تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

حتى أتحقق وجوده في المكان فدخل ـ وكان الله قد رفع عيسى (ع) من المكان ـ فلم يره الواشي فاختار في أمره وأبطأ من الخروج اليهم فاقتحموا عليه المكان ـ وكان الله قد القى عليه شبه عيسى ـ فقبضوا عليه لعلمهم أنه عيسى الذي يطلبون من أمد بعيد ، فجعل يقول لهم انا صاحبكم الذي أخذت الدراهم منكم لأدلكم على عيسى فلم يصدقوه وذهبوا به الى الصلب وجرى ما جرى. فلما صلب الواشي وأتى عليه سبعة أيام قال الله تعالى لعيسى اهبط على امك مريم لتجمع لك الحواريين وتبثهم في الارض دعاة. فهبط فاشرق الجبل نورا ، فجمعت له الحواريين فحدثهم وبثهم في الارض دعاة ، ثم رفعه الله تعالى ، وتلك الليلة هي الليلة التي تدخن فيها النصارى ، فلما أصبح الحواريون حدث كل واحد منهم بلغة من ارسل عيسى (ع) اليهم ، فهذا معنى قوله عزوجل (وَمَكَرَ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧))

البيان : قد ذكر في معنى الوفاة : ان عيسى (ع) رفع وهو نائم ، والنوم كالوفاة كما قال عزوجل :

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ. ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) س ٦ ٦٠ ي

والمعنى الثاني في الوفاة ، انما أراد عزوجل أن يخبر أن عيسى سيرجع الى الارض عند خروج حجة الله المهدي المنتظر (ع) ويصلي عيسى خلفه ويعيش عيسى مدة ثم يموت كما يموت سواه من البشر ـ

٢٤١

وهذا يكون ردا على من يقول انه اله او ابن الله نعوذ بالله وانه لا يموت ـ

(ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)

إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤))

البيان : ان التوجيه القرآني كله وحي من الله تعالى ، يتلوه على نبيه ص وآله ، وفي التعبير معنى التكريم ، وانه لحكيم يتولى تقرير الحقائق الكبرى في النفس والحياة بمنهج واسلوب وطريقة تخاطب الفطرة البشرية ، بشكل غير معهود فيما صدر من قبل هذا.

ثم يحسم التعقيب في حقيقة عيسى (ع) وفي طبيعة الخلق والارادة التي تنشىء كل شيء كما انشأت عيسى (ع) (كُنْ فَيَكُونُ) (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) ، بل وجود آدم أعجب وأغرب.

ان ولادة عيسى (ع) مخالفة للمألوف لا غير وليست هي مخالفة لصنع الله وارادته التي لا يتخلف عنها المراد ، فالشيء العجيب والغريب بالنسبة الى المخلوق المحدود بكل جهاته ، لا غير.

أهل الكتاب يقرون بخلق آدم من تراب من لا شيء والتراب شكليا لادخل له أصلا. وان النفخة من روح الله هي التي جعلت منه هذا الكائن الانساني. ولم تصاغ الاوهام والاساطير حول خلق آدم

٢٤٢

فلماذا فيما هو أقل منه قامة قيامة الناس ، ولكنها الغايات والاهواء لا غير.

وهنا توضح القضية ويظهر الحق جليا ـ يوجه الله تعالى رسوله الكريم الى أن ينهي الجدل والمناظرة مع وفد نصارى نجران ، حول هذه القضية الواضحة ، وحول هذا الحق المنير ، وان يدعوهم الى المباهلة كما هي مبنية في كل قضية عسر حلها ، عند التخاصم والتجادل في كل عصر وزمان فقال عزوجل :

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ، فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ ... فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)

فدعا رسول الله ص وآله نصارى نجران في الاجتماع الحاشد ، ليبتهل الجميع الى الله فينزل اللعنة والعذاب بالمبطل المكذب ، وتنحل القضية بشكل لا يقبل جدال أو قيل وقال.

ولكن المبطل والكاذب يعرف نفسه فلا يقدم على ما يتحقق له فيه الهلاك والدمار وانما كان يستعمل الكذب والبطل لأجل الحياة. فمن المستحيل أن يقدم على ما فيه ذهاب الحياة. فعين الموعد بالزمان والمكان وجاء ابو القاسم محمد بأشرف اهل الارض والسماء يباهل بهم نصارى نجران. جاءهم بابنيه الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة وبضعته الزهراء سيدة نساء العالمين وخليفته سيد الاوصياء ، الذي هو نفس الرسول بنص القرآن المجيد علي بن ابي طالب (ع).

وجث صفوة الله على الركب ورفعوا أيديهم في السماء ، واذا بالطير قد فتحت فاها وبالاشجار قد تدلت أغصانها ، واذا بالجبال قد أحاط بها البلاء والعذاب.

فنظر رؤساء النصارى الى ما جرى وما حدث فتقدم السيد والعاقب

٢٤٣

وقالا يا ابا القاسم بمن تباهلنا فقال ص وآله : بخير أهل الارض والسماء ، بهؤلاء الصفوة أهل بيتي ونفسي.

فقال بعضهم لبعض والله انا لنرى وجوها لو دعت على الجبال أن تزول لزالت فاحذروا من مباهلة الرجل فانه نبي حق فان أبيتم الا البقاء على دينكم فعاهدوه وأدفع اليه الجزية.

فقال ابو القاسم ص وآله لان باهلتموني لما بقي على وجه الارض نصاراني الا هلك.

فعاهدوه وصالحوه وابو اتباع الحق بعدما تبين لهم ، ولكنها الرياسة الكاذبة تفعل بأهلها.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). فان ابوا عبادة الله وحده دون شريك فدعوهم فانهم ضالون.

وهذه المقابلة بين أهل الحق وأهل الباطل تقرر من هم المسلمون الذين يعبدون الخالق العظيم ، ومن هم المشركون والمنحرفون الذين يعبدون المخلوق دون الخالق كما أخبر الله عن ذلك بقوله عزوجل :

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) س ٩ ٣١ ي

وفي عقيدة الاسلام ونظام القرآن وحده يتحرر الانسان من ربقة العبودية للمخلوقين. ويختص بعبادة الخالق العظيم ويصبح حرا طليقا يعيش في هذه الحياة ، باعتزاز وافتخار ، وينتقل لتلك الدار باحترام واكبار ، ويسعد بنعيم الابد ومجاورة الابرار ، ورضوان الواحد القهار.

والدين الاسلامي بهذا المعنى ـ هو دين الله ـ الذي جاء به كل رسول من الله عزوجل. (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ـ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) ومن اراد ان

٢٤٤

بطلع على قصة مباهلة نصارى نجران بالتفصيل الوافي فليراجعها بالجزء الاول (٣٢٢) ص

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨))

البيان : قيل تنازعت اليهود والنصارى في ابراهيم (ع) وزعم كل فريق انه منهم ، فترافعوا الى رسول الله ص وآله ، فنزلت هذه الآيات ، والمعلوم ان اليهودية والنصرانية حدثت في زمان متأخر ، فاليهودية حدثت بعد موسى وكان ماضي ألف سنة من زمن ابراهيم ، والنصرانية حدثت بعد عيسى وكان ماضي الفا سنة من زمن ابراهيم ، فكيف يكون صدق قول واحد منهما. ولكن الهوى يعمي صاحبه.

عن أمير المؤمنين (ع) قال : ما كان ابراهيم يهوديا يصلي الى المغرب ولا نصرانيا يصلي الى المشرق ، ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد ص وآله يصلي الى الكعبة. (وكان دينه وفق دين محمد ص وآله الحنفية). (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كاشراك اليهود والنصارى ، لا دعاء اليهود الاشراك بعزير ، والنصارى بالمسيح. وابراهيم (ع) يبرأ من جميع المشركين ، وكان مخلصا لرب العالمين ، ولذا قال عزوجل (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

يشير أولا الى ان اليهود والنصارى ـ الذين انتهى أمرهم الى تلك المعتقدات المنحرفة ـ مشركون.

ويشير الى أن الاسلام شيء والاشراك شيء آخر ، فلا يلتقيان

٢٤٥

ابدا ، فالذين اتبعوا ابراهيم في زمانه وهذا النبي محمد ص وآله والذين آمنوا هم أولى به لانهم على خط واحد وعقيدة واحدة هي التوحيد الخالص.

(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ

قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤))

البيان : ان الاحنة التي يكنها اعداء الحق لأهل الحق ، هي الاحنة المتعلقة بالعقيدة. انهم يكرهون لهذه الامة المؤمنة ان يتمسكوا بدين الحق ، يكرهون لها أن تفيء الى الحق وان تبقى على الحق.

انهم يرصدون جهودهم كلها لاضلالها ـ بعد أن هداها الله ـ على منهج الحق والسير على طريق الحق. وما يزال هذا الكيد قائما ، وما تزال مثابة الامان والنجاة منه هي اللياذ بهذا القرآن المجيد.

وان اظهارهم الايمان ثم الرجوع عنه قد يوقع ضعاف النفوس بالتشكيك والاضطراب ، وما تزال هذه الخدعة تتخذ حتى اليوم في القرن العشرين.

وكان أهل الكتاب ـ من يهود ونصارى ـ يقول بعضهم لبعض : تظاهروا بالاسلام أول النهار واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم ، وليكن هذا سرا بينكم لا تبدونه ولا تأتمنوا عليه الا أهل دينكم ، وعملاء الصهيونية والصليبية واليوم كذلك ، انهم متفاهمون فيما بينهم على ذلك.

٢٤٦

وهنا يوجه الله نبيه ص وآله ان يعلن : ان الهدى هو وحده هدى الله.

ويجيء هذا التقرير ردا على مقالتهم ، وتحذيرا للمسلمين من تحقيق الهدف اللئيم ، فهو الخروج من هدى الله ، وان من لا يفيء اليه لن يجد الهدى في أي منهج ولا في أي عقيدة.

ويوجه الله سبحانه رسوله الكريم ص وآله ليعلم الجماعة المسلمة حقيقة فضل الله حين يشاء. وقد شاءت ارادته أن يجعل الرسالة والكتاب في غير أهل الكتاب ، بعد ما خانوا عهدهم مع الله ، ونقضوا ذمة ابيهم ابراهيم (ع) وعرفوا الحق ولبسوه بالباطل ، وتخلوا عن الامانة التي ناطها الله بهم.

وقد تيقظ المسلمون لكيد الكائدين وحقد الحاقدين ، وهذا ما كان يربيهم به القرآن المجيد وهو ذاته مادة التربية والتوجيه للامة المسلمة في كل جيل.

(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧))

البيان : انها خطة الانصاف والحق وعدم البخس والغبن يجري عليها القرآن المجيد ، في وصف حال أهل الكتاب الذين كانوا يواجهون الجماعة المسلمة حينذاك ، والتي لعلها حال أهل الكتاب في جميع الاجيال ، ذلك أن خصومة اهل الكتاب للاسلام والمسلمين ودسهم وكبدهم وارادتهم الشر بالجماعة المسلمة وبهذا الدين الصحيح ، كل ذلك

٢٤٧

لا يجعل القرآن يبخس المحسنين منهم حقهم وامانتهم فهو هنا يقرر ان من أهل الكتاب ناسا أمناء ، لا يأكلون الحقوق بالباطل مهما تقلبت الحال.

ومنهم من يشتمل على نفسية خبيثة خائنة ، لا يأتمن حتى على الدينار الواحد ، ويزيد أهل هذا الفريق من أهل الكتاب بالكذب والافتراء : بان دينهم يجيز لهم الخيانة وأكل الاموال بالباطل (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ومن ثم يجعل الذين يخونون بالعهد ويغدرون بالامانة (يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) فالعلاقة في هذا بينهم وبين الله قبل أن تكون بينهم وبين الناس ، ومن هنا فلا نصيب لهم في الآخرة عنده.

ونجد هنا القرآن المجيد ، قد سلك طريقة التصوير في التعبير ، وهو يعبر عن اهمال الله لهم وعدم رعايتهم : بانه لا يكلمهم ... وهو تعبير عن شدة الغضب عليهم وشدة ما يستحقون من العقاب.

ومن ثم يتخذ القرآن ذلك وسيلة لتصوير الموقف وشدة الانحراف عن جادة الحق المستقيم.

(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠))

البيان : آفة رجال الدين حين يفسدون ، حين يصبحون أداة لتزييف الحقائق ، باسم انهم رجال الدين ، وهذه الحال التي يذكرها القرآن المجيد عن هذا الفريق من أهل الكتاب ، نعرفها نحن جيدا في زماننا هذا. فهم كانوا يؤولون نصوص كتابهم ويلوونها ليا ليصلوا منها

٢٤٨

الى مقررات معينة ، يزعمون انها مدلول هذه النصوص ، وانها تمثل ما أراده الله منها. بينما هذه المقررات تصادم حقيقة الدين الالهي في اساسها ، معتمدين على أن كثرة السامعين لا تستطيع التفرقة بين الحقيقة الدينية ومدلولات هذه النصوص الحقيقية ، وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة على الله ، (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، يقولون بالفعل هذا ما قاله الله ـ وهم يعلمون ان الله لم يقله ـ وذلك فيما كانوا يزعمون من اثبات ألوهية عيسى (ع) ومعه روح القدس ، وهم الاقانيم : الاب والابن وروح القدس. باعتبارها كائنا واحدا. هو الله ـ تعالى الله عما يصفون ـ وما تقول اليهود بعزير أيضا.

ومثل هذا الفريق من أهل الكتاب السابقين ، يوجد ايضا فريق ممن يدعي الاسلام ويدعي العلم وتصدق عليهم هذه الآيات كما صدقت على الذين من قبلهم من يهود ونصارى وغيرهم ممن غيروا وبدلوا (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ، (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)) ..

البيان : لقد أخذ الله عزوجل موقفا رهيبا جليلا كان هو شاهده وأشهد عليه رسله .. موثقا على كل رسول ، انه مهما آتاه من كتاب وحكمة. ثم جاء رسول بعده مصدقا لما معه ، ان يؤمن به وينصره ويتبع دينه ، وجعل هذا عهدا بينه وبين كل رسول. (قالَ : أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا).

٢٤٩

ويخلص دين الله ـ بهذا العهد وبهذا التصور ـ من العصبية الذاتية ، عصبية الرسول لشخصه ، ولقومه ولاتباعه ، ويخلص الامر كله لله في هذا الدين الواحد الذي تتابع به وتوالى ذلك الموكب فيه.

والاسلام ـ الذي يتحقق في اقامة منهج الله في الارض واتباعه والخلوص له ـ هو ناموس هذا الوجود ، ولا مناص للانسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله ، من الرجوع الى منهج الله في ذات نفسه وفي نظام حياته وفي منهج مجتمعه ، ليتناسق مع النظام الكوني كله.

والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع ناموس الكون مسلمة لربها اسلام كل شيء وكل حي فحين يخرج الانسان بنظام حياته عن ذلك الناموس ـ لا يصطدم مع الكون فحسب انما يصطدم اولا بفطرته التي بين جنبيه ، فينشق ويتمزق ـ على الرغم من جميع الانتصارات العلمية.

ان البشرية اليوم تعاني من الخواء المرير خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها ان تصبر عليها .. حقيقة الايمان ، وخواء حباتها من المنهج الالهي الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون.

ومن ثم تجد الشقاء والقلق والحيرة والاضطراب ، وتعمد الى التهرب من ذلك باستعمال الافيون والحشيش والكحولات وتدخين السجائر وقد يصل الامر الى الانتحار ، كل ذلك للتخلص مما هي فيه من الاضطراب.

وما من أحد يزور البلاد الغنية الثرية في الارض الا ويظهر له حقيقة أن هؤلاء قوم هاربون من أشباح تطاردهم هاربون من ذوات انفسهم ، وسرعان ما يتكشف ان الرخاء المادي هو تمرغ في الوحل ، ووقوع قهري في الامراض النفسية والعصبية والشذوذ والقلق وغير ذلك.

٢٥٠

(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥))

البيان : هذا هو الاسلام في سعته وشموله لكل الرسالات الالهية قبله وفي ولائه لكافة الرسل التي حملت تلك الرسالات ، وفي توحيده لدين الله كله ، وارجاعه جميع الدعوات الى أصل واحد والايمان كما أراد الله لعباده بدون أدنى زيادة أو نقصان ، أو تغيير أو تبديل.

ومما هو جدير بالالتفات في الآية القرآنية الاولى هنا : هو ذكرها الايمان بالله وما أنزل على المسلمين ـ وهو القرآن المجيد ـ وما أنزل على سائر الرسل من قبل ، ثم التعقيب على هذا الايمان. (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فهذا الاقرار بالاسلام له مغزاه ، بعد بيان ان الاسلام هو الاستسلام ، والخضوع والطاعة الكاملة ، والالتزام بالنظام والناموس ، كما يتجلى في الآية قبلها (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) وهي لفتة ذات قيمة قبل التقرير : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ). اذن فليس الاسلام نطقا بالشهادتين ، وكفى ، وليس الاسلام تصديقا بالقلب وكفى ، وليس الاسلام شعائر وعبادات .. دون أن يتبع هذا كله آثاره العملية ممثلة في الالتزام بمنهجه الآلهي ، موصول بالله الذي تتوجه اليه القلوب بالعبادات والشعائر والاشراقات والذي تستشعر القلوب تقواه ، فتهذب وترشد اربابها (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨))

٢٥١

البيان : هذه حملة رهيبة ـ من خالق الكون ـ يرجف لها كل قلب فيه ذرة من الحياة والايمان ، ولكن الاسلام ـ مع هذا ـ يفتح باب التوبة والانابة والرجوع ، فلا يغلقه في وجه ضال يريد الهداية ولا في وجه منحرف يريد الاستقامة ، ولا يحجبه حاجب ولا تبعده مسافة ، وما عليه الا الاقبال بعد الادبار ، والتوبة بعد العصيان ، والدخول لحصن الله الذي من دخله كان من الآمنين.

(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩))

اذن فالويل واللعنة والخسران للذين لا يتوبون ولا يرجعون ، ويصرون على الكفر والطغيان حتى يأتيهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ، ويسد عليهم باب التوبة والاخذ بالنواصي والاعناق ، ولن ينجيهم ـ حينئذ ملء الارض ذهبا ليفتدوا به ، فقد افلتت الفرصة ولزمت الغصة.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١))

البيان : هكذا يحسم السياق القضية بهذا التقرير المروع المفزع ، وبهذا التأكيد الواضح الذي لا يدع للخداع والغرور مجالا ، فالسعيد من سارع للتوبة قبل أن يأتيه الموت بغتة فينقطع الامل.

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))

البيان : لقد فقه أهل الايمان الصحيح هذا المعنى فاسرعوا الى التجارة مع الله التي لا تبور وأرباحها التي لا تقدر بمقدار وقد تصل الى سبعمائة ضعف وأزيد ، فبذلوا أطيب ما لديهم فاحرزوا خير الدنيا والآخرة.

٢٥٢

(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤))

البيان : لقد كان اليهود يتصيدون كل حجة وكل شبهة ، وكل حيلة ، لينفذوا منها الى الطعن في صحة الرسالة المحمدية ، والى البلبلة في أفكار البسطاء.

فلما قال القرآن : انه مصدق لما في التوراة برزوا يقولون : فما بال القرآن يحلل من الاطعمة ما حرم على بني اسرائيل ، وذكروا لحوم الابل وألبانها ، وهناك محرمات أخرى أحلها الله للمسلمين.

وهنا يردهم القرآن الى الحقيقة التاريخية التي يتجاهلونها للتشكيك في صحة ما جاء في القرآن المجيد ، من انه مصدق للتوراة ، وانه مع هذا أحل للمسلمين بعض ما كان محرما على بني اسرائيل ، هذه الحقيقة هي أن كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل ـ الا ما حرم اسرائيل على نفسه ـ اسرائيل هو يعقوب (ع) ـ ومحصل المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني اسرائيل من قبل التوراة ، وتحرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم ، ولم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الذي حرم اسرائيل على نفسه ، كما في قوله عزوجل :

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ. وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) الانعام

وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم ، وليبين لهم أن هذه المطاعم الاصل فيها الحل ، وانها انما حرمت عليهم خاصة دون غيرهم.

فاذا أحلها الله تعالى للمسلمين فهو على الاصل الذي لا يثير

٢٥٣

الاعتراض ولا الشك في صحة هذا القرآن ، وهذه الشريعة الغراء ، المنزلة من عند الخالق القهار لجميع العصور والاجيال. ثم يتحداهم بان يراجعوا التوراة ان اعتراهم ارتياب ، وسيجدون فيها أن أسباب التحريم خاصة بهم وليست عامة (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

ثم يهدد من يفتري الكذب منهم على الله بانه : اذن ظالم ، لا ينصف الحقيقة ولا ينصف نفسه وعقاب الظالم معروف سيصليه نار جهنم خالدا فيها وله عذاب مهين.

(قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧))

البيان : هذا تعريض بكذب أهل الكتاب فيما تقدم ، أي ثبت ان الله صادق فيما أنزله وأنتم الكاذبون ، (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) وهي ملة الاسلام التي عليها محمد ص وآله ، ثم برأ ابراهيم (ع) مما كان ينسبه اليه اليهود والمشركون ، من كونه على دينهم فقال (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

ثم يقرر أن هذا البيت بناه ابراهيم واسماعيل ليكون مثابة للناس وأمنا وليكون قبلة ومصلى للمؤمنين ، ومن ثم يجيء الامر باتباع ابراهيم في ملته ، وهي التوحيد الخالص المبرأ من الشرك في كل صوره.

واليهود كانوا يزعمون انهم هم ورثة ابراهيم فها هو ذا القرآن يدلهم على حقيقة دين ابراهيم وانه المبرأ من شركهم الذي عليه ، ويؤكد هذه الحقيقة بتكرارها مرارا.

٢٥٤

ثم يقرر أن الاتجاه للكعبة هو الاصل ، فهي أول بيت وضع في الارض للعبادة مذ أمر الله ابراهيم أن يرفع قواعدها ، وجعل هذا البيت هدى للعالمين.

ثم يقرر أن الله فرض على الناس ان يحجوا الى هذا البيت ما تيسر لهم ذلك والا فهو الكفر الذي لا يصل ضرره الا الى تاركه فقط (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).

وفيه لفتة نظر في التعبير ، وهو التعميم الشامل للمسلمين ولسواهم ومنهم أهل الكتاب ، والحج فريضة في العمر مرة عند الاستطاعة ونافلة في غيرها. والحج مؤتمر المسلمين السنوي يتلاقون فيه عند هذا البيت الحرام ، ويتعارفوا ويقرروا ما ينبغي فعله لرفعة كلمة الايمان.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩))

وقد تكرر مثل هذا التنديد في هذه السورة ، وأول ما يتركه هذا التنديد من أثر هو مجابهته أهل الكتاب بحقيقة موقفهم ووصفهم بصفتهم التي يدارونها بمظهر الايمان والتدين ، بينما هم في حقيقتهم الكفار ، فهم يكفرون بآيات الله القرآنية ، ومن يكفر بشيء من كتاب الله فقد كفر بالكتاب كله. ولو انهم آمنوا حقيقة برسولهم وبما انزل عليه حقيقة لآمنوا بكل رسول جاء من عند الله بعد رسولهم فحقيقة واحدة ، من عرفها واتبعها باخلاص ، ألزمه عقله وايمانه ان يدين بالاسلام لكونه اظهر الاديان السابقة ، وأتمها وأكملها.

ثم ان المخدوعين من الجماعة المسلمة يقولون عن هؤلاء الكافرين

٢٥٥

المشركين (انهم أهل كتاب) وانما خاطبهم الله تعالى في القرآن بهذا الخطاب من باب الزامهم لما يدعونه فقط لا غير.

وفي الحقيقة ليسوا هم بأهل كتاب منزل من الله الحق المبين ، وما بأيديهم من صنعهم فقط. وها هو يقول عزوجل : (اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) ـ (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) من الكذب والتضليل.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١))

البيان : لقد جاءت هذه الامة المسلمة لتنشىء في الارض طريقها على منهج الله وحده ، متميزة منفردة ظاهرة ، لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج الله لتؤدى في حياة البشر دورا خاصا لا ينهض به سواها. لقد وجدت لاقرار منهج الله في الارض ، وتحقيقه في صورة عملية ذات معالم منظورة ، تترجم فيها النصوص الى حركات وأعمال ، ومشاعر أخلاقية وأوضاع وارتباطات.

وهي لا تحقق غاية وجودها ، ولا تستقيم على طريقها ، ولا تنشىء في الارض هذه الصورة الوضيئة الفريدة من الحياة الواقعية الخاصة المتميزة ، الا اذا تلقت من الله وحده ، والا اذا تولت قيادة البشرية بما تتلقاه من الله وحده .. اما هذا ، واما الكفر والضلال والانحراف.

هذا ما يؤكده القرآن الكريم ويكرره في شتى المناسبات ، وهذا ما يقيم عليه مشاعر الجماعة المسلمة ، وهنا في هذه الآيات يحذر الامة المسلمة من اتباع غيرها ، ويبين لها كذلك طريقها لانشاء الاوضاع الصحيحة.

ويبدأ بتحذيرها من اتباع أهل الكتاب ـ الذين يدعون انهم من أهل الكتاب والكتاب الحقيقي ليبرأ منهم ـ ان طاعة اهل الكتاب

٢٥٦

والتلقي عنهم واقتباس مناهجهم وأوضاعهم تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية. كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله ، لقيادة الحياة وتنظيمها والسير صعدا بها في طريق الارتقاء.

وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس وهي لا تشعر به (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧))

البيان : انهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة ، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم ، فاذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة ، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه :

ركيزة الايمان ، وركيزة التقوى .. التقوى التي تبلغ أن توفى بحق الله الجليل ، التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ).

تقوى الله تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطبقها ، وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشف له آفاق واحدثت فيه أشواق ، وكلما اقترب بتقواه من الله من الفضيلة من الكمال الانساني ، كلما تيقظ شوقه الى مقام ارفع مما بلغ ، والى مرتبة وراء ما ارتقى ، فيتطلع الى مقام أسمى وأرفع.

٢٥٧

(وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، والموت أمر غيبي لا يدري الانسان متى يدركه ، فمن أراد ان لا يموت الا مسلما فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلما ، وان يكون منذ لحظة تقيا.

وذكر الاسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع : وهو الاستسلام لله ، طاعة له ، واتباعا لمنهجه واحتكاما الى كتابه ، وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها على نحو ما أسلفنا.

هذه الركيزة الاولى التي تقوم عليها جماعة المسلمين لتحقق وجودها وتؤدي دورها ، اذ انه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع جاهليا ، ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه امة مسلمة. وانما تكون هناك مناهج جاهلية ، وتكون حينئذ قيادة جاهلية لا غير.

اما الركيزة الثانية : فهي ركيزة الاخوة ، الاخوة في الله ، لتحقيق منهج الله عزوجل.

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) فهي أخوة اذن تنبثق من التقوى والاسلام ، من الركيزة الاولى .. أساسها الاعتصام بحبل الله ـ اي عهده ونهجه ودينه وأهل بيت نبيه ص وآله ـ وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر ، ولا على أي هدف آخر ، ولا بواسطة أي حبل آخر من الحبال.

قال رسول الله ص وآله اني تارك فيكم الثقلين كتاب حبل ممدود وأهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما)

هذه الاخوة المعتصمة بحبل الله ، هي نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الاولى ، وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائما ، وها هو يذكرهم هذه النعمة ، يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية (أَعْداءً) وما كان اعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد ، وهما الحيان

٢٥٨

العربيان في يثرب يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة ، وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا.

ومن ثم لم تجد اليهود مجالها الصالح الذي لا تعمل الا فيه ، ولا تعيش الا معه ، فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالاسلام ، وما كان الا الاسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة ، وما كان الا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله اخوانا.

ويستحيل ان تجتمع القلوب حقيقة الا في الحب في الله عزوجل التي تصغر وتذوب في جانبها جميع الاحقاد التاريخية ، والثارات القبلية ، والاطماع الشخصية ، ويتجمع الصف تحت لواء الله عزوجل ، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فلا بد من جماعة تدعو الى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا بد من سلطة لهذا الامر لان هذه المهمة لا يقوم بها الا ذو سلطان ونفوذ ، يرتبط بحبل الله ، وحبل الاخوة في الله. سلطة تقوم على هاتين الركيزتين مجتمعتين لتحقيق منهج الله في حياة البشر ، وتحقيق هذا المنهج يقتضي (دعوة) الى الخير يعرفها الناس بحقيقة هذا المنهج.

ومن ثم فلا بد من جماعة تتلاقى على هاتين الركيزتين : الايمان بالله والاخوة في الله. ان قيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الالهي ذاته ، فهذه الجماعة على هذا النمط تكون الوسط المستقيم الخالي من الانحراف الى سائر الاطراف من افراط وتفريط ..

لان التصور الاسلامي عن الوجود والحياة والقيم والاعمال والاحداث والاشياء والاشخاص يختلف في كله عن التصورات الجاهلية ـ السابقة واللاحقة ـ اختلافا جوهريا أصيلا.

٢٥٩

هذا الوسط يتمثل في الجماعة المسلمة القائمة على ركيزتين : الايمان بالله ، والاخوة ، وترجع الى ميزان واحد تقوم به كل ما يعرض لها في الحياة ، وتتحاكم الى شريعة واحدة من عند الله عزوجل.

وهكذا قامت الجماعة المسلمة الاولى ـ في المدينة ـ على هاتين الركيزتين ـ على الايمان بالله المنبثق من معرفة الله سبحانه ، ومراقبة رضاه في الضمائر وتقواه ومراقبته في كل حركة وسكون. وعلى مثل ذلك الايمان وتلك الاخوة يقوم منهج الله في الارض في كل زمان اذا صلح أهله ، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

وهنا يرسم السياق مشهدا من المشاهد القرآنية الفائضة بالحركة والحيوية ، وهكذا يستقر في ضمير الجماعة المسلمة معنى التحذير من الفرقة والاختلاف ، ويذكرهم بنعمة الله بالايمان والائتلاف (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ..) تلك حقائق ، تلك ضمائر ، تلك مصائر ، تلك آيات فهي حق فيما نقرره من مبادىء وقيم ، وهي حق في تقرير المصائر ، لا كما يدعي أهل الكتاب المنحرفين.

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢) لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ

٢٦٠