الحاسمة ـ فاننا نرى الجاهلية والشرك ـ ولا شيء غيرهما ـ الا من عصم الله ولم يستوحش في طريق الهدى لقلة أهله ، كما قال سيد الاوصياء أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع).
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)
ان هذه الآيات في تصوير طبيعة الهدى وطبيعة الايمان انما تعبر تعبيرا حقيقيا واقعيا عن حقيقة واقعية كذلك ، ان ما يبدو فيها من تشبيه ومجاز انما هو لتجسم هذه الحقيقة في الصورة الموحية المؤثرة ، ولكن العبارة في ذاتها حقيقية.
ان نوع الحقيقة التي تعبر هذه الآيات عنها هو الذي يقتضي هذه الايقاعات التصويرية فهي حقيقة روحية وفكرية ، حقيقة تذاق بالتجربة ، ولا تملك العبارة الا ان تستحضر مذاق التجربة ولكن لمن ذاقها فعلا أو كان له قابلية الذوق والتمييز بين الخبيث والطيب.
ان هذه الحقيقة تنشىء في القلب حياة بعد الموت ، وتحدث فيه نورا بعد الظلمات ، حياة تميز ، ونورا يضيء ، هذه التجربة لا تنقلها الالفاظ ، بل تحسها القلوب الحية.
ان الكفر والاجرام والفساد والعصيان لله عزوجل انقطاع عن تلك الحياة الحقيقية ، الازلية الابدية ، التي لا تغني ولا تغيض ولا تغيب ، فالانعزال عن القوة الفاعلية المؤثرة في الوجود كله ، فهو موت ، وانطماس في أجهزة الاحساسات الروحية ، فهو موت ، والايمان بالله وطاعته فهو اتصال واستعداد واستجابة ونور وهدى وحياة.
ان الكفر والعصيان للخالق العظيم ، انكماش وتحجر فهو ضيق وشرود عن الطريق الفطري الميسر ، ان هو الا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود ومنقطع الصلة بنفس الوجود فهو عسر وحرمان فهو قلق وشقاء