تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠

بمنحه للناس ليتخذ منها مناسبة للوظائف التي تتطلبها حياة الناس في الارض ، وبرهانا على ضرورة افراد الله عزوجل بالحاكمية في حياة الناس ، فان الخالق الرازق الكافل وحده ، هو الحقيقي بأن تكون له الربوبية والسلطان وحده ، بلا مشارك ولا مجادل. (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ). ذلك ليذكرهم ان كل ما في أيديهم وما يملكون هو ملك لله لان العبيد لا يملكون شيئا (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ). انه لا أحد أظلم ممن يفترى على الله شريعة لم يأذن الله بها ، كما قال ابن الخطاب على رؤوس الاشهاد بدون خجل ولا حياء : (ثلاث أحلهن الله ورسوله وانا أحرمهن ، واعاقب كل من فعلهن : متعة الحج في مكة ومتعة النساء لأجل مسمى ، وحي على خير العمل في الأذان) واتباعه الكرام أطاعوه وأقروا تحريم ما أحله الله ورسوله ، ولم يزالوا على هذه البدع التي ما نزل الله بها من سلطان ومع هذا يدعو الاسلام والتصديق بما نزل من عند الله على رسول وهل هذا الا الافتراء من أولئك الذين لن يهديهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب شديد بما كانوا يفترون وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا : و (اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧))

البيان : والنص يبين سبب هذا التحريم وهو سبب خاص باليهود لاجرامهم وظلمهم ويؤكد أن هذا هو الصدق لا ما يقولونه هم من ان

٥٤١

اسرائيل ـ وهو يعقوب جدهم ـ هو الذي حرم هذا على نفسه ، وانما حرم عليهم بعده لبغيهم فجازاهم الله بهذا الحرمان من بعض الطيبات.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨)

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))

البيان : وقضية الجبر والتفويض كثر فيها الجدل في تاريخ الفكر الاسلامي بين الاشعرية والمعتزلة ، وتدخلت الفلسفة الاغريقية واللاهوت المسيحي في هذا الجدل ولكن جاء أهل بيت النبوة علي وأبناؤه المعصومون فقالوا كلمة الفصل بين انحرافين :

فقالوا : (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين امرين) يعني ان الخير باختيار العبد ومعونة الله وهدايته له. وان الشر باختيار العبد فقط لكن لا يخرج عن قدر الله. لو أراد منعه وردعه لفعل لانه على كل شيء قدير ، وانما يجري الامور وفقا لحكمته تعالى.

والمشركون الذين يقولون لو شاء الله ما أشركنا لقد كذبوا وافتروا على الله تعالى فالله لا يرضى لعباده الكفر والشرك والعصيان ، وانما قد تدعو الحكمة الالهية ترك العبد واختياره عند ما يختار لنفسه الشرك أو الكفر أو العصيان حتى يأتي يوم العقاب والجزاء :

(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) ، وهذه هي الهزة التي قد تحرك المشاعر وتوقظ من الغفلة وتوجه الى العبرة.

واللمسة الثانية كانت بتصحيح منهج الفكر والنظر ، ان الله أمرهم بأوامر ونهاهم عن محظورات وهذا ما يملكون أن يعلموه علما مستيقنا.

٥٤٢

فاما مشيئة الله فهي غيب لا وسيلة لهم اليه (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) هذا هو فصل القول في هذه القضية : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) يعني لو شاء بالمشيئة التكونية الاجبارية ، ولكن أراد الله من العباد ان يختاروا هم الهدى حتى ـ يستحقوا الثواب على ما اختاروا لانفسهم باختيارهم وبدون اجبار من أحد. كما أنه من ترك اختيار الهدى حتى يستحق العقوبة على ما فعله من الضلال والعصيان باختياره بدون اجبار احد : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) ، انها مواجهة هائلة وتحدي لاذع ان هذا الدين يسوي بين الشرك الواضح باتخاذ الهة غير الله ، وبين الشرك الخفي الذي هو مطلق العصيان والانحراف عن جادة الطريق ومنهج الله المستقيم (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣))

البيان : ننظر في هذه الوصايا التي وردت في السياق بمناسبة ما ورد سابقا عن تشريعات الانعام والثمار ، وأوهام الجاهلية ، فاذا هي قوام هذا الدين كله ، انها قوام حياة الضمير بالتوحيد وقوام حياة الاسرة بأجيالها المتتابعة ، وقوام حياة المجتمع بالتكافل والطهارة ، فيما يجري فيه من معاملات. وقوام حياة الانسانية ، وما يحوط الحقوق فيها من

٥٤٣

ضمانات ، مرتبطة بعهد الله كما أنها بدئت بتوحيد الله عزوجل.

انه أمر هائل هذا الذي تتضمنه الآيات الثلاث ، أمر هائل يجيء عقيب قضية تبدو كأنها لمحة جانبية من الجاهلية ولكنها في الحقيقة هي قضية هذا الدين الاساسية بدلالة ربطها بهذه الوصايا الهائلة الكلية : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ).

قل تعالوا أقص عليكم ما حرمه عليكم ربكم ـ لا ما تدعون انتم انه حرمه بزعمكم غير الله ، فالتحريم مختص بمن له حق الربوبية والحاكمية. وهو الله عزوجل وحده لا شريك له. القاعدة التي يقوم عليها بناء العقيدة ، وترجع اليها التكاليف والفرائض وتستمد منها الحقوق والواجبات ، القاعدة التي يجب أن تقوم أولا قبل الدخول في الاوامر والنواهي وقبل الدخول في التكاليف والفرائض ، وقبل الدخول في النظام والاوضاع ، وقبل الدخول في الشرائع والاحكام ، هي توحيد الخالق العظيم.

يجب ابتداء أن يعترف الناس بربوبية الله وحده لهم في حياتهم كما يعترفون بألوهيته وحده في عقيدتهم ـ ان كانوا صادقين ـ فلا يشركون معه أحدا في أحكامه وتنظيمه وحاكميته نعم يجب أن يعترفوا له لله وحده بانه المتصرف في شؤون هذا الكون وما حواه ، ويعترفوا له وحده بانه المتصرف في حسابهم وجزائهم يوم الدين واليه يرجع الامر كله في الدنيا والآخرة.

هكذا يجب أن تكون تنقية الضمير من أوشاب الشرك وتنقية العقل من أوشاب الخرافة وتنقية المجتمع من تقاليد الجاهلية ، وتنقية الحياة من عبودية العباد للعباد.

ان الشرك في كل صوره هو محرم ، لانه ينتهي الى كل محرم

٥٤٤

(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ـ (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ).

وكما وصاهم الله بالاسرة ، وصاهم بالقاعدة التي تقوم عليها ـ كما يقوم عليها المجتمع كله ـ انه لا يمكن اقامة اسرة صالحة ، ولا استقامة مجتمع صالح ، في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهذا التعقيب يجيء وفق المنهج القرآني في ربط كل أمر وكل نهي بالله وحده ، كذلك تجيء فيه الاشارة الى التعقل. فالعقل يقتضي ان تكون هذه السلطة وحدها هي التي تستسلم الناس لشرعها : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

فعلى من يتول اليتيم ألا يقرب ماله الا بالطريقة التي ترجع عليه بالربح والخير لليتيم نفسه فيصونه وينميه له حتى يسلمه اليه عند بلوغه كاملا غير منقوص وبدون أدنى تفريط : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) وهذا نظام المبادلات والمعاملات والمبايعات. كل ذلك في حدود هذا الدين القويم ، الحق المستقيم (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى).

وهنا يرتفع الاسلام ويستضيء بنوره الوهاج ويلزم الوجد ان والضمير والعقل بالرقابة البالغة : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ).

عن روضة الواعظين عن النبي ص وآله في هذه الآية : سألت الله أن يجعلها لعلي (ع) ففعل اذن فالمراد ان صراطي مستقيما فاتبعوه ، يعني عليا (ع) وفي الاحتجاج عنه ص وآله : في خطبة الغدير : معاشر الناس ان الله قد أمرني ونهاني ، وقد أمرت عليا ونهيته ، فعلي (ع) قد علم الامر والنهي من ربه فاسمعوا لامره وتسلموا ، وأطيعوه تهتدوا ،

٥٤٥

وانتهوا لنهيه ترشدوا وصيروا الى مراده ولا تتفرقوا بكم السبل عن سبيله ، فتكونوا من الهالكين.

معاشر الناس انا الصراط المستقيم الذي أمركم الله باتباعه ، ثم علي من بعدي ، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون ـ ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به).

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧))

البيان : لقد انقطعت المحجة بنزول هذا الكتاب ولكنهم ما يزالون يشركون بالله. ويشرعون من عند أنفسهم ويزعمونه شريعة الله ، بينما كتاب الله قائم وليس فيه هذا الذي يفترونه ، وما يزالون يطلبون الآيات والخوارق ليصدقوا بهذا الكتاب ويتبعوه ولو جاءتهم الايات التي يطلبون او بعضها لكان فيها القضاء الاخير عليهم ، لانه لا بد من عنادهم. وقد بطلت حجتكم وسقطت معذرتكم بتنزيل هذا الكتاب المبارك اليهم ، تفصيلا لكل شيء بحيث لا تحتاجون الى مرجع آخر وراءه ، وبحيث لا يبقى جانب من جوانب الحياة لم يتناوله. فتحتاجون أن تشرعوا له من عند انفسكم لتكونوا معذورين ، كلا لا عذر لكم ولا حجة :

(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ)

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ

٥٤٦

قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))

البيان : انه تهديد واضح وحاسم. فقد مضت سنة الله بأن يكون عذاب الاستئصال حتما اذا جائت الخارقة. ثم لم يؤمنوا بها المكذبون. والله سبحانه يقول لهم : ان ما طلبوه من الخوارق لو جاءهم بعضه لقضي عليهم بعده (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً ..).

انه مفرق الطريق بين اتباع الرسول ص وآله. وبين ترك العمل بما جاء به من ربه ان الوقفة الاولى للمسلم امام أية عقيدة ليست هي الاسلام بل هي وقفة المفارقة والرفض منذ اللحظة الاولى بمجرد التردد. وكذلك وقفته امام أي شرع او نظام يخالف شرع الله ونظامه لأن الاسلام دين اليقين والجزم وشرعه كذلك. يستحيل ان يجتمع مع التردد والتحير. وأمر هؤلاء الذين فرقوا دينهم شيعا ـ ليسوا على شيء من دين الاسلام ورسول الله ص وآله بريء منهم. فلا يكون الانسان مسلما حتى يعتقد يقينا جازما ان الاسلام هو الحق وما سواء بطل وضلال. وكذلك الحال في شرعه ونظامه.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣))

البيان : انه الاعلان الذي يوحي بالشكر ويشي بالثقة. ويفيض باليقين والجزم فالشكر على الهداية الى الصراط المستقيم. التي لا التواء فيه. وهو دين الله القويم. انه التجرد الكامل لله. بكل خالجة في

٥٤٧

القلب وبكل حركة في الحياة. انها تسبيحة لله وحده (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الموقنين المذعنين لله رب العالمين.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))

البيان : انها تسبيحة التوحيد الندية. يتجلى من خلالها ذلك المشهد الواحد المتفرد ذلك المشهد الرائع مشهد الحقيقة الايمانية (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا ..)

انها حقيقة الالوهية. بالربوبية والحاكمية. والتشريعية اليه يرجع الامر كله انها حقيقة الكون والحياة. وما وراء الكون والحياة. من غيب مكنون. ومن قدر مجهول ومن مشيئة تمحو وتثبت. وتحيي وتميت. وتحرك الكون وما حواه.

انها حقيقة النفس الانسانية بأغوارها واعماقها ودروبها ومنحنياتها وظاهرها وخافيها. وأهوائها وشهواتها وهداها وضلالها. وما يوسوس لها من شياطين الانس والجن ومشاهد قائمة ومواقف حشر ولحظات كربة وضيق. ولقطات من تاريخ الانسان في هذه الارض العريضة. ولقطات من تاريخ الكون والحياة.

انه الكتاب المفتوح المبارك هذه ـ بلا شك ـ واحدة من البركات الكثيرة واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)

٥٤٨

ـ ٧ ـ سورة الاعراف ـ عدد آياتها مائتان وستون آية (٢٦٠) ـ ٧ ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩))

البيان : (المص) ألف. لام. ميم. صاد. هذه الحروف لقد سبق القول عنها فيما مضى وقلنا من جملة الاقوال الواردة في بيانها انها جاءت تعجيزا للبشر أجمع وبالخصوص للعرب في عصر نزول القرآن المجيد حيث انه نزل على افصح قطر عربي وعلى ابلغ قبيلة عربية وهي الحجاز وقريش وكأنه عزوجل يلقي المسؤولية على المنكرين ان هذا كلام الله تعالى وعلى المعاندين بالتصديق بنبوة محمد ص وآله. وكأنه يقول لهم هذا القرآن مؤلف من هذه الاحرف فان قلتم انه من صنع البشر فهذه الحروف التي تركب منها هي بين ايديكم وفي متناولكم وانتم افصح قطر عربي. وابلغ قبيلة عربية فاصنعوا مثله ان كان يمكنكم ذلك ولكن انخذلوا صاغرين وتنكسوا عاجزين ولم يكن لديهم في ذلك الوقت الا العناد والتكذيب اللذين اوردهم الهلاك والدمار. فانقلبوا بخسران الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

٥٤٩

ثم قال عزوجل : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) للانذار به والتذكير كتاب للصدع بما فيه من الحق. ولمواجهة الناس. بما لا يوافق أهواءهم. لانه يعارض نظمهم واوضاعهم ومجتمعاتهم.

وهذا الموقف ـ من التحدي للبشر من الله عزوجل ـ ليس مقصورا على ما كان في الجزيرة العربية يومذاك. وما كان في الارض من حولها ـ ان الاسلام مواجهته دائمة لهذه البشرية الى يوم القيامة ، وهو يواجهها اليوم كما واجهها أول مرة ، كلما انحرفت وارتدت الى مثل ما كانت فيه اول مرة ، والبشرية اليوم في موقف كذلك الذي كانت فيه يوم بعث محمد ص وآله من الانحطاط لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين القويم ، وقد انتكست البشرية الى جاهلية شاملة للاصول والفروع والبواطن والظواهر والسطوح والاعماق في العقائد والاخلاق. لقد جاء هذا الدين ليغير وجه العالم وليقيم عالما آخر. يقر فيه سلطان الله وحده ، ويدحض سلطان الطواغيت. جاء هذا الدين ليقيم قاعدة (لا اله الا الله وحده لا شريك له) (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ).

ان مصارع الغابرين خير مذكر وخير منذر ، والقرآن المجيد يستصحب هذه الحقائق فيجعلها مؤثرات موحية ، ومطارق موقظة للقلوب البشرية الغافلة او الجاهلة او المخدوعة. (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) هذه نهاية المعاندين والمنحرفين.

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ

٥٥٠

الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))

البيان : من هنا تبدأ الرحلة الكبرى للبشرية. وتمكينها في الارض للقيام بالمهمة التي خلقت لأجلها وهي خلافة الله في ارضه وملكه. والقاء المسؤولية الكبرى على عاتق هذا المخلوق البشرى التي لو كانت السموات والارض والجبال تعقل وخيرت في حملها لاختارت العافية منها ومن الدخول تحت عبثها الثقيل الذي لا تحمله الا ارباب البصائر النيرة والنفوس الصافية. والقلوب الطاهرة التي لا تخدعها الدنيا وزخارفها ولا تعبىء بمصائبها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ٣٣ س ٧٢ ي

ان التصور الاسلامي وحده هو الذي يمضي وراء هذه الجزئيات ليربطها كلها بأصل شامل متناسق ان الله الذي خلق الكون. وهو الذي خلق الانسان. وقد اقتضت مشيئته تعالى وحكمته ان يجعل طبيعة هذا الكون بحيث سمح بنشأة هذا الانسان. واودع الانسان من الاستعدادات ما يسمح له بالتعرف الى بعض نواميس الكون واستخدامها في حاجته. وهذا التناسق الملحوظ هو الجدير بصنعة الله عزوجل. (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).

هذا هو المشهد الاول. وهو مشهد مثير. ومشهد خطير (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) لقد طرد ابليس من الجنة وطرد من رحمة الله. وحقت عليه اللعنة. وكتب عليه الصغار. ولكن الشرير العنيد لا ينسى ان آدم هو سبب الطرد والغضب ولا يستسلم لمصيره البائس دون ان ينتقم لنفسه ممن كان سبب طرده وخروجه من الجنة التي عبد الله فيها ستة آلاف سنة.

٥٥١

(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١)

فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥))

البيان : القرآن المجيد يسكت عن بيان نوع تلك الشجرة التي نهي آدم وزوجه عن الاكل منها. وجاء ابليس ليثأر لنفسه ممن كان سبب خروجه من الجنة. فراح يداعب شهوات الانسان. فوسوس لهما .. وقاسمها اني لكما لمن الناصحين).

ونسي آدم وزوجه ـ تحت تأثير الشهوة الدافعة والقسم المخدر ـ انه عدوهما الذي لا يمكن ان يكون لهما من الناصحين. فقد نسيا هذا كله. واندفعا يستجيبان للاغراء.

فلما ذاق الشجرة بدت لهما سوآتهما .. وناداهما ربهما آلم انهكما عن تلك الشجرة) واحذركما من عداوة ابليس لكما. لقد تمت الخدعة وسقط آدم وزوجه في الحفرة. ولم يبق مجال لتنفع حسرة او ندامة. لأن قابلية سكن الجنة فقدت والاهلية لذلك ارتفعت واصبحا لا يصلحان الا لسكن الارض القذرة القابلة لمن ذاته لا تصلح لسكن الجنة وطهارتها وقداستها. وقد سمعا هذا العتاب والتأنيب من ربهما على المخالفة لأمره ونهيه. وانحصر لديهما المجال. بهذا الاعتذار : (قالا : رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)

٥٥٢

وهنا تكون التجربة الاولى قد تمت وتكشفت خصائص هذا الانسان الضعيف المتعجرف. واذا فقدت قابلية الشيء بعد لم يبق مجال لرجوع ما خسره وفاته وفقد منه والعفو والغفران شيء آخر. فاذا كانت مرتبة عليا من الوظائف لا تصلح الا لمن لم يصدر منه خيانة او مخالفة. فان الانسان اذا ارتكب ثم اعتذر وندم وتاب وأناب وكان المولى عفوا غفورا رحيما ودودا. ولكن ما ينفع ذلك ، بعد خروجه عن القابلية واللياقة لتلك المرتبة.

(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فهبطا الى الارض مقر العصاة والمخالفين والمبتلين لقد هبطوا جميعا الى الارض. آدم وزوجه. ابليس وقبيله. هبطوا ليتصارع بعضهم مع بعض وليعادي بعضهم بعضا. ولتبدأ معركة الطبيعتين. وانتهت الجولة الاولى بذلك.

لقد بدأ من سياق القصة اصرار هذا العدو العنيد على ملاحفة الانسان وغوايته في كل حالة. وعلى اتيانه من كل ناحية. وعلى كفاحه في كل حالة. (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ)) ..

وانما يلاحظ في غواية الانسان ناحية الضعف ، ومداخل الشهوات ولا عاصم للانسان من الشيطان الرجيم الا بتقوى الله والاستعانة به دائما حتى يخرج من هذه الحياة ولذا قال عزوجل (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) الا بتبعونك ولا يصدقونك مهما زينت لهم.

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا

٥٥٣

عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠))

البيان : هذا النداء يجيء في ظل المشهد الذي سبق عرضه من القصة وعقب الخطيئة لقد كان النداء الاول تذكيرا لبني آدم بذلك المشهد الذي عاناه ابواهم. وبنعمة الله في انزال اللباس الذي يستر العورة والرياش الذي يتجمل به.

اما النداء الثاني ، فهو التحذير لبني آدم عامة وللمشركين الذين يواجههم الاسلام خاصة فيحذرهم ان لا يستسلموا للشيطان فيما يتخذونه لأنفسهم من مناهج وشرائع وتقاليد. فيسلمهم الى الفتنة كما فعل مع أبويهم من قبل اذ أخرجهما من الجنة ونزع عنهما لباسهما. ليريهما سوآتهما ، في التعري والتكشف الذي يزاولونه ـ والذي هو طابع كل جاهلية.

وزيادة في التحذير ، واستثارة للحذر ينبئهم ربهم ان الشيطان يراهم هو وقبيله من حيث لا يرونه. اذن فهو اقدر على فتنتهم بوسائله الخفية ، وهم محتاجون الى شدة الاحتياط. والى مضاعفة اليقظة ، والى دوام الحذر ، كي لا يأخذهم على غرة وغفلة ، ثم الايقاع المؤثر الموحى بالتوقي ، ان الله قدر أن يجعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ، وياويل من كان عدوه وليه ، انه اذن يسيطر عليه ويستهويه ويقوده حيث يشاء ، بلا عون ولا نصير ولا ولاية من الله (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)

٥٥٤

(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

فبعد ان ينكر عليهم دعواهم يبين لهم أن امر الله يجري في عكس ما تدعون (أمر الله بالعدل) وامر بالاستقامة على منهجه في العبادة والشعائر (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) ...

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤))

البيان : انه نداء التوكيد بعد التوكيد على الحقائق الاساسية للعقيدة في مواجهة ما عليه المشركون بالله من العرب في الجاهلية ، وذلك سياق النداء الي بني آدم كافة ، روى انهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، ولا يأكلون دسما في أيام حجهم فنهاهم الله عن ذلك :

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ... قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ ..)

وقيل ان الفواحش هي الزنا ، وقيل ان المراد من (الاثم) الخمر وهو اسم من اسماء الخمر ، كما هو مشهور عند العرب ، ولذا قد ورد عن شعرائهم في ذلك ما قاله الاخفش :

شربت الاثم حتى ضل عقلي

كذاك الاثم يذهب بالعقول

٥٥٥

وقال آخر :

نهانا رسول الله ان نقرب الخنا

وان نشرب الاثم الذي يوجب الوزرا

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) انها حقيقة اساسية من حقائق هذه العقيدة يوقع بها السياق على أوتار القلوب الغافلة ، غير الذاكرة ولا الشاكرة ، لتستيقظ فلا يغرها امتداد الحياة ، ولا الاجل المضروب اما أجل كل جيل من الناس بالموت المعروف الذي يقطع الحياة ، واما أجل كل أمة من الامم ذلك فانه مرسوم (لا يستقدمون عنه ولا يستأخرون).

(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧))

ـ البيان : الآن يبدأ نداء جديد لبني آدم. نداء بشأن القضية الكلية التي ربطت بها قضية اللباس في الوقفة السابقة. قضية التلقي والاتباع في شعائر الدين وفي شرائعه. وفي أمر الحياة كلها وأوضاعها. وذلك لتحديد الجهة التي يتلقون منها. انها جهة الرسل المبلغين عن ربهم. وعلى أساس الاستجابة أو عدم الاستجابة للرسل. يكون الحساب والجزاء في نهاية الرحلة التي يعرضها السياق

(فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

لأن التقوى تنأى بهم عن الآثام والفواحش. وأفحش الفواحش الشرك بالله تعالى واغتصاب سلطانه. وادعاء خصائص الوهيته.

والتقوى تقود أهلها الى الطيبات والطاعات وتنتهي بهم الى الامن من الخوف والرضى عن المصير. لأن الخوف يلازم المعاصي والجرائم

٥٥٦

أبدا. (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ).

ولأن التكذيب والاستكبار عن الاستسلام لعهد الله وشرطه يلحق المستكبرين ويسلط عليهم ابليس والنار مثوى لهم.

حيث يحق وعد الله : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ).

ها نحن أولاء امام مشهد هؤلاء الذين افتروا على الله كذبا. وقد جاءتهم رسل ربهم يتوفنهم ويقبضون أرواحهم ويذهبون بها الى الجحيم (قالُوا : أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ)

(وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).

(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١))

ـ البيان : ولقد كانت تلك الامم والجماعات والفرق في الدنيا من الولاء بحيث يتبع آخرها أولها. ويملي متبوعها على تابعها. فلننظر كيف يتنابذون ويلعن بعضهم بعضا.

(رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) ودونك فقف بتصورك ما تشاء امام هذا المشهد العجيب. مشهد الجمل وثقب الابرة. فمتى يتسع ثقب الابرة حتى يدخل الجمل فيه. أو متى يصغر الجمل حتى يصبح كالخيط فيدخل في ثقب الابرة انه لتمثيل عجيب :

٥٥٧

(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ. وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) يا له من موقف هائل مرعب تهلع منه القلوب والظالمون هم المجرمون. والمجرمون هم المشركون. والمشركون هم المكذبون بآيات الله والمكذبون لا يدخلون الجنة حتى يدخل الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))

ـ البيان : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) أنى للغل مكان في قلوب المؤمنين المصدقين. فالعلم الحقيقي والتقوى الصحيح يطهران الصدور من كل شين وريب ومتى يبقى في القلوب المضيئة بالايمان ان يبقى فيها قذارة حتى يسكنها غل أو حسد أو بغضاء لأولياء الله حاشاها.

(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥))

ـ البيان : ففي هذا السؤال من السخرية والتوبيخ ما لو نزل على الحديد لأذابه. ان المؤمنين على ثقة تامة من تحقيق ما وعدهم ربهم وما هم صائرون اليه بعد هذه الحياة. فهل المكذبون على ثقة تامة من صحة ما يدعون وما به يكذبون أنى لهم هذا (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) فما يؤمن بالآخرة أحد ويستيقن انه راجع الى ربه وان منتهى أمره الى النار الى العصيان. ثم يعصي ويصد عنى سبيل الله. ويحيد عن نهج الله وشرعه قيد شعرة. وهذا هو التصور الحقيقي للنفوس المطمئنة

٥٥٨

بالايمان الصحيح.

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)

وَنَادَى أَصْحَٰبُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ(٤٩))

ـ البيان : الاعراف هي أعالي الجنان. الرجال : هم الانبياء وخلفاؤهم المنصوص عليهم من الله ورسوله. (بسيماهم) هي علامات تعرف بها أهل الجنة. وأهل النار. قيل : ان تلك العلامات لأهل الجنة هي النور في الجباه والوجوه مكان سجودهم لرب العالمين. في حياتهم الدنيا. وعلامات أهل النار : سود الوجوه ويشهد لأهل الجنة بذلك قوله تعالى :

(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) آل عمران (١٠٥)

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ. أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) الزمر (٥٩)

ومن أولى مصاديق الذين كفروا بعد ايمانهم والذين كذبوا على الله تعالى هم أهل السقيفة وقد أخبر الله تعالى عن ارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم بقوله تعالى :

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) ٣ س ١٤٤ ي

٥٥٩

الفهرس

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الموضوع

٣

المقدمة

٢٧١

حديث الانقلاب

١٧

المدخل

٢٨٥

تمييز الخبيث من الطيب

٢٠

سورة الحمد (١)

٢٩٨

سورة النساء (٤)

٢١

سورة البقرة (١)

٣٢٩

طاعة علي (ع) واجبة

٢٧

من الذي نقض العهد

٣٩٠

سورة المائدة (٥)

٢٩

العجب من انكار البعث

٤٤١

حديث الغدير والخلافة

٤٦

كيفية خلق آدم (ع)

٤٦٨

حديث النجاشي واسلامه

٧٨

قصة بقرة بني اسرائيل

٤٨١

سورة الانعام (٦)

٩٧

حديث الامام الصادق (ع)

٥١١

قصة ابراهيم مع قومه

١٥١

اختلاف الناس في الامامة

٥٢٠

شهادة المستشرق بالله تعالى

٢١٥

سورة آل عمران (٣)

٥٣٠

التقوى حياة. والا فالموت

٢٥٧

النجاة بتقوى الله لا غير

٥٤٩

سورة الاعراف (٧)

* * *

علامة الايمان بالخالق العظيم. عن صدق واخلاص

منحصرة في الحب في الله. والبغض في الله لا غير

* * *

وعلامة قبول هذا الايمان. من الخالق العظيم

منحصرة في حمايته وشفايته وكفايته لهذا المخلوق

٥٦٠