تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ١

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي

تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٠

١

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي ارتفعت عن مدارك الفكر جلالته. وتعالت عن مشابهة الانام صفته. واعجزت احاطة الافهام حكمته. وفاقت مبالغ الاوهام عظمته.

الذي له في كل ما رأته الابصار اللاحظة. وبلغته العقول الزاكية وعرفته القلوب الواعية. آيات واضحة على وحدانيته. ودلالات ناطقة على ربوبيته.

الواحد لا ثاني له في القدم. والمحدث الاشياء من المعدم والمجدد لها بعد العدم. الاول الذي لا يقدمه قبل. والآخر الذي لا يعقبه بعد. لا مانع لما اعطى. ولا معطي لما منع. الذي أين الاين وكيف الكيف. وخلق الزمان والمكان.

فلا يقال اين كان. ولا اين يكون. وجوده قبل القبل في أزل الآزال. وبقاؤه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال. غنى في الاول والآخر. مستقن في الظاهر والباطن.

وصلّى الله على محمد وآله وعترته. المتفرعين من نبعته. المستودعين لحكمته. الحافظين لشريعته. اعلام الاسلام وأئمة الانام. ما دامت الليالي والايام وما اختلف الليل والنهار.

والحمد لله الذي انزل القرآن المجيد هدى ورحمة للعالمين. وهو

٣

نور يتوقد مصباحه ، ودليل لا يخمد برهانه. وحق لا تخذل اعوانه. وشفاء للصدور. ودواء للقلوب. وهو الحق المبين والصراط المستقيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

والحق في منهج الله اصيل في بناء هذا الوجود. ليس فلتة عابرة ولا مصادفة غير مقصودة ان الله سبحانه هو الحق. ومن وجوده تعالى يستمد كل موجود وجوده.

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ. وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). وقد خلق الله هذا الكون بالحق لا يتلبس بخلقه الباطل. وما خلق الله ذلك الا بالحق.

(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) والخير والصلاح والاحسان اصيلة. كالحق باقية بقاؤه في الارض. والامر واضح واليقين جازم. انه لا صلاح لهذه الارض. ولا لراحة لهذه البشرية. ولا طمأنينة لهذا الانسان. ولا رفعة ولا طهارة ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة الا بالرجوع الى الله رب العالمين.

والرجوع الى الله ، له صورة واحدة وطريق واحد. وهو الرجوع الى منهاج الله تعالى والعودة اليه بالحياة منهاج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه المجيد. وان يكون التحاكم اليه وحده.

والا فهو الفساد في الارض والشقاء للناس والارتكاس في الحمأة والرجوع الى الجاهلية ان الاحتكام الى منهج الله تعالى في كتابه وفي سنة نبيه ص وآله. ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار. انما هو الايمان .. او .. فلا ايمان (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ).

٤

والامر اذن جديّ. انه أمر العقيدة من أساسها. ثم هو امر سعادة هذه البشرية أو شقائها.

ان هذه البشرية ـ وهي من صنع الله ـ ولا تفتح مغاليق فطرتها الا بمفاتيح من صنع الله. ولا تعالج أمراضها وعللها الا بالدواء الذي يخرج من عند الله سبحانه.

وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل خير وصلاح. وشفاء كل بلاء وداء. (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).

ولكن البشرية لا تريد ان ترد الامر الى صاحبه. ولا تذهب بالمريض الى طبيبه ومبدعه.

ومن هنا جاءت الشقوة للبشرية الضالة. البشرية المسكينة. الحائرة. البشرية التي لن تجد الرشد ولن تجد الهدى. ولن تجد الراحة. ولن تجد السعادة الا حين ترد الفطرة البشرية للى صانعها وخالقها. الذي هو أدرى بكل ما يصلحها ويسعدها. ويدنيها للكمال والفضيلة.

ان هناك عصابة من المضللين الخادعين أعداء البشرية ، يضعون لها المنهاج الالهي في كفة والابداع الانساني في عالم المادة في كفة اخرى. ثم يقولون لها اختاري ، اختاري اما المنهاج الالهي في الحياة والتخلي عن كل ما ابدعته يد الانسان في عالم المادة. واما الاخذ بثمار المعرفة الانسانية والتخلي عن منهج الله.

وهذا خداع لئيم خبيث. فوضع المسألة ليس هكذا ابدا. ان المنهج الالهي ليس عدوا للابداع الانساني. انما هو منشىء لهذا الابداع وموجه له الوجهة الصحيحة. ذلك كي ينهض الانسان بمقام الخلافة في الارض.

٥

هذا المقام الذي منحه الله له. وأقدره عليه. ووهبه من الطاقات المكنونة ما يكافىء الواجب المفروض عليه فيه. وسخر له من القوانين الكونية ما يعينه على تحقيقه. ونسق بين تكوينه وتكوين هذا الكون ، ليملك الحياة والعمل والابداع.

بشرط أن يكون الابداع نفسه عبادة لله. ووسيلة من وسائل شكره على آلائه العظام والتقيد بشرطه في عقد الخلافة. وهو ان يعمل ويتحرك في نطاق ما يرضي الله.

فأما اولئك الذين يضعون المنهج الالهي في كفة. والابداع الانساني في عالم المادة في الكفة الاخرى ويجعلون بينهما مضادا تاما. فهم مضللون سيئوا النية ، شريرون ، يطاردون البشرية ، المتعبة الحائرة لأنها تعبت من التيه والحيرة والضلال. وأبت أن تسمع الصوت الحادي الناصع. وان تؤوب من المتاهة المهلكة وان تطمئن الى كنف الله تعالى. فمنهج الله تعالى هو الذي يبارك بكل ما ينتجه الانسان في هذه الحياة.

وهناك آخرون لا ينقصهم حسن النية. ولكن ينقصهم الوعي الشامل. والادراك العميق ... هؤلاء يبهرهم ما كشفه الانسان من القوى والقوانين الطبيعية. وتروعهم انتصارات الانسان في عالم المادة. فيفصل ذلك البهر وهذه الروعة في شعورهم بين القوى الطبيعية ، والقيم الايمانية. وعملها وأثرها الواقعي في الكون. وفي واقع الحياة ، ويجعلون للقوانين الطبيعية مجالا. وللقيم الايمانية مجالا آخر.

ويحسبون أن القوانين الطبيعية تسير في طريقها غير متأثرة بالقيم الايمانية. وتعطي نتائجها سواء آمن الناس أم كفروا. اتبعوا منهج الله ام خالفوا عنه. حكموا شريعة الله أم الحكموا بأهواء الناس.

وهذا وهم ... انه فصل بين نوعين من السنن الالهية هما في حقيقتهما غير منفصلين فهذه القيم الايمانية هي بعض سنن الله في الكون

٦

كالقوانين الطبيعية سواء بسواء ونتائجها مرتبطة. ومتداخلة ولا مبرر للفصل بينهما في حس المؤمن وفي تصوره.

وهذا هو التصور الصحيح الذي ينشئه القرآن في النفس حين يعيش الانسان في كنف منهاج الله تعالى ... ينشئه وهو يتحدث عن أهل الكتب السابقة وانحرافهم عنها وأثر هذا الانحراف في نهاية المطاف قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).

ان الايمان بالله وعبادته على استقامة ، واقرار شريعته في الارض ، كلها انفاذ لسنن الله وهي سنن ذات فاعلية ايجابية. نابعة من ذات المنبع الذي تنبثق منه سائر السنن الكونية التي ترى آثارها الواقعية بالحس والاختبار.

ان شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون. فانفاذ هذه الشريعة لابد أن يكون له أثر ايجابي في التنسيق بين سير الناس وسير الكون. والشريعة ان هي الا ثمرة الايمان. لا تقوم وحدها بغير أصلها الكبير. فهي موضوعة لتنفذ في مجتمع مسلم. كما انها موضوعة لتساهم في بناء المجتمع المسلم. وهي متكاملة مع التصور الاسلامي كله للوجود الكبير وللوجود الانساني ... وهكذا يبدو التكامل والتناسق بين سنن الله كلها سواء ما نسميه القوانين الطبيعية. وما نسميه القيم الايمانية. فكلها أطراف أطرافها من سنن الله الشاملة لهذا الوجود.

والانسان كذلك قوة من قوى الوجود ، وعمله وارادته وايمانه وصلاحه. وعبادته ونشاطه ... هي كذلك قوت ذات آثار ايجابية في

٧

هذا الوجود. وهي مرتبطة بسنة الله الشاملة للوجود. وكلها تعمل متناسقة. والارتباط قائم وثيق بين عمل الانسان وشعوره ولا يحول بين الناس وسنة الله الجارية الا عدو البشرية. يطاردها دون الهدى وينبغي لها أن تطارده وتقصيه عن طريقها الى ربها الكريم (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ). (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ). والحمد لله بدأ وختما وصلّى الله على محمد وآله المعصومين. وأصحابه الصديقين.

حكم وعبر. لأولي الالباب

الويل لعبد يطيعه الناس.

وهو يعصي مولاه العظيم

الويل لعبد يمدحه الناس.

وهو مذموم عند مولاه الكريم

الويل لمن يهته بنيل المال.

ولا يهتم بنيل جنات النعيم

الويل لمن يهتم بدفع البلاء.

ولا يهتم بدفع نار الجحيم

***

انا اتعجب ممن يدعي الايمان بالله العظيم

كيف يرجو غيره. ام كيف يخشى سواه الحقير

أنا أتعجب ممن يدعي الايمان بالجنة والنار

كيف يلهو ويفرح. ام كيف يقر له قرار

قبل تحصيل الامان من النار في هذه الحياة

***

اصحاب الجرائم تؤنبهم ضمائرهم على جرائمهم

فيستعملون شرب الدخان. والملاهي والمسكرات

ليشغلوا افكارهم عن تأنيب ضمائرهم لهم

ومن هذه المؤثرات. نستكشف اصحاب المنكرات

٨

الفصل الأول

القرآن كتاب الله

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)

اني احس بأن جيلنا الجديد يشعر باحتياج شديد الى معرفة الاسلام لكل دقيق علمي ملائم مع منطق العصر ومتطلبات الزمن ومستلزمات الحركة والتقدم ، ويشعر ضمنا باحتياجاته الى معرفة مصادر الثقافة الاسلامية ومنبع افكار الاسلام ، لكي يستطيع مقاومة كل الافكار والامواج الفكرية والسياسية والعقائد الايدلوجيات الوافدة بشكل هائل على منطقتنا ـ نتيجة الانفتاح على العالم الحديث ـ وبشكل قد يؤدي الى اهتزاز الارضية الفكرية والعقائدية لا جيالنا القادمة وقطع علاقتها مع دينها ، فيما لو لم نفكر جذريا في أحداث نهضة اصلاحية فكرية ، تكفل لنا العودة الى منابع الدين الاصيلة ومصادر ثقافتنا الاسلامية.

ولا يصح الاكتفاء باظهار الحاجة والتأسف لانقطاعنا عن الاسلام ومصادر فكره وعقيدته.

والقرآن هو المصدر الاول والاساسي من مصادر الثقافة الاسلامية وهو المنبع الصافي لمبدأ الله تعالى ومنطلقات الاسلام.

وبما ان الامة تتغذى بمصادر ثقافتها ، فاذا انقطعت عن هذه

٩

المصادر فانها سوف تنقطع عن الاصالة والاستمرار ، وينقطع عنها شريان الحياة والحركة الحضارية.

وهكذا أصبحنا نعاني من هذه المشكلة الخطيرة ، فما هو السبب؟

ـ السبب ان المسلمين أصبحوا لا يفهمون لغة المصادر الثقافية ـ من قرآن وسنة وحديث ودعاء وخطب نهج البلاغة وزيارات.

صحيح ان القرآن نزل بلسان عربي مبين ـ وكذلك الاحاديث والادعية والخطب والزيارات .. وصحيح اننا عرب ننطق بلغة الضاد ولكن المشكلة هي سطحية التفكير والرؤية تجاه هذه المصادر وهي التي تحجب عن فهم محتواها الفكري ومضامينها الصحيحة.

ولاننا لا نفهم لغة القرآن بشكل صحيح وبذلك لا ندرك روح القرآن ولا نعي مفاهيمه الحياتية ، وهكذا ضيعنا روح القرآن وكرسنا قشوره في حياتنا فلا تجدنا نقرأ القرآن الا للتبرك والتيمن وتحصيل الثواب المجاني.

وأصبح القرآن الذي هو كتاب حياة لا يقرأ الا على الاموات في المقابر وأصبحنا نتغنى بالقرآن ونجيد تلاوته بالحان مختلفة ونتقن القراءات السبع أو العشر.

فماذا نعمل؟

ان القرآن بصائر وهدى كما قال الله تعالى (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) وقال (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧ / ٢٠٣).

والبصيرة هي الرؤية والمنظار الحقيقي الى الاشياء ، ووسيلة الفهم والادراك والوعي الانساني.

ولان القرآن بصائر وروىء كاشفة لطريق الوعي والهداية ، ولان القرآن كتاب حي وخالد فانه يتكلم بلغة الرموز التي تحمل ابعادا مختلفة وتنطوي على حقائق علمية وفكرية واسعة.

١٠

فانا نجد القرآن ـ يستعمل لغة الرموز ـ ليبقى قابلا للفهم والتأمل في كل عصر ومن قبل كل جيل ولا يفقد رونقه وجدته برغم مرور الزمن.

واننا لو امتلكنا روح التأمل والبحث واكتسبنا النظرة العلمية المنطقية وبواسطتها بدأنا النظر والتدبر في القرآن لتمكنا من اكتشاف تلك الحقائق الكامنة وراء الرموز واستطعنا من استيعاب البصائر والرؤى القرآنية الصادقة تجنب جميع المهالك.

ان جيلنا وقبل تحصيله للنبوغ العلمي والكنفاءات الفكرية العالية يحتاج الى روح التحقيق المنطقي والبحث العلمي.

لان تقدم العصر الحديث والتطور التكنولوجي والعلوم منذ بداية هذا القرن ، لم يحصل هذا التقدم والتطور بواسطة افكار النوابغ والعلما. الكبار من البشر ، بل أن في القرون وفي العصور الذهبية في اليونان نشاهد وجود نوابغ فطاحل من أمثال أفلاطون وسقراط وابيقو وبطليموس وسن اوغسطن ، ولا شك انهم كانوا أعظم نبوغا وقدرة وأهلية من غاليلو او كبرنيك او نيوتن واديسون وبيكال من رجال القرن الثامن والتاسع عشر : ـ

اذن فلماذا لم يحصل في ألف سنة من تلك العصور الذهبية حتى عشر ما حصل في هذين القرنين الاخرين من التقدم العلمي الهائل والنهضة الصناعية الحديثة ما هو السبب؟ وماذا حدث؟

أظن أن السبب هو تطور النظرة العلمية الى الحياة وطريقة البحث والتأمل التي حدثت لدى هذا الفريق من العلماء والمفكرين في الفترة الاخيرة وكذلك روح المطالعة والتحقيق والكشف الدقيق ، الروح التي اويتها بيكن او سوتن وزملائهما من العلماء والمفكرين.

وهذا هو السبب الذي فجر ثورة العلم والتكنولوجيا واحدث التطور الحضاري والتقدم في العصر الحديث.

١١

وجيلنا بحاجة الى هذه الروح العلمية والنظرة التأملية الدقيقة لكي يدرس بها الاسلام من خلال مصادره الاولية القرآن والسنة والاحاديث والخطب والزيارات ، وبذلك يستطيع الانسان ان يدرك كثيرا من البصائر والرؤى الهادية ، ويستوعب حقائق ومفاهيم القرآن والاسلام.

ولو امتلكنا هذه الروح والنظرة التحقيقية فانا لا نحتاج الى نبوغ كبير وتخصيص علمي حتى ندرك تلك البصائر والحقائق ونكشف الرؤى والمفاهيم ، بل ان أبسط مفكر وأصغر مثقف عندنا يتمكن من ادراك واكتشاف ذلك بما اولى من طريقة التأمل والتحقيق في الاشياء والتدبر في آيات القرآن والكون.

فمثلا : الملاحظة الاولى :

لو دققت النظر في مجرد اسماء وعناوين السور التي يحتويها القرآن والتي اختارها الله تعالى في ثنايا كتابه ، وسألنا أنفسنا : لماذا هذه الاسماء والالفاظ بالذات؟ فمن سورة (الفاتحة) الى سورة (الناس) نجد (١١٤) سورة وبعض السور لها أكثر من اسم واحد يعني ما يقرب من (١٢٠) اسما وعنوانا للسور.

ثم لو قسمنا هذه الاسماء والعناوين ، وحسب مدلولاتها ومعانيها على سلسلة المواضيع التي تعالجها لكانت النتيجة من التقسيم الموضوع هكذا :

١ ـ قسم من أسماء السور تدور معانيها حول الكائنات الطبيعية مثل : البقرة. الرعد. النحل. النمل. العنكبوت. النور. الشمس. النجم. القمر. الدخان. الحديد. الليل. الضحى. الزلزال. الجن. الانسان. الفيل. وغيرها وكلها تندرج في صنف الموجودات الطبيعية.

٢ ـ قسم من أسماء السور تدور معانيها حول المجتمع والسياسة والاصناف الاجتماعية مثل : الاحزاب. والمؤمنون. والشورى. والنساء والصف وكلها تدور حول اوضاع وأصناف المجتمع.

١٢

٣ ـ قسم من أسماء السور هي مثل : آل عمران. الانبياء. يونس. هود. يوسف. ابراهيم. نوح. الروم. مريم. سبأ. محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تدور حول التاريخ وابطاله واحداثه.

٤ ـ قسم من أسماء السور هي مثل : الاعراف والقارعة والواقعة والقيامة والحاقة والنازعات والغاشية والقدر وكلها تدور حول مسائل الميتافزيقيا والمصير لما وراء الطبيعة للعالم.

٥ ـ من اسماء السور : هي مثل : الانفال والزكاة والمائدة والانعام ، تدور حول المسائل الاقتصادية.

٦ ـ قسم من أسماء السور مثل : عبس. همزة. مطففين. الماعون. تدور حول المسائل الاخلاقية والصفات السلوكية.

٧ ـ قسم من أسماء السور مثل : الحج. السجدة. تدور حول العبادات وهكذا نصل بالنتيجة الى وضع هذا الجدول حسب الترتيب العددي لمواضيع السور.

١ ـ الكائنات والموجودات الطبيعية

٣٢ سورة

٢ ـ العقيدة والمبدأ الفكري

٢٩ سورة

٣ ـ المجتمع والطبقات والاصناف الاجتماعية والسياسية

٢٧ سورة

٤ ـ التاريخ وفلسفة التاريخ

١٧ سورة

٥ ـ الاخلاق والسلوك

٤ سور

٦ ـ المسائل المادية والاقتصادية

 ٤ سور

٧ ـ العبادات والشعائر الدينية

سورتان

فيما يبدو للوهلة الاولى من التصور ان القرآن بما انه كتاب ديني ، مهمته ربط الانسان بالله والآخرة وهداية المجتمع وتوجيهه روحيا ، فالمفروض أن السور التي تتطرق للعبادات يجب أن تكون لها أعلى رقم وتتلوها سور الاخلاق ، وتأتي بعدها المسائل الاجتماعية ، واخيرا يأتي في المرتبة الاخيرة من حصيلة الارقام.

١٣

فسورتان فقط للعبادات وهما : السجدة والحج ، وحتى الحج فان جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية اكثر من الجانب العبادي وأقوى من الجانب الفردي.

فالقرآن هدفه الاساسي : صنع الانسان العقائدي والمفكر الواعي واعداد المجتمع الانساني وتخطيط حياته المستقبلية ، ويهدف أبدا الى توجيه الانسان الى القوانين الطبيعية والسنن الكونية وفتح عينيه على الكائنات الطبيعية وثرواتها وكنوزها لكي يستثمرها في سبيل سعادته ويسخرها لمصالحه.

والقرآن هو الكتاب الوحيد ـ دون سائر الكتب الدينية والسماوية وغيرها ـ الذي يوجه الانظار الى الطبيعة وكائناتها الحية ، ويختار اسماء سوره من كلمة واحدة فقط وبشكل دقيق يثير العقل والانتباه ويثير الحيرة والعجب ـ مع تصورنا التقليدي الحالي للقرآن ـ البقرة ، العنكبوت. النمل. النحل. الرعد. الزلزلة. النور. الشمس. النجم. القمر. البروج. التين. الزيتون. المائدة. العلق ..

كلها رموز ... ويجب أن نحقق ونبحث فيها وفي كل كلمة وكل آية ـ ومضمون من القرآن بنفس الروح التأملية والنظرة العلمية الدقيقة ، ونستنتج منها هذه المعادلات ـ الحقائق والرؤى الفكرية والبصائر الهادية.

الملاحظة الثانية :

من الملاحظ أن كل كتاب يحاول مؤلفه أن يهتم بمقدمة الكتاب وخاتمته فيصب كل موهبته وخبراته الفكرية ومهارته الادبية في المقدمة والخاتمة من الكتاب.

وهكذا نجد كل شاعر ينظم قصيدة يركز اهتمامه وذوقه الفني على مطلع القصيدة وهو البيت الاول منها ، وعلى بيت القصيد ـ وهو آخر بيت منها غالبا.

١٤

وذلك لمدى أهمية بداية الكتاب ونهايته في ترسيخ معاني الكتاب. وتكريس قيمه وتشريعاته.

فلنتأمل في كتاب الله وقرآننا الحكيم ، ولننظر ما هي كلمة البدء فيه وما هي كلمة الختام ، لنجد أول كلمة وآخر كلمة من القرآن.

القرآن أول كلمة فيه (بِسْمِ اللهِ) وآخر كلمة فيه (النَّاسِ) يبدأ باسم الله ، وينتهي باسم الناس.

فالقرآن كتاب يبتدأ من الله وينتهي الى الناس.

يبدأ بالمدح والثناء والشكر لله والاعتراف بربوبيته وحاكميته وسائر صفاته ، والاقرار له بالعبودية والخضوع له والاستعانة به واستمداد النصرة والهداية والقوة منه دعاء اليه ان يجعلنا من المهتدين ولا يجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضالين.

هكذا يبتدىء ...

وينتهي بالاستعاذة من الله (برب الناس ، اله الناس ، ملك الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ...) نستجير ـ به سبحانه وتعالى ـ من كل عوامل التضليل والخداع والتزوير ، ومن كل وسائل الغزو الفكري والتسمم الروحي ، والتخدير الاجتماعي ، ـ نستعيذ بالله الذي هو ملك الناس من خطر (الخناس) الذي يحرف الناس عن طريق الله والقرآن ـ وتدخل في الناس كل اجهزة ـ التضليل الفكري والتحريف الاعلامي.

من هنا نجد القرآن له منطلقات ، من جهة منطلقه الاول والحقيقي هو (الله) ومنطلقه الثاني هو (الناس).

فالناس في العالم من الله والى الله يعودون ، والله مع الناس ضد أعداء الله والانسانية.

فانطلاق القرآن من هذين المبدأين : (الله والناس) يعني انه يضرب

١٥

مفاهيم التفرقة والعنصرية والاقليمية ، والتمييز الطبقي واللوني بين ابناء المجتمع الانساني.

فهذا طريق القرآن واضح ـ من الله الى الناس ومن الناس الى الله ـ

ونجد مصداق هذه الحقيقة في صورة الصلاة :

حيث تفتتح بكلمة «الله اكبر» وتنتهي بكلمة «السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

تبتدأ باسم الله ، وتنتهي بالسلام على الناس.

وهذه لها دلالة كبيرة : وهي انك يجب أن تنطلق من الله لتنتهي الى الناس ... تنطلق في بعد السماء ... وتأخذ من الله ، لتعطي للناس ..

فللانسان في الحياة بعدان .. بعد السماء وبعد الارض .. بعد الروح .. وبعد المادة والجسد ..

فهو ينطلق في البعد الاول الذي هو بعد القيم والمثل والاخلاق .. فيأخذ ويستلهم ويستمد كل قوة وقيمة ومعنوية .. ليحولها الى عطاء في بعد الارض .. ويعطي للناس .. ويجسد قيمه ومبادئه.

ونجد أنه قال (الناس) ولم يقل (الانسان) لان الانسان مفهوم ذهني يدخل فيه كل نوع ، فحتى نيرون يطلق عليه الانسان أو أي سفاح آخر.

أما (الناس) ـ فليس مفهوما ذهنيا ـ بل هذا الواقع الخارجي يشكله الناس ، هذه المجاميع الانسانية الساكنة في المدن والبلاد ، انا وأنت وكل الناس في الخارج فهؤلاء هم المقصودون وهم الذين يخاطبهم القرآن والانبياء لا الطبقات الخاصة ولا الطبقات الحاكمة والمتميزة كطبقات الاشراف والعلماء والملاك والحكام ، وانما الناس.

لذلك فالقرآن يصرح في هذه الكلمة الاخيرة ـ انه هو ملك الناس واله الناس ورب الناس.

١٦

وبهذه النظرية التأملية والوجدان المنطقي الى القرآن نكتشف ان القرآن يصل الانسان بالله ويصل الله بالانسان ، ويفلسف التاريخ حسب هذه النظرة .. ويخلص الانسان من مذاهب التجرد والرهينة والعزوف السلبي عن الحياة ، ويربطه بالمجتمع والحركات الاجتماعية والقوانين الاجتماعية ، ويلفت نظره الى مظاهر الطبيعة وأسرار الكون الدقيقة ، ويقسم بكائنات الطبيعة ليفتح عينيه على ما وراء الطبيعة ويستدل بحركة المادة على محركها الله .. والشمس .. والنهار .. والعصر ..

وهكذا يجب أن يتحرك كل واحد منا ـ لا طبقة مخصوصة منا فقط ـ من أجل تحديد نظراتنا وتوسيع افكارنا ووعينا حسب هذا المنهج العلمي والاسلوب التأملي ، حتى يتمكن جيلنا من أن يصنع نفسه وعقله وروحه من جديد ويتحرك من تلك القوالب الجامدة والتركة الثقيلة والماضي الموروث ومن أغلاله القاسية ، ويتسلح بالنظرة العلمية والمنطق الديني الصحيح ليرد به هجمات الافكار الغازية ويقاوم العقائد المنحرفة يكون له القدرة والايمان والاختيار السليم.

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)

القرآن وكتاب الطبيعة :

ان احسن اسم لهذا الكتاب هو القرآن (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ).

ونرى القرآن يقسم ب «القلم» وما يسيطرون بالفكر وأدوات التعبير عن الافكار ، ويكون اسمه القرآن ، وأكثر من نصف سورة تبحث عن مسائل الفكر والعقيدة والنظر والمعرفة.

ويدعو الناس الى قراءة كتاب الكون ، والتأمل في آياته ...

وهذا ما فعله بيكن حينما شاهدوه خارجا من «المسلخ» وبيده سكين ملطخ بدماء العجل ، فسألوه ماذا كنت تصنع؟ فقال : كنت أطالع.

ماذا في التاريخ ج ١٩ ـ ٢

١٧

ـ تطالع في المسلخ؟

ـ قال : نعم كنت اقرأ في كتاب الطبيعة والحيوان ..

وبيكن هذا كان معروفا بتجاربه ومشاهداته للظواهر الطبيعية .. وكان شغوفا بالعلوم الطبيعية ، ويرفض الأخذ بما جرى به العرف بالرأي الشائع

فالقرآن أشبه شيء بالطبيعة وقوانينها ..

فالطبيعة هي كتاب الله التكويني ، والقرآن هو كتابه التشريعي الذي فيه قوانين الطبيعة والحياة ، وهو مصنوع من عناصر الكلمات ويخضع لقوانين وحسابات دقيقة جدا ، مثلا لنرى شجرة مثمرة كيف تخضع لقوانين طبيعية ونسب كيمياوية دقيقة ، كذلك كلمات القرآن وأجزاءه منسقة علميا وفنيا.

فالتنسيق تام ودقيق في الروابط بين الكلمات والاوتار والفواصل وطول العبارة وقصرها متناسبا مع مواضيعها ، بالاضافة الى القواعد البيانية والفكرية والبلاغة ، فكلها ضمن هندسة لفظية ومعادلات رياضية وفنية ـ كما اكتشف (هيننك) السمفونية في الآيات وطول التوقات الموسيقية فكانت متناسبة مع المعاني والعواطف التي توجدها الآية.

ولان القرآن مثل الطبيعة وقوانينها ، لذلك تجد القرآن يستعمل كلمة «الوحي» بمعناها الشامل ..

فيقول الله تعالى :

(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)

ومخاطبة النبي بالرسالة «وحي».

لماذا»؟

لان الوحي كلمة أعم من القول والفعل ..

«الوحي» هو الرابطة بين الله والطبيعة والانسان والكائنات كلها.

١٨

فالرابطة الاولى التي أوجدها الله هي قوانين الطبيعة ، ثم قوانين الحياة أو ثالثا الدين والكتاب ..

وكلها «هدى».

الهام الحيوانات بالغريزة هدى ، وتسيير النباتات والاشجار ـ حسب قوانين النبات ـ هدى أو اعطاء الكائنات منهج الحركة ـ الاستمرار هدى.

(رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)

فالله يهدي البذرة التي في الارض ان تقوم بثلاث عمليات في آن واحد :

اولا ـ تركت نفسها في التراب ـ ثانيا ـ تخرج سيقانا تمتد من باطن الارض باتجاه السماء وثالثا ـ تمتد جذورها نازلة في اعماق الارض.

لانها من دون تركيز نفسها لا تستطيع ان تتحمل السيقان ومن دون أن تمد سيقانها باتجاه السماء لا تستطيع ان تمتص الهواء ونور الشمس ، ومن دون أن تمت جذورها في اعماق الارض لا تستطيع ان تمتص ما فيها من الاملاح والماء.

انك عند ما تضع مزهرية في غرفة الاستقبال .. وكانت تدخل الشمس من خلال جانب خاص ، فان النبات سيميل حتما بأوراقه ناحية ضوء الشمس.

ترى : من ألهم النبات علم الكيمياء الذي يقول : ان الشمس مصدر الحياة فوق هذه الارض.

أليس (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)؟

من علم النبات مثلا ان «الجلوكوز» الذي يصنعه النبات من «ثاني اوكسيد الكربون» والماء يحتاج الى تخليق ، وان التخليق لا يتم الا بضوء الشمس؟

١٩

فهذه معنى الهداية التي أوحى بها الله الى كائنات الطبيعة معناها أعطى النبات حساسية اتجاه الاشعة الشمسية فجعله يستجيب بالميل نحو الاشعة حتى ولو بلغت من حيث الضعف جزءا من ألف جزء من القمر في حالما كونه بدرا ، هدى النبات أيضا الى أن يقوم بظاهرة التمثيل الضوئي او ظاهرة الانتماء الارضي (وهو توجه الساق الى اعلى رقم جاذبية الارض).

بل تصور جسمك انت : هذا الذي تعمل فيه عشرات الملايين من الاجهزة المختلفة ، فهل هي تعمل بادارتك ، هل انت تحرك قلبك هل انت تخطط للدورة الدموية ، هل انت تهدي كبدك الى العمل؟ هل الخلايا تقوم باعمالها حسب ارادتك وعلمك؟

من يهدي الكبد الى القيام بخمسمائة عملية كيماوية في وقت واحد؟

انه ربنا الذي اعطى كل شيء «خلقه ثم هدى»؟

هذا هو الوحي الذي زود به الخالق كائنات الطبيعة ..

وهذه الهداية التكوينية التي ترافق كل شيء في الحياة فترسم له خطة الحياة ومنهج العمل والاستمرار والحركة.

فالقرآن يدعو الى التأمل في كائنات الطبيعة .. وقراءة آيات الكون ويحث على الفكر والتدبر .. لأنه كتاب الحياة .. ولأنه هو الكتاب التشريعي الذي يكشف عن قوانين الطبيعة والحياة.

من هنا كان احسن اسم لهذا الكتاب هو (القرآن) من القراءة ..

وكان أول كلمة منه داعبت اذن النبي محمد (ص) وهتفت بالانسان :

(اقْرَأْ .. بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ .. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ .. اقْرَأْ .. وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)»

كلمات .. قراءة .. وخلق الانسان .. وعلق .. وعلم .. وقلم ..

٢٠