تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

ولكنه خلق الحياة وحده ، وجعلها قادرة على صيانة نفسها ، وعلى الاستمرار من جيل الى جيل مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعيننا على التمييز بين نبات وآخر.

ان دراسة التكاثر في الاحياء تعتبر أروع دراسات علم الاحياء ، وأكثرها اظهارا لقدرة الله العظيم القدير ، ان الخلية التناسلية في الاحياء تعتبر أروع ما ينتج عنها النبات الجديد تبلغ من الصغر درجة يصعب مشاهدتها الا باستخدام المجهر المكبر. ومن العجيب ان كل صفة من صفات النبات وكل عرق وكل شعيرة ، وكل فرع على ساق وكل جذر أو ورقة يتم تكوينها داخل الخلية التي تنشأ منها النبات تلك الفئة تحت اشراف مهندسين قد بلغوا دقة الحجم مبلغا كبيرا فاستطاعوا العيش داخل الخلية التي تنشأ منها النبات تلك الفئة من المهندسين هي فئة (الروموسومات ـ ناقلات الوراثة) وفي هذا القدر كفاية لنعود الى الجمال المشرق في سياق القرآن (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) مبدع المعجزات المتكررة هو الله الذي يستحق أن تدينوا له وحده بالعبودية والخضوع والاتباع. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

فكيف تصرفون عن هذا الحق الواضح للعقول والقلوب والعيون والضمير والوجدان ان معجزة انبثاق الحياة من الموات يجيء ذكرها كثيرا في القرآن المجيد ، كما يجيء خلق الكون ابتداء ، في معرض التوجيه الى حقيقة الالوهية ، وآثارها الدالة على وحدة الخالق.

ومن هنا ترى التعقيب على معجزة الحياة في قوله : (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فالق الاصباح) ان فالق الحب والنوى هو فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا.

٥٢١

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩))

البيان : تتمة لمشهد الفلك الدائر بشمسه وقمره ونجومه ، وهي تتمة أيضا لعرض المشهد الكوني الهائل الرائع مرتبطا بحياة البشر ومصالحهم وكافة الاحياء الكونية.

وتبقى القاعدة ثابتة : قاعدة الاهتداء ، بهذه الاجرام في ظلمات البر والبحر ، سواء في ذلك الظلمات الحسية أو ظلمات التصور والفكر ، ويبقى النص القرآني الجامع يخاطب البشرية في مدارجها الاولى بهذه الحقيقة ، فتجد مصداقها في واقع حياتها الذي تزاوله.

وتبقى مزية المنهج القرآني في مخاطبة الفطرة بالحقائق الكونية ، صورة تتجلى من ورائها يد المبدع وتقديره وتدبيره ، صورة مؤثرة في العقل والقلب ، موحية للبصيرة والوعي ، دافعة الى التدبر والتذكر ، والى استخدام العلم والمعرفة ، للوصول الى الحقيقة الكبرى المتناسقة ويأتي هذا التعقيب (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : انها اللمسة المباشرة في هذه المرة ، اللمسة في ذات النفس البشرية ، والحقيقة في الذكر والانثى ، والحياة تبدأ فيهما خطوتها الاولى للتكاثر :

(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) ، فالفقه هنا ضروري لادراك صنع الله في هذه النفس الواحدة ، التي تنبثق منها النماذج والانماط.

٥٢٢

هذا القدر الذي يجريه الله عزوجل في كل مرة فيهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور. عجيب هذا الحفاظ المتوازن الدائم بغير اختلال (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

فالايمان هو الذي يفتح القلب ، وينير البصيرة ، وينبه أجهزة الاستقبال في الفطرة ، ويصل الكائن الانساني بالوجود ، ويدعو الوجدان الى الايمان بالله خالق الجميع. والا فان هناك قلوبا مغلقة وبصائر مطموسة وفطرا منكوسة تمر بها آيات الابداع فلا تحس بها مهما كثرت وعظمت (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) وانما يدرك هذه الآيات المؤمنون.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣))

البيان : قد كان بعض مشركي العرب يعبدون الجن ، وهم لا يعرفون من هم الجن ولكنها أوهام الوثنية ، والنفس متى انحرفت عن جادة التوحيد قيد شبر انساقت في الانحراف الى ما لا يدرك أمده ومداه. (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ).

وكما واجههم السياق القرآني بحقيقة ان الله (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ليرتب عليها نتائجها ، تهافتت تصوراتهم بان لله بنين وبنات ، وان له شركاء وانه هو خلقهم. ولتقرير ان الذي يعبد ويخضع له ويطاع ويعترف له بالدينونة وحده هو خالق كل شيء فلا اله غيره ، ولا رب

٥٢٣

سواه (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ).

ان تفرد الله عزوجل بالخلق يستلزم تفرده سبحانه بالملك وتفرده بالرزق. فهو خالق الخلق ومالكهم ، وكل ما يملكه الخلق هو من ملكه ورزقه وجوده وكرمه عليهم.

ومع أن حقيقة الخلق والتقدير فيه ـ كحقيقة انبثاق الحياة ، لم تكن تساق في القرآن المجيد ، لاثبات وجود الله ، وانما كانت تساق لرد الناس الى الرشاد كي ينفذوا في حياتهم ـ لان وجود الله لا جدال فيه عند أبسط المخلوقات ولذا عبدوا الاصنام لتوهمهم انها هي الله الذي يعترفون بوجوده بدون جدال ولا نزاع وأقوى دليل على اعتقاد الخلق أجمع بوجود الله عزوجل تشخيصه بأشكال عديدة. وان كانت عبادة الاصنام والشمس والقمر والنار وغير ذلك ضلالة كبرى ، الا انها ضلالة تدلك على اجماع الناس على وجود الخالق والرازق بفطرتهم الذاتية.

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ان الذين كانوا يطلبون في سذاجة ان يروا الله. كالذين يطلبون في سماجة دليلا ماديا على وجوده. هؤلاء وهؤلاء لا يدركون ماذا يقولون على حد سواء. انما خلق الحواس للانسان ليزاول بها ما يحتاجه في هذه الحياة وما ينبغي ان يعمله للحياة الثانية بعد الموت. وادراك اثار الوجود والانتقال منه الى معرفه عظمة الواجد القدير. اما ذات الله سبحانه. فهم لم يوهبوا القدرة على ادراكها. لأن المخلوق يمكنه ان يدرك امثاله من المخلوقات المحدودة المجسمة ولو ذهنيا ، اما ذات الله عزوجل الذي لا تحده حدود ولا يحويه مكان ولا زمان كيف يمكن تتصور ذاته المدارك والاهوام فضلا عن الحواس الخارجية فكل ما توهمته في مداركك فهو مخلوق

٥٢٤

مثلك واياك ان يخدعك الشيطان بأنه الخالق العظيم الذي يستحيل ان تدرك ذاته الابصار ولا البصائر ولا العقول ولا الاوهام (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)

وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))

ـ البيان : فهذا الذي قد جاء من عند الله بصائر. والبصائر تهتدى وتهدى ، وهذا بذاته بصائر تهدى ، فمن أبصر بها فقد أفاد نفسه وقد سعد بذاته وعاش عزيزا وانتقل الى الآخرة حميدا رابحا. ومن نبذها ولم يستعملها فيما أمره خالقه فقد عمي لانه يسير في الظلام والضلال ، والقلق والاوهام ولا يضر الا نفسه وخسرانه راجع اليه (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ). ان الله يصرف آياته على هذا المستوى الذي لا عهد للعرب به لانه ليس نابعا من بيئتهم ، كما أنه ليس تابعا للبيئة.

فاما الذين لا يريدون الهدى ولا يرغبون في العلم ، ولا يجاهدون ليبلغوا الحقيقة ، فهؤلاء سيحاولون ان يجدوا تعليلا لهذا المستوى الذي يخاطبهم به محمد ص وآله. فما كان شيء من حياة محمد خافيا عليهم قبل الرسالة ولا بعدها. ولكن يقولون : درست فاما الذين يعلمون انه الحق فانهم يستنيرون به ويتمسكون بكل ما يأمرهم به بدون تفريط :

(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)

ان صاحب الدعوة لا يجوز أن يعلق قلبه وامله وعمله بالمعرضين

٥٢٥

عن الدعوة المعاندين الذين لا تتفتح قلوبهم لدلائل الهدى وموحيات الايمان ، انما يجب أن يفرغ قلبه ، وان يوجه امله وعمله للذين سمعوا واستجابوا ، فهؤلاء في حاجة الى بناء كيانهم كله على القاعدة التي دخلوا في الدين عليها ، وفي حاجة لانشاء تصور لهم كاملا عميقا عن الوجود والحياة على أساس هذه العقيدة ، وفي حاجة الى بناء اخلاقهم وسلوكهم وبناء مجتمعهم الصغير على هذا الاساس نفسه ، وهذا كله يحتاج الى الجهد ويستحق الجهد. وحين ينمو الحق في ذات الانسان فان الله يجري ، سننه ، فيقذف بالحق على الباطل فيدفعه فاذا هو زاهق. ان على الحق أن يوجد ومتى وجد الحق في صورته الصادقة فان الباطل يزول :

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)

ان الشيطان والعادة اذا استحكمت بالانسان تقلب مفاهيمه رأسا على عقب. فقد يكون الانسان ينتحل أبشع صورة من الافعال والاعتقادات ويعتاد عليها ويتعصب لها حتى يصبح يراها بنظره انها من أحسن العقائد والاعمال فمن يتعرض لها بسوء يصبح بنظره يستحق القصاص والاعدام ، وهذا ما عليه أرباب العقائد الباطلة مع ما يرون ويسمعون ويحسون في غيرهم من عقائد صحيحة شريفة ، حتى انه يوجد فئات تعبد الشيطان وتغضب على من يسبه أو يلعنه. والاخبار عن عبدة الاحجار والالتجاء اليها والتضرع لها كثيرة مؤكدة بلا خلاف (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). وهو أدب يليق بالمؤمنين المطمئنين في صحة ايمانهم ، الواثقين من الحق الذي هم عليه الهادي القلب والضمير.

٥٢٦

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)

وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١))

البيان : ان القلب الذي لا يؤمن بآيات الله المبثوثة في هذا الوجود ـ بعد توجيهه اليها على هذا النحو العجيب الذي تكفل به هذا الكتاب المجيد ـ وما توحي آيات الله المبثوثة ، في الانفس والآفاق اليه أن يبادر الى ربه ويتوب الى كنفه. ان هذا القلب هو قلب مقلوب ، والذي منع هؤلاء عن الايمان بعد ظهور الخوارق ، ان الله يعلم حقيقة قلوبهم. ان الذين يلجون في الضلالة ينقصهم آفة في القلب وانطماس في الضمير وهواهم أعماهم.

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا)

ان الانسان لما يكون الداعي له الى الانحراف اهواؤه وشهواته لا ينفعه مهما رأى وسمع من البراهين والمعجزات ، فهو يرفض كل ما يخالف هواه مهما كان شكله وجنسه.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)

أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥))

٥٢٧

البيان : هؤلاء من شياطين الانس والجن الذين قدر الله أن يكونوا عدوا لكل نبي يخدع بعضهم بعضا بالقول المزخرف والغواية والتضليل ، أمرهم معروف ومشهود لنا.

ويخلص لنا ابتداء ان الذين يقفون بالعداوة لكل نبي هم شياطين سواء كانوا من الانس أو الجن. ويخلص لنا أيضا أن الحكمة هي التي اقتضت أن يترك الشياطين من الانس والجن أن يتمادوا في ضلالهم وطغيانهم وايذائهم للنبيين وأتباعهم الاخيار.

والمشهد الذي يرسمه القرآن المجيد للمعركة بين شياطين الانس والجن من جهة وكل نبي وأتباعه من جهة أخرى ومشيئة الله هي المهيمنة والنافذة فيما يريد. انها معركة تتجمع فيها قوى الشر في هذا الكون. ولكن هذا الكيد كله طليقا انه محيط بمشيئة الله جدير بان يسترعي وعي أصحاب الحق ليعرفوا طبيعة الخطة ووسائلها (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً) ، هذا التمهيد كله يجيء قبل أن يدخل في الموضوع الواقع الحاضر الذي يمهد له هذا التمهيد ثم يربطه ربطا مباشرا بقضية الايمان أو الكفر.

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠))

البيان : لقد كان أكثر من في الارض ـ كما هو الحال اليوم بالضبط ـ من أهل الجاهلية. ولم يكونوا يستمدون تصوراتهم

٥٢٨

وأفكارهم ومناهج حياتهم من هدي الله وتوجيهه ، ومن ثم كانوا ـ كما هو الحال اليوم ـ في ضلالة الجاهلية ، يتركون العلم المتيقن ويتبعون الظن والاوهام وهذا لا يوصل صاحبه الا الى الضلال.

ثم قرر عزوجل ان الذي على العباد بان لا يقولوا هذا مهتد وهذا ضال بل هو الله وحده الذي يبين. وما قد بينه في نظامه الحق من علامات أهل الهدى وأهل الضلال هذا حسب الظاهر.

والله عزوجل يقرر هنا انه هو ـ وحده ـ صاحب الحق في وضع هذا الميزان وصاحب الحق في وزن العباد به ، وليس من شأن المجتمع والكثرة أن تكون هي المقياس لذلك

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، انه يأمر بالاكل مما ذكر اسم الله عليه. والذكر يقرر الوجهة ويحدد الاتجاه. ويعلق ايمان الناس بطاعة هذا الامر الصادر اليهم من الله تعالى :

(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)

أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣))

البيان : ان النص القرآني لقاطع في أن طاعة المسلم لاحد من البشر في جزئية من جزئيات التشريع التي لا تستمد من شريعة الله ، ولا تعتمد على الاعتراف له وحده بالحاكمية ، تخرجه من الاسلام والايمان بالله عزوجل (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).

وحين ننظر الى وجه الارض اليوم ـ في ضوء هذه التقريرات

٥٢٩

الحاسمة ـ فاننا نرى الجاهلية والشرك ـ ولا شيء غيرهما ـ الا من عصم الله ولم يستوحش في طريق الهدى لقلة أهله ، كما قال سيد الاوصياء أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع).

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)

ان هذه الآيات في تصوير طبيعة الهدى وطبيعة الايمان انما تعبر تعبيرا حقيقيا واقعيا عن حقيقة واقعية كذلك ، ان ما يبدو فيها من تشبيه ومجاز انما هو لتجسم هذه الحقيقة في الصورة الموحية المؤثرة ، ولكن العبارة في ذاتها حقيقية.

ان نوع الحقيقة التي تعبر هذه الآيات عنها هو الذي يقتضي هذه الايقاعات التصويرية فهي حقيقة روحية وفكرية ، حقيقة تذاق بالتجربة ، ولا تملك العبارة الا ان تستحضر مذاق التجربة ولكن لمن ذاقها فعلا أو كان له قابلية الذوق والتمييز بين الخبيث والطيب.

ان هذه الحقيقة تنشىء في القلب حياة بعد الموت ، وتحدث فيه نورا بعد الظلمات ، حياة تميز ، ونورا يضيء ، هذه التجربة لا تنقلها الالفاظ ، بل تحسها القلوب الحية.

ان الكفر والاجرام والفساد والعصيان لله عزوجل انقطاع عن تلك الحياة الحقيقية ، الازلية الابدية ، التي لا تغني ولا تغيض ولا تغيب ، فالانعزال عن القوة الفاعلية المؤثرة في الوجود كله ، فهو موت ، وانطماس في أجهزة الاحساسات الروحية ، فهو موت ، والايمان بالله وطاعته فهو اتصال واستعداد واستجابة ونور وهدى وحياة.

ان الكفر والعصيان للخالق العظيم ، انكماش وتحجر فهو ضيق وشرود عن الطريق الفطري الميسر ، ان هو الا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود ومنقطع الصلة بنفس الوجود فهو عسر وحرمان فهو قلق وشقاء

٥٣٠

ولا ينقطع عن صاحبه ولا يبتعد عنه أبدا.

ان الصلة بالله عزوجل لتصل لعبد الفاني بالازل الدائم الباقي والابدي الخالد ، ثم تصله بالكون الحادث والحياة الظاهرة ، ثم تصله بموكب الايمان والامة الواحدة الثابتة الجذور ، الموصولة على مدار الزمان ، فهو في ثراء من الوشائج وفي ثراء من الروابط وفي ثراء من الوجود الزاخر الممتد اللاحب الذي لا يقف عند عمره الفردية المحدود بل يمتد الى ما وراء هذا الكون.

ويجد الانسان المؤمن المطيع لخالقه هذا النور ، فتنكشف له حقائق هذا الدين القويم ومنهجه العادل المستقيم ، انه مشهد رائع باهر هذا الذي يجده الانسان في قلبه حين يجد هذا النور وينكشف له مشهد التناسق الشامل العجيب في طبيعة هذا الدين القيم. وحقائقه العادلة الرائعة ، ومشهده المتكامل الجميل الدقيق في منهجه للعمل وطريقته.

ان هذا الدين لا يعود مجموعة معتقدات ، وعبادات وشرائع وتوجيهات ، وانما يبدو تصميما واحدا متداخلا متراكبا متناسقا متعاشقا ، يبدو حياة تتجاوب مع الفطرة وتتجاوب معه في ألفة عجيبة ، وفي صداقة وثيقة ، وفي حب ودود.

يجد المؤمن المطيع لخالقه في قلبه هذا النور ، فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث ، يجد الوضوح في نفسه وقلبه وضميره ، وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته. ويجد الوضوح فيما يجري حوله سواء من سنة الله النافذة ، أو من عمليات الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة ، (المؤمن ينظر بنور الله عزوجل) يجد تفسير الاحداث والتاريخ في نفسه وعقله وفي الواقع من حوله ، كأنه يقرأ من كتاب وينظر في خريطة.

٥٣١

ويجد المؤمن بالله عزوجل المطيع له : في قلبه هذا النور ، فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه ، ويجد الراحة في باله وأفكاره وجوارحه وحاله ومآله وجميع مواهبه.

ويجد الرفق واليسر في ايراد الامور واصدارها وفي استقبال الاحداث واستدبارها. ويجد الطمأنينة والثقة واليقين والراحة والسعادة في كل حالة وفي كل حين.

وهكذا يصور التعبير القرآني الفريد تلك الحقيقة بايقاعاته الموحية من معانيه النيرة :

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ، وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ)

كذلك كان الناس قبل مجيء الاسلام وانبثاق نوره الزاهر واريجه الفياح وضيائه اللامع وقبل أن ينفتح الايمان في أرواحهم فيحييها ويطلق فيها هذه الطاقة الضخمة من الحيوية والحرية والتطلع والاستشراف كانت قلوبهم مواتا ، وكانت أرواحهم ظلاما.

فاذا قلوبهم تنفتح على الايمان فتهتز واذا أرواحهم يشرق فيها النور المضيء ويغيض فتمشي به في الناس ، تهدي الضال وتلتقط الشارد ، ويطمئن الخائف وتحرر المستعبد وتكشف معالم الطريق للبشر وتعلن في الارض ميلاد الانسان الجديد الذي اختص بعبودية الله تعالى ونبذ وراءه جميع عبادات المخلوقات من أحياء وجماد.

أفمن نفخ الله في روحه الحياة ، وأفاض على قلبه النور ، كمن لم يزل في الظلمات يتخبط. انهما عالمان مختلفان شتان بينهما شتان ، فما الذي يمسك بمن في الظلمات والنور حوله يفيض

(كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) : هذا هو السر ، ان هناك

٥٣٢

تزيينا للكفر والظلمة والموت وبنفس الطريقة ولنفس الاسباب ، وعلى هذه القاعدة جعل الله في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ، ليتم الابتلاء ، وينال كل جزاءه في نهاية المطاف (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ)

وهنا يكشف السياق القرآني عن طبيعة الكبر في نفوس أعداء رسل الله ودينه. وهو الكبر الذي يمنعهم من الاسلام ، خيفة أن يرجعوا عبادا لله كسائر العباد فهم يطلبون امتيازا ذاتيا يحفظ لهم خصوصيتهم بين الاتباع ، ويكبر عليهم أن يؤمنوا للنبي فيسلموا له وقد تعودوا ان يكونوا في مقام الربوبية للاتباع ، وان يشرعوا لهم فيقبلوا منهم التشريع. وان يأمروهم فيجدوا منهم الطاعة والخضوع كذلك قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ).

(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤) فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥))

البيان : ويرد الله على قولتهم المنكرة ، فيقرر بان امر اختيار الرسل للرسالة موكول الى علم الله المحيط بمن يليق بهذا الامر الكوني الخطير ، ويرد عليهم ثانيا بالتهديد والتحقير وسوء المصير : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)

وقد جعلها سبحانه حيث علم واختار لها أكرم خلقه وأخلصهم ، حتى انتهت الى خير خلقه محمد ص وآله ، وكذلك شأن اختيار الوصي بعد النبي ، لان الوصي مكمل مهمة النبي ومبين ما جاء به من عند ربه وحافظ شريعته من الزيادة والنقصان خصوصا اذا كانت خاتمة الرسالات ويجب استمرارها كما هي الى آخر الدهر بدون أدنى تغيير لتبقى حجة

٥٣٣

من الله على عباده ، لانها لو تغيرت لفقدت حجيتها وأصبحت كالرسالات التي تقدمتها حيث لا حجية (كالانجيل والتوراة والزبور) ولو لا ان القرآن المجيد أخبر عنهم وعن أنبيائهم الذين أنزلت عليهم لما اعترفنا لا بتوراة ولا بانجيل. ولا بموسى ولا بعيسى ولا بنبي من الانبياء مطلقا لان الحجة الملزمة هي التي تكون أدلتها العقلية معها دائما وأبدا ، والا قول القائلين لا يسمن ولا يغني من جوع.

(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧))

البيان : من يقدر على هداية نفسه فضلا عن غيره بدون معونة الله تعالى وقدرته. ان تصور الحقيقة التي يقررها هذا النص وأمثاله في القرآن المجيد من النصوص التي تتعلق بالتعامل والارتباط بين مشيئة الله سبحانه واتجاهات البشر وما يصيبهم من الهدى والضلال ، وما ينالهم بعد ذلك من جزاء وثواب وعقاب ، ان هذا كله يحتاج الى استخدام منطقة أخرى من مناطق الادراك البشري وراء منطقة المنطق الذهني.

فاذا قيل ان ارادة الله تدفع الانسان دفعا الى الهدى او الضلال ، لم تكن هذه هي الحقيقة. واذا قيل : ان ارادة الانسان هي التي تقرر مصيره كله ، لم تكن هذه هي الحقيقة كذلك وانما الحقيقة الفعلية تتألف من نسب دقيقة ، بين طلاقة المشيئة الالهية ، وبين اختيار العبد واتجاهه الارادي بلا معارض بين هذه وتلك ولا تصادم فالخير يشترك الله والعبد فيه ، والشر يختص بالعبد نفسه ، مع قدرة الله لو اراد منعه بالارادة التكوينية.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا

٥٣٤

الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩))

البيان : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) ، ان المشهد يبدأ معروضا في المستقبل ، يوم يحشرهم ولكنه يستحيل واقعا للسامع ان يتراءى له مواجهة ، وذلك بحذف لفظة فتقديره فيقول (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، استكثرتم من التابعين لكم من الانس المستمعين لا يحائكم المطيعين لوسوستكم المتبعين لخطواتكم ، وهو اخبار يقصد به تسجيل الجريمة والتأنيب.

(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ : رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) وهو جواب الكشف عن طبيعة الغفلة في هؤلاء الاتباع ، كما يكشف عن مدخل الشيطان الى نفوسهم في دار الخداع. فالنار مثواهم ومأواهم ، (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) بمثل هذا الذي قام بين الجن الابالسة وأبالسة الانس (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً).

وهو تقرير عام أبعد مدى من حدود المناسبة التي كانت حاضرة ، وهم الذين يشركون بالله ويتجمع بعضهم الى بعض في مواجهة الحق والهدى ، ونحن نراهم في كل زمان كتلة واحدة يساند بعضهم بعضا ، واننا لنشاهد في هذه الفترة تجمعا ضخما لشياطين الانس من الصليبيين والصهيونيين ، والوثنيين ، والشيوعيين ، على اختلاف عقائدهم قد تجمعوا لمواجهة الاسلام لانه الدين الوحيد الذي يكافح الظلم والباطل من حيث أنه ظلم باطل فقط لا غير.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢))

٥٣٥

البيان : هذا سؤال للتقرير والتسجيل فالله عزوجل يعلم ما كان من أمرهم في الحياة الدنيا. والجواب يكون اقرارا منهم على أنفسهم ، والخطاب موجه الى الجن والانس من الشياطين ولا بد أن يكون قد أرسل الله عزوجل الى الجن رسلا كما أرسل الى الانس لاتمام الحجة لله ويمكن أن يكون كل نبي هو مرسل للانس والجن معا ولذا يشترط في النبي أن يفهم جميع اللغات ، وسيدنا محمد كان رسولا للانس والجن معا كما يشير القرآن الى ذلك والاخبار تشهد كذلك.

ان القرآن يتلى على الناس في هذه الدنيا الحاضرة ، وفي هذه الارض المعهودة ، ولكنه يعرض مشهد الآخرة كأنه حاضر معنا أو حاضرين فيه (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) لقد اقتضت الحكمة الالهية والرأفة الربانية ان لا يواخذهم على كفرهم وشركهم واجرامهم الا بعد ارسال الرسل اليهم وقيام الحجة عليهم ، وبعد انذار واعذار وتبشير ووعيد ، وهذه حقيقة كما أنها تصور لرحمة الله عزوجل بهذا الخلق ، كذلك تصور قيمة العدالة منه ، والمدارك البشرية من فطر وعقل وضمير ووجدان (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) فللمؤمنون درجات فوق درجات في العلو والارتفاع الانساني وللشياطين من الانس والجن درجات في التسافل والانحطاط الحيواني والاعمال كلها مرصودة.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)

قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦))

٥٣٦

البيان : انها طرقات قوية وايقاعات عنيفة على قلوب الظالمين من شياطين الانس والجن الذين يمكرون ويتطاولون ويحرمون ويحللون ، ويجادلون في شرع الله بما يشرعون. وهم هكذا في قبضة الله يبقيهم كيف يشاء ، ويذهب بهم أنى شاء ، ويستخلف من بعدهم ما يشاء ومن يشاء ، كما انها ايقاعات من التثبيت والطمأنينة في قلوب العصبة المسلمة التي تلقى العنت من كيد الشياطين ومكرهم ومن أذى المجرمين وعدائهم ، فهؤلاء هم في قبضة الله ضعافا حتى وهم يتجبرون في الارض بغير الحق ويمكرون كما يشاؤون.

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) ، انكم في يد الله وقبضته ، ورهن مشيئته وقدرته فلستم بمفلتين أو مستعصين ، ويوم الحشر الذي شاهدتهم منه مشهدا منذ لحظات ينتظركم وانه لآت لا ريب فيه ، ولن تفلتوا يومها ، ولن تعجزوا الله القوي المتين.

وتنتهي التعقيبات بتهديد آخر ملفوف ، عميق الايحاء والتأثير في القلوب الحية : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) انه تهديد الواثق من الحق الذي معه ، والحق الذي وراءه ، ومن القوة التي في الحق والقوة التي وراء الحق ، التهديد من الرسول ص وآله ، بانه نافض يديه من أمرهم ، واثق مما هو عليه من الحق ، واثق من منهجه وطريقه ، واثق كذلك مما هم عليه من الضلال وواثق من مصيرهم الذي هم اليه منتهون : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

فهذه هي القاعدة التي لا تتخلف ، انه لا يفلح أهل المكر والعصيان والاجرام والفساد ، الذين يتخذون من دون الله أولياء وليس من دون

٥٣٧

الله ولي لقوم يعقلون ولا نصير والذين لا يتبعون هدى الله ، وليس وراءه الا الضلال البعيد والا الخسران المبين :

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) ، يقرر السياق وهو يصف تصورات الجاهلية وتقاليدها في الحرث والانعام ، ان الله هو الذي أنشأ لهم هذه الزروع والانعام فمن غير الله يرزق الناس من الارض والسماء (ساءَ ما يَحْكُمُونَ).

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))

وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨)

وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))

البيان : لا بد لنا أن نذكر هؤلاء ما كانوا يجرأون على ان يقولوا ان هذه التصورات والتصرفات من عند أنفسهم ، انما يفترون على الله ، فيزعمون انه هو شرعها لهم ، ينسبونها الى شريعة ابراهيم واسماعيل (ع) بزعمهم. كذلك يفعل الشياطين اليوم في الجاهليات الحديثة. ان معظمهم لا يستطيع ان يتبجح تبجح الشيوعيين الملحدين ، فينفي وجود الله جملة ، ويتنكر للدين علانية ، انما يلجأ الى نفس الاسلوب الذي كان يلجأ اليه الشياطين في جاهلية العرب ، يقولون انهم يحترمون الدين ويزعمون ان ما يشرعونه للناس له أصل من هذا الدين ، وهذا الاسلوب من الدول العربية ، هو أخبث وألأم من اسلوب الشيوعيين الملحدين الذين يعلنون بانكار الدين والحادهم برب العالمين. ان هذا اسلوب الدول العربية يخدر العواطف لبسطاء المتدينين ويخدعهم.

٥٣٨

فالاسلام منهج واضح عقيدة وعملا ، دينا وحكومة ونظاما عاما ، فمن غير أو بدل منه شيئا فكأنما غيره وبدله بكامله ، لان توحيد الله عزوجل والعبودية والحاكمية لا يقبل التجزئة ولا التبغيض لذا قال عزوجل بأصرح بيان :

(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ٢ س ٨٥ ي

فالامر اوضح من كل واضح ليس فيه أدنى خفاء ، وهل الدولة الا بنظامها وقانونها ، فاذا صار قانون الحكومة ونظامها أجنبيا من فعل المخلوقات استحال حسب مثل هذه الدولة على الاسلام ومن المسلمين ونظامها من عند غير الله ومن غير الاسلام.

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))

البيان : لقد خسر هؤلاء الدنيا لقتلهم اولادهم ـ وهل الحياة الدنيا وزينتها الا مال وبنون ـ وخسروا الآخرة لانهم قتلوا عباد الله وفعلوا ما حرم الله تعالى فعله وهذا هو الخسران المبين. ان الاولاد ملك لخالقهم وهو المتكفل في أرزاقهم في مدة حياتهم في الدنيا كما كفلهم في بطون امهاتهم. ولا ينقطع رزق مخلوق حتى ينتهي أجله وحياته ، وقتل الاولاد خوفا من الفقر دليل الجهل بالله أو سوء الظن بصدق قوله وتعهده برزق عباده حتى العاصين له.

قال تعالى :

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) ١٧ س ٣١ ي

٥٣٩

ان الخالق الرزاق هو المالك لمخلوقاته ، ولا يجوز التصرف في ملك الغير الا باذنه وارادته ، والفن الجديد في القرن العشرين ما اخترعه الافاكون الجاهلون بالله أو المسيئون الظن به الذين يستعملون حبوب منع الحمل خشية الفقر والحاجة من كثرة الاولاد وهي جريمة كبرى.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤))

البيان : ان الله سبحانه هو الذي خلق هذه الجنات ابتداء ، فهو الذي أخرج الحياة من الموات وهذه الجنات منها الانسيات المعروشات التي يتعهدها الانسان بالعرائش والحوائط ومنها البريات التي تنبت بذاتها ـ بقدر الله ـ وتنمو بلا مساعدة من الانسان ولا تنظيم وان الله هو الذي أنشأ النخل والزرع مختلف الالوان والطعوم والاشكال ، وان الله هو الذي خلق الزيتون والرمان ، منوع الصنوف متشابها وغير متشابه ، وانه سبحانه هو الذي خلق هذه الانعام وجعل منها (حمولة عالية) القوائم ، بعيدة عن الارض حمالة للاثقال ، وجعل منها (فرشا) صغيرة الاجسام قريبة من الارض يتخذ من أصوافها وأشعارها الفرش والثياب.

ان المنهج القرآني يكثر من عرض حقيقة الرزق الذي يختص الله

٥٤٠