيح ـ لا خير فيه. لأن الدين معناه أثمن وأقدس ما يملكه الانسان في حياته حتى من نفسه وولده. واهله وعشيرته. فضلا عن المال والجاه. وبالخصوص يشمل النص من اعتنق الاسلام. ثم لا يحترم دينه ويشتري به ثمنا قليلا. وداهن اهل الضلال والباطل وان كانوا أعداء الاسلام وعبدة الشيطان ، (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) قل لهم يا محمد مستنكرا ما هم عليه من دعوة غير الله عزوجل. والاستعانة بسواه وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ). انه مشهد حي شاخص متحرك للضلالة والحيرة التي تنتاب من يشرك بعد التوحيد. ومن يوزع قلبه بين آلهين. انه العذاب النفسي يرتسم ويتحرك حتى يكاد يحس ويلمس من خلال التعبير. (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) انه التقرير الحاسم في الظرف النفسي المناسب وان البشرية لتخبط في التيه كلما تركت هذا الهدى او انحرفت عن شيء منه او استبدلت به شيئا من

٥٠٩

تصوراتها ومقولاتها وانظمتها واوضاعها وشرائعها وقوانينها وقيمها وموازينها بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)

وكلما فاء هذا الانسان الى هدى الله زاده الله هدى. لان هدى الله هو الهدى وكلما انحرف الانسان عن هدى الله واستبدل شيئا به من عنده زاده انحرافا وضلالا ولقد ذاقت البشرية من ويلات هذا الضلال وما زالت تذوق ما هو حتمي في تاريخ البشرية حين تنحرف عن هدى الله عزوجل. فهي الحتمية التاريخية. (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) فالاصل هو الاستسلام لربوبية رب العالمين ثم تجيء العبادات وتجيء الرياضات النفسية لتقوم على قاعدة الاستسلام فانها لا تقوم الا اذا رسخت هذه القاعدة ليقوم عليها البناء (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). ان الاستسلام لرب العالمين ضرورة واجبة فهو الذي اليه تحشر الخلائق فاولى لهم ان يقدموا بين يدي الحشر ـ الحتمي ـ ما ينجيهم واولى لهم ان يستسلموا اليوم له قبل أن يقفوا بين يديه. ومادام انه لا مفر من الاستسلام في المصير اليه.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣))

البيان : وهذه حقيقة اخرى تحشد كمؤثر آخر. فان الله الذي يؤمرون بالاستسلام له. هو الذي خلق السموات والارض. والذي يخلق كلما اراد. ويملك كل مخلوق في الوجود. من الكون وما حواه ويتصرف في جميع ذلك كيف يشاء.

واعتبروا ايها العقلاء في قوام هذا الخلق فانه الحق المبين. فاذا كان قوله الحق فاولى للعباد ان يستسلموا له ويطيعوه لعلهم يرشدون

٥١٠

ويسعدون في الدنيا والآخرة. لانه عزوجل هو الذي يملكها وحده دون سواه. وجميع ما سواه مما هو مملوك له وخاضع له ومفتقر اليه.

واليه يرجع الامر كله واليه يحشرون خاضعين خاشعين صاغرين مجبورين.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣))

البيان : انه مشهد رائع باهر هذا الذي يرسمه السياق القرآني في هذه الآيات. مشهد الفطرة وهي ـ الوهلة الاولى ـ تكرر تصورات الجاهلية في جميع اشكالها واقسامها وهي تنطلق بعد ان نفضت عنها الخرافة في شوق عميق دافق تبعث عن آلهها الحق الذي تجده في ضميرها ولكنها لا تتبينه في وعيها وادراكها. وهي تتعلق في لهفتها المكنونة بكل ما يلوح انه يمكن ان يكون هو هذا الاله. حتى اذا اختبرته وجدته زائفا. ولم تجد فيه المطابقة لما هو مكنون فيها من حقيقة الاله وصفته. ثم وهي تجد الحقيقة تشرق فيها وتتجلى لها. وهي تنطلق بالفرحة الكبرى

٥١١

والاستيلاء الجياش بهذه الحقيقة. وهي تعلن في جيشان اللقيا عن يقينها الذي وجدته من مطابقة الحقيقة التي انتهت اليها بوعيها للحقيقة التي كانت كامنة فيها انها قصة الفطرة وقصة العقيدة كذلك يصدع بها المؤمن ولا يخشى فيها لومة لائم.

مجمل القصة

ابراهيم الخليل (ع) هو جد نبينا محمد ص وآله. فاذا كان يوم القيامة يأتي النداء من الله عزوجل : يا محمد نعم الاب ابوك ابراهيم ونعم الاخ اخوك علي بن ابي طالب (ع) ولا شك ان ابراهيم افضل من جميع الانبياء بعد نبينا محمد ص وآله.

كان أبو ابراهيم تارخ وكان مؤمنا موحدا لله تعالى. وآزر اخوه وعم ابراهيم ويشهد بذلك قول النبي ص وآله : (ما زلت انا واخي (ع) ينقلنا الله تعالى من اصلاب طاهرة الى ارحام مطهرة حتى افترقنا في عبد الله. وابي طالب (ع) وقد ذكر ذلك قوله عزوجل :

(الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)

والعم عند العرب يطلق عليه اسم الاب ، وقد ذكر ذلك بقوله عزوجل :

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) البقرة آية ١٣٢

ومن المعلوم ان اسماعيل كان عما ليعقوب. لانه ابن اسحاق أخو اسماعيل (ع) وكان مولد ابراهيم في قرية من قرى الكوفة بالعراق يقال لها (لوثاربا) وكان ابوه تارخ من اهلها. وكانت ام ابراهيم. وام لوط اختين صالحتين من بنات نبي.

٥١٢

وكانت ولادة ابراهيم (ع) في زمن الملك الجبار (نمرود) وكان مع قومه يعبدون الاصنام. ويروى ان نمرود رأى في منامه : كأن كوكبا طلع فذهب نوره بضوء الشمس والقمر. ولما سأل المنجمين عن رؤياه أخبرو ، عن مولود يذهب ملكك وينسخ دينك.

فقال لهم نمرود في أي البلاد يكون قالوا : في هذا البلد. فسأل نمرود هل ولد قالوا لا فأمر بان تراقب كل امرأة حامل. فاذا ولدت ذكرا قتلوه واذا ولدت انثى تركت وحملت امرأة تارخ بولدها ابراهيم (ع) ولم يظهر عليها آثار الحمل حتى كانت في ايامها الاخيرة فذهبت عندما احست بالولادة الى غار خارج البلد فولدت فيها وقمطت ولدها ابراهيم وتركته بالمغارة. وسدت بابها باحجار كبيرة ورجعت الى البيت ولم يشعر بها احد وكان ابو ابراهيم تارخ قد مات قبل ولادته. وكان آزر عمه هو الذي يتولى شؤون بيت اخيه تارخ. وكانت ام ابراهيم تتعاهد ولدها في الغار فتراه يرتضع من ابهامه ويخرج الله تعالى له اللبن منه عند غيابها عنه. وكان ابراهيم يشب في الاسبوع مقدار الشهر. والشهر مقدار السنة فلما كبر وأصبح كأنه ليس من مولود سنة الرؤيا قال لأمه اخرجيني معك قالت اخشى عليك من الملك فذكرت له الرؤيا. فقال لها لا عليك اخرجيني معك والله يدفع عني. فأخرجته معها ودخل مع اخوانه فرآه عمه آزر فقال لها من هذا المولود قالت هو ابن اخيك تارخ قال لعله المولود الذي يطلبه الملك. قالت لا عليك اذا عرف به فانا اقوم بحجتي عنده فلما عرف الملك وجه اللوم على آزر فاشار الى امه فقال لها الملك ما الذي دعاك لمخالفتي فقالت ان كان ولدي هذا الذي تطلبه فهو بين يديك وكف عن قتل الاطفال. وان كان ليس هو فمالك سبيل عليه فافحمته والقى الله محبته في قلب نمرود فتركه لها. وكف عن قتل الاطفال وعلم ان ما يفعله لا ينفعه.

٥١٣

ويروى ان ابراهيم (ع) خرج يوم في الليل فرأى جماعة يسجدون للنار دون الخالق القهار. فقال لهم ما الذي دعاكم الى عبادة هذه النار فقالوا ضياءها المنير فقال لهم ألا ترون هذا الكوكب العالي المضيء الذي لا يحتاج الى وقود ولا يناله من أراد كيده ، أليس هو من أولى من عبادة النار التي تحتاج الى الحطب ويطفئها قليل من الماء. فرؤوا ان الحجة لهم لازمة. فاطفأوا النار وسجدوا للكوكب ، فبعد قليل طلع عليهم القمر فقال لهم ابراهيم أليس عبادة هذا القمر اولى من عبادة هذا الكوكب. لانه اكبر وأضوء. فرؤوا ان الحجة لازمة لهم فسجدوا للقمر. حتى طلع النهار غاب القمر فقال لهم اني لا احب الآفلين فلما طلعت الشمس قال نهم اليس عبادة هذه الشمس اولى من عبادة القمر لانها اكبر وأضوء فرؤوا ان الحجة لازمة لهم فسجدوا فلما غابت قال لهم أليس الذي يسير هذه الشمس والقمر والكواكب اولى بالعبادة من هذه الاشياء المسخرة لقوة لا تقدر على مخالفتها فالذي خلق هذا الكون وما فيه منها الانسان والحيوان هو وحده الذي يستحق العبادة وحينئذ آمن معه من آمن وعاند من عاند كما هو شأن الامم في كل زمان ولذا قال عزوجل عن هذه القصة كما في قوله :

(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).

وحاشا لنبي الله ابراهيم خليل الرحمن ان يكون قد قال ما ذكره القرآن عن ايمان به وانما قال ما قال القاء حجة على قومه الذين كانوا يعبدون غير الله الخالق العظيم ومن اراد الاطلاع على تمام قصة ابراهيم (ع) فليراجع الجزء الاول ماذا في التاريخ.

(وحاجة قومه قال اتحاجوني في الله وقد هداني) ..

ان الفطرة حين تنحرف وتضل ثم قد تتمادى في ضلالها. ويبعد

٥١٤

الخط عن نقطة الابتداء. وهؤلاء قوم ابراهيم (ع) يعبدون اصناما وكواكب والقمر والشمس وما اشبه ذلك افلا يتفكرون ان تلك الحجة الهائلة التي القاها ابراهيم عليهم هي كافية اردعهم عن جميع ذلك لو كانوا يعقلون. ولذا ترى بعد ذلك حطم اصنامهم وسألوه عمن حطمها فارجعهم الى كبيرهم فلما لم يجبهم لام بعضهم بعضا على عبادة تلك الاصنام التي لا تقدر ان تدافع عن نفسها فضلا عن غيرها. بل لا تعرف من حطمها وابادها ولكن الاهواء والاغراض للاكابر ردتهم على اعقابهم وثاروا لأخذ النار فأشعلوا النار كما ذكر ذلك فيما يأتي ان شاء الله تعالى في محله في سورة الانبياء آية (٥٨) :

(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ. قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ. قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ. قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ .. وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ.)

فليست القضية قضية اصنام وأحجار ولكن قضية غايات واهواء. اخترعها الاكابر لتضليل العوام والجهال. ولينالوا بذلك ما يرغبون من هذه الحياة من جاه وملذات.

(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) انه منطق المتقين الواثق المدرك للحقائق. انه ان كان أحد معرضا للخوف فليس هو ابراهيم ـ الذي يعبد ربا قويا لا يفهر ولا يغلب ـ انما اولى بالخوف من يعبد مخلوقا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فضلا عن ان يدفع عن غيره هذا هو المستحق للخوف والتوبيخ.

٥١٥

ولقد كانت هي هذه الحجة التي ألهمها الله ابراهيم (ع) ليدحض بها حجة قومه التي جاؤوا بها يجادلونه. (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ. نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ)

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠))

البيان : في هذه الآيات ذكر لسبعة عشر نبيا رسولا ـ غير نوح وابراهيم ـ واشارة الى آخرين من آبائهم وذرياتهم. وذكر هذا الرهط على هذا النحو تمهيدا للتقريرات التي تليه.

(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وهذا تقرير لينابيع الهدى في هذه الارض. فهدى لله للبشر مبذول للجميع. والذي يلفت نظر العقلاء ويرعب اولى الالباب ان هؤلاء الانبياء والرسل المختارين لأشرف مركز الآلهي. اذا هم انحرفوا عن جادة الطريق المرسوم للعباد لحبط عملهم وهووا كما تهوى الطائرة اذا انعطب محركها وتحطمت مع كل من فيها وهناك الكارثة الكبرى فاذا كان الله عزوجل يحذر هؤلاء الصفوة من خلقه بالتحطيم والدمار والخسران الهائل ان هم خالفوا اوامر الله ونواهيه قيد أنملة ومقدار شعرة. فما حال سواهم اذا فعلوا ذلك وانطلقوا مع هواهم

٥١٦

وشهواتهم واطلقوا لغرائزهم العنان تفعل ما تريد وتشتهي (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ).

وهذا هو التقرير الثاني. فقد قرر في الاول مصدر الهدى. وقصره على الذين يطلبونه من الله تعالى. وقرر الثاني وهدد به المنحرفين بان الله يستبدل غيرهم ولا يضروا الا انفسهم (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهذا هو التقرير الثالث الذي يخبر به عن ثبوت أولئك الرهط على الطاعة والاذعان والهدى والاستسلام لخالقهم الكبير المتعال وهؤلاء هم الذين يجب ان يكونوا قدوة المخلوقات اجمع لانهم اهتدوا وثبتوا على الهدى واصبحوا نموذجا للسعداء الفائزين بنعيم الدنيا والاخرة الذي هو رضا الله تعالى فهذا الهدى وحده هو الذي يسار عليه ، وهؤلاء وحدهم يجب أن يكون قدوة للعالمين.

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢))

البيان : لقد كان المشركون في معرض العناد واللجاج يقولون : ان الله لم يرسل رسولا من البشر ولم ينزل كتابا يوحى به الى بشر بينما كان الى جوارهم في الجزيرة اهل الكتاب من اليهود والنصارى ولم يكونوا ينكروا عليهم أنهم اهل الكتاب ولا ان الله لم ينزل التوراة (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ). انها سنة من سنن الله أن يرسل الرسل. وان ينزل الله عليهم الكتب. وهذا الكتاب الجديد الذي ينكرون تنزيله. هو كتاب مبارك في اصله. معجزة في

٥١٧

ذاته. باركه الله العظيم. وهو ينزله من عنده. ومبارك في محله الذي علم الله انه له أهل ـ وهو قلب محمد ص وآله ـ (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ).

والذين يكتبون عن الاسلام من الاجانب يقولون : انه اول دين جاء بالعقيدة الكبرى في التوحيد الآلهي. والعقيدة الكاملة في حقيقة الرسالة والرسول. والاحكام الكاملة في الآخرة (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) وسميت مكة ام القرى لانها تضم البيت الحرام الذي هو اول بيت وضع للناس ليعبدوا الله فيه وحده بلا شريك. ومنه خرجت الدعوة العامة لأهل الارض. ولم تكن دعوة عامة من قبل (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ. وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) نعم ، فالذين يؤمنون بان هناك حياة بعد الموت وهناك حسابا وعقابا وجنة ونارا فلا بد من الايمان به والتمسك به في جميع ادوار الحياة وتطبيقه كما اراد الله رب العالمين فهي طبيعة نفس الفطرة. متى صدقت بالآخرة واستيقنتها صدقت بالكتاب كله وحرصت على تطبيقه. بدون ادنى تفريط لانها ترى السعادة والعز في ذلك لاحراز رضا الله والجنة.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))

البيان : قيل ان الفقرة الاولى نزلت في مسيلمة الكذاب وزوجنه سجاح بنت الحارث والاسود العنسي وهم الذين تنبأوا في زمن الرسول

٥١٨

ص وآله. (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) انه مشهد مفزع مرهوب. الظالمون في غمرات الموت وسكراته. ولفظ غمرات يلقي روعة هائلة في القلوب الحية. والملائكة باسطوا أيديهم بالعذاب والتهديد وهم يخاطبون ارواحهم للخروج لانها هي التي يدور مدارها النعيم والعذاب وجزاء الاستكبار والعقاب الهائل. وجزاء الكذب على الله التأنيب الفاضح. وكله مما يأخذ بالخناق من الهول والكآبة والضيق (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)

فاين الرجال والسلاح. وأين المال والبنون. وأين الجواري والقصور. كل ذلك قد زال عنكم وخلفتموه وراءكم ليكون نعمة لغيركم وعبؤه على رقابكم فالويل للغافلين عن هذا المقام المرعب الهائل. تهديد ووعيد وملائكة غلاظ شداد بأيديهم سياط العذاب وثياب القطران (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) وغاب عنكم جميع الاسباب انه المشهد الذي يهز القلوب الحساسة

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦))

البيان : انها المعجزة التي لا يدري سرها أحد. فضلا على ان يملك صنعها احد. انها معجزة خارقة. وانه لتحدي اللاذع المزري للذين يتبجحون ويقولون وصلنا الى القمر وخضنا الافاق. وهم لم يزالوا عاجزين عن خلق ذرة او بعوضة او حبة وانى لهم ذلك وهي من خصائص الخالق العظيم الذي يوجد من العدم ما اراد. (كن فيكون)

وفي كل لحظة تنفلق الحبة وتخرج ثمارها بما قدره خالقها وجميع من في الكون عاجزون عن فلقها واخراج ما يكمن فيها من نبات وثمار والوان واشكال صنع العليم الخبير. وتقف البشرية بعد كل ما رأت من

٥١٩

ظواهر الحياة واشكالها وبعد كل ما درست من خصائصها واطوارها. تقف امام صنع الله والسر المغيب كما وقف الانسان الاول على حد سواء انها تدرك الوظيفة والمظهر وتجهل المصدر والجوهر. والحياة ماضية في طريقها المعجز الهائل.

لقد كانت جميع الموجودات معدومة ، وجميع الاحياء موات فأخرجها خالقها العظيم من العدم الى الوجود ، ومن الموت الى الحياة وكلها عاجزة عن معرفة ذلك الخروج والحياة وهي من ذلك الحين ترى وتبصر وتحس وتسمع كيف يخرج الحي من الميت والميت من الحي وكلها تقر بالعجز عن أن تقدر على خلق بعوضة أو نملة او حبة من الحبات الموجودة. ولا يقدر ذلك الا الله الذي لا يعجزه شيء وحسبه اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

(ألبرت ما كوسب ونشتر) المتخصص في علم الاحياء ، وحامل دكتوراة من جامعة (تكساس) استاذ علم الاحياء بجامعة (بايلور) في مقال له :

(العلوم تدعم الايمان بالله ، وقد اشتغلت بدراسة علم الاحياء وهو من الميادين الفسيحة التي تهتم بدراسة الحياة ، وليس بين مخلوقات الله أروع من الاحياء التي تسكن هذا الكون. انظر الى نبات برسيم ضئيل وقد نما على جوانب الطريق ، فهل تستطيع أن تجد له نظيرا في روعته بين جميع ما صنعه الانسان من تلك العدد والآلات الرائعة ، انه آلة حياة تقوم بصورة دائبة لا تنقطع اناء الليل وأطراف النهار بآلاف من التفاعلات الكيماوية والطبيعية. ويتم كل ذلك تحت سيطرة (البروتويلازم) وهي المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية. (فمن أين جاءت هذه الآلة الحية المعقدة) ان الله لم يصنعها هكذا وحدها

٥٢٠