تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

المشتركات أربعة : الأراضي ، والمعادن ، والمياه ، والمنافع فها هنا فصول (١)

الفصل الأوّل : في أقسام الأراضي

وفيه أحد عشر بحثا :

٦٠٩٤. الأوّل : قسّم علماؤنا الأرضين أربعة أقسام :

الأوّل : أرض من أسلم عليها أهلها طوعا من غير قتال ، كأرض المدينة ، وهي إمّا عامرة وإمّا موات ، فالعامر لأربابه ملك لهم يصحّ لهم بيعه ووقفه وسائر أنواع التصرّفات. قال الشيخ رحمه‌الله : فإن تركوها خرابا ، أخذها الإمام وقبّلها من يعمرها ، وأعطى صاحبها طسقها ، (٢) وأعطى المتقبّل حصّته ، والباقي يترك في بيت مال المسلمين لمصالحهم. (٣) ومنع ابن إدريس ذلك وجعل الأرض لمالكها لا يتصرّف أحد فيها من غير إذنه. (٤) وأمّا الموات فهي للإمام خاصّة لا

__________________

(١) في «ب» : وفيه فصول.

(٢) قال الطريحي في مجمع البحرين : الطسق ـ كفلس ـ الوظيفة من خراج الأرض المقررة عليها.

قال الحلّي في السرائر : ١ / ٤٧٧ : الطسق : الوضيعة توضع على صنف من الزرع ، لكلّ جريب ، وهو بالفارسية : تنسك ، وهو كالأجرة للإنسان ، فهذا حقيقة الطسق.

(٣) لاحظ المبسوط : ١ / ٢٣٥ ، كتاب الزكاة ؛ النهاية : ١٩٤ ، كتاب الزكاة.

(٤) السرائر : ١ / ٤٧٧ ، كتاب الزكاة ، باب أحكام الأرضين.

٤٨١

يملكه أحد بالإحياء ما لم يأذن له الإمام ، وإذنه شرط ، ومع الإذن يملكه المحيي.

الثاني : ما أخذ بالسيف عنوة ، وهي إمّا عامرة وقت الفتح ، وإمّا موات ، فالعامرة للمسلمين قاطبة المقاتلة وغيرهم ، والإمام يقبّلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك ، وعلى المتقبّل إخراج ما قبل به ، يخرج منه الإمام الخمس لأربابه والباقي يضعه في بيت مال المسلمين (١) يصرف في مصالحهم من سدّ الثغور ، وتجهيز العساكر ، وبناء القناطر ، وغير ذلك من المصالح.

ولا زكاة فيما يؤخذ من حقّ الرقبة ، لأنّ نصيب كلّ واحد من المسلمين لا يبلغ النصاب ، وما يبقى بعد ذلك للمتقبّل ، يخرج منه الزكاة إن بلغ نصابا.

وليس لأحد بيع شي‌ء من رقبة هذه الأرض ولا وقفها ولا هبتها ولا غير ذلك ، لاشتراك المسلمين فيها قاطبة ، وللإمام أن يقبّلها من متقبّل إلى غيره عند انقضاء المدّة.

ولو ماتت لم يصحّ إحياؤها ، لأنّ المالك لها معروف ، وهو المسلمون قاطبة.

وأمّا الموات منها وقت الفتح فإنّها للإمام خاصّة.

الثالث : أرض الصلح ، وهي أرض الجزية ، صالح أهلها عليها ، ويلزمهم ما صالح الإمام عليه من النصف أو الثلث أو غير ذلك ، وليس عليهم غيره.

فإذا أسلموا ، كان حكم أرضهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ،

__________________

(١) في «أ» : في بيت المال.

٤٨٢

ويسقط عنهم الصلح ، لأنّه يؤخذ جزية ، ولو باعوا أرضهم من مسلم انتقلت الجزية إلى رءوسهم ، ولو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين ، كان حكمها حكم المفتوح عنوة.

وهؤلاء يملكون أرضهم ، ويصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التصرّفات.

وللإمام أن يزيد وينقص في مال الصلح بعد انقضاء مدّة الصّلح بحسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.

الرابع : كلّ أرض انجلى أهلها عنها ، أو كانت مواتا فأحييت ، فإنّها للإمام خاصّة ، وله التصرّف فيها بالبيع والهبة والشراء وغير ذلك حسب ما يراه ، وكان له أن يقبّلها من شاء بما شاء ، ونقلها بعد مدّة القبالة من متقبّل إلى غيره إلّا الأرض الّتي أحييت بعد مواتها ، فان المحيي أولى بالتصرّف فيها ما دام يتقبّلها غيره بما يتقبّلها ، فإن امتنع ، كان للإمام نقلها عنه ، وعلى المتقبّل الزكاة إن بلغ نصيبه النصاب ، وكذا الإمام.

وتلخيص هذا : أنّ البلاد ضربان : بلاد الإسلام وبلاد الشرك ، فبلاد الإسلام إمّا عامرة ، وهي لأربابها خاصّة ، وإمّا موات ، فإن لم يجر عليها ملك مسلم ، فهي للإمام خاصّة ، وإن جرى عليها ملك ثمّ عطلت ، فإن كان المالك أو وارثه معلوما ، فهو أحقّ بها.

ولا تخرج بخرابها عن التملك لصاحبها ، ولا يصحّ لغيره إحياؤها ، وإن لم يكن صاحبها معيّنا ، فهي للإمام خاصّة لا يملكها المحيي من دون إذن الإمام.

٤٨٣

وبلاد الشرك عامرها لهم ومواتها للإمام إن لم يجر عليها ملك أحدهم ، وإن جرى عليها ملك أحد ، فإن تعيّن فهي له ، وإن لم يكن معلوما ، فهي للإمام.

ولا فرق بين القسمين إلّا في شي‌ء واحد ، وهو أنّ بلاد الشرك تملك بالقهر وبلاد المسلمين لا تملك بذلك.

٦٠٩٥. الثاني : الموات هو ما لا ينتفع به لعطلته ، إمّا لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه ، أو لاستيجامه ، أو لغير ذلك ، وبالجملة الأرض الخراب الدارسة يقال لها موات ، وتسمّى ميتة وموتانا بفتح الميم والواو ، وأمّا الموتان بضم الميم وسكون الواو ، فهو الموت الذريع ، ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو فهو الّذي لا يفهم.

ويتعلّق بها أحكام ثلاثة : إحياء وحمى وإقطاع ، وقد بيّنا أنّ هذه الأرض للإمام خاصّة ليس لأحد إحياؤها إلّا بإذنه ، وإذنه شرط في الإحياء ، سواء كان قريبا من العمران أو لم يكن.

والذمّي لا يملك بالإحياء ، ولو أذن له الإمام فالوجه أنّه يملكه وإن كان في بلاد الإسلام ، ولو بادر مبادر فأحياها ، لم يملكها من دون إذنه.

ولو كان الإمام غائبا كان المحيي أحقّ بها ما دام قائما بعمارتها ، فإن تركها فزالت آثاره فأحياها غيره ، كان الثاني أحقّ ، فإذا ظهر الإمام ، كان له رفع يده عنها.

وما هو بقرب العامر يصحّ إحياؤه إذا لم يكن مرفقا له.

٦٠٩٦. الثالث : المرجع في الإحياء إلى العادة لعدم تنصيص الشارع عليه ، ويختلف باختلاف الغايات ، فما يطلب سكناه يفتقر إلى الحائط ، ولو بخشب ، أو

٤٨٤

قصب ، والسقف في بعضه ، وما يطلب حظيرة يفتقر إلى الحائط خاصّة ، ولا يشترط فيه السقف ولا تغليق الباب.

وما يطلب للزراعة يفتقر إلى التحجير بالمرز أو المسناة وسوق الماء إليها بساقية وشبهها ، ولا يشترط الحرث ولا الزرع ، ولو زرع أو غرس وساق الماء ، تحقّق الإحياء.

ولو عضد الشجر في المستأجمة أو قطع الماء عن المغارق. (١) وهيّأها للعمارة كان إحياء.

ولو نزل منزلا فنصب فيه شعرا أو خيمة لم يكن إحياء ، وأمّا التحجير فيكون بنصب المروز أو حفر الخندق.

٦٠٩٧. الرابع : يشترط في التملك بالإحياء أمور ستّة :

]الأوّل:[أن لا يكون مملوكا لمسلم ، فإنّ ذلك يمنع من مباشرة الإحياء ، والموات إذا ذبّ عنها الكفّار في أرضهم فاستولى عليها طائفة ، لم يملكوا بالاستيلاء ، ولا تحصل لهم الأولويّة من دون الإحياء.

الثاني : أن لا يكون حريما للعامر ، كالطريق ، والشرب ، وحريم البئر ، والعين ، والحائط.

الثالث : أن لا يضعه الشارع موطنا للعبادة ، كعرفة ، والمشعر ، ومنى ، ولو عمّر ما لا يتضرّر به المتعبّدون كاليسير ، ففي الجواز نظر أقربه العدم.

__________________

(١) وفي الشرائع : ٣ / ٢٧٦ مكان تلك الجملة : «وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة ، وهيّأها للعمارة» وعلى هذا فالمراد الأراضي الّتي يغلب عليها الماء ، فتجفّف للعمارة.

٤٨٥

الرابع : أن لا يكون محجّرا ، فلو سبق المحجّر لم يجز إحياؤه ، وللمحجّر منعه من الإحياء ، فإن قهره فأحياها ، لم يملك.

الخامس : أن لا يكون مقطعا من إمام الأصل ، كما أقطع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلال بن الحرث العقيق ، وأقطع الزبير حضر (١) فرسه يعني عدوه فأجرى فرسه حتّى قام [الفرس] ورمى بسوطه ، فقال : «أعطوه من حيث وقع السوط» (٢) وحكمه قبل الإحياء ، حكم المتحجّر فليس لأحد إحياؤه.

السادس : أن لا يكون قد حماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا إمام الأصل مع بقاء الحاجة ، فإنّ ذلك يفيد المنع من المشاركة.

٦٠٩٨. الخامس : التحجير لا يفيد ملكا بل أولويّة واختصاصا ، فإن نقله إلى غيره كان الثاني بمنزلته ، ولو مات فوارثه أحقّ به ، ولو باعه لم يصحّ ، لأنّه لم يملكه.

وإذا اقتصر على التحجير وأهمل العمارة ألزمه الإمام بالإحياء أو التخلية بينها وبين غيره ، فإن امتنع أخرجها من يده ، ولو سئل الإمهال لعذر أنظر.

ولو أحياه غيره في مدّة الإنظار لم يملكه ، وإن أحياه بعد المدّة ملكه المحيي.

٦٠٩٩. السادس : حدّ الطريق في المواضع المبتكرة في أرض المباحة خمس

__________________

(١) الحضر بضم الحاء : العدو. تهذيب اللغة : ٤ / ٢٠٠ ، والمراد من حضر فرسه : أي قدر ما يعدو عدوة واحدة ، ونصبه على تقدير مضاف ، أي قدر حضر فرسه.

(٢) لاحظ سنن أبي داود : ٣ / ١٧٣ ـ ١٧٨ ، باب إقطاع الأرضين ؛ والمبسوط للشيخ الطوسي : ٣ / ٢٧٤ ؛ والمسالك : ١٢ / ٤١٨ ؛ ومستدرك الوسائل : ١٧ / ١٢٢ ، الباب ١٢ من أبواب كتاب إحياء الموات ، الحديث ٤ ؛ والمغني لابن قدامة : ٦ / ١٦٤ ـ ١٦٥.

٤٨٦

أذرع ، وقيل : سبع أذرع (١) وهو الأقوى فيتباعد الثاني عن الأوّل بهذا القدر.

وحريم الشرب مطرح ترابه والمجاز على جانبيه (٢) ولو كان النهر في ملك آخر فتنازعا في حريمه ، قضي به لصاحب النهر بناء على الظاهر على إشكال.

وحريم بئر المعطن وهي الّتي يستقى منها لشرب الإبل أربعون ذراعا ، فلو أراد الثاني حفر بئر أخرى ليستقي إبله تباعد هذا القدر.

وحريم الناضح وهي الّتي يسقى منها بالناضح وهو الجمل لسقي الزرع ستّون ذراعا ، فيتباعد الثاني في بئر ناضحه هذا القدر.

وحدّ ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراعا في الأرض الصلبة ، وألف ذراع في الرخوة.

وروى محمد بن علي بن محبوب قال : كتب رجل إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخرى فوقه فما يكون (٣) بينهما في البعد حتّى لا تضرّ بالأخرى في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة؟ فوقّع عليه‌السلام : على حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر (٤).

__________________

(١) وهو خيرة الشيخ في النهاية : ٤١٨.

(٢) قال في المسالك : ١٢ / ٤١٠ : المراد بالشرب هنا النهر والقناة ونحوهما ممّا يجري فيه الماء فإنّ حريمه مقدار ما يطرح فيه ترابه إذا احتيج إلى إخراجه منه ، ومشي مالكه على حافّتيه ، للانتفاع به لإصلاحه.

(٣) في المصدر : كم يكون.

(٤) التهذيب : ٧ / ١٤٦ برقم ٦٤٧ ؛ ولاحظ الوسائل : ١٧ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، الباب ١٤ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ١.

٤٨٧

وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن يكون بين القناتين في العرض إذا كانت أرضا رخوة ألف ذراع. وإن كانت أرضا صلبة يكون خمسمائة ذراع (١).

وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه للحاجة عند الاستهدام وللدار مقدار مطرح ترابها ، ومصبّ مياهها ، ومسلك الدخول والخروج.

وهذه التقديرات كلّها إنّما هي في الأرض المباحة الموات ، أمّا في الأملاك المعمورة فلا حريم لها ، ولكلّ واحد أن يتصرّف في ملكه بحسب العادة وإن تضرّر صاحبه ولا ضمان ، ولو اتّخذه حمّاما أو موطنا للقصّار والحدّاد لم يمنع ، وكذا لو كان يتأذّى الجار بالريح كالمدبغ.

ولو حفر إنسان في داره بئرا وأراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا في ملكه بقرب تلك البئر لم يمنع منه ، وكذا لو حفر بئرا في ملكه وأراد جاره أن يحفر في ملكه بالوعة أو كنيفا ، لم يمنع منه وإن كان ماء البالوعة والكنيف يتعدّى إلى بئر جاره ، ولو حفر أحدهما في داره بئرا ، وحفر الجار أعمق منها بحيث يسري ماء جاره إليه لم يمنع من ذلك.

ومن كان له مصنع فأراد جاره غرس شجرة تسري عروقها فتشقّ حائط المصنع لم يمنع منه إن لم تدخل العروق في الحائط.

٦١٠٠. السابع : ما كان يتعلّق بمصالح القرى كمرعى ماشيتها ومحتطبها ومسيل مائها ومطرح قمامتها وترابها وآلاتها لا يجوز إحياؤه.

__________________

(١) الوسائل : ١٧ / ٣٣٨ ، الباب ١١ من أبواب إحياء الموات ، ذيل الحديث ٣ ، ولاحظ الفقيه : ٣ / ٥٨ برقم ٢٠٧ ؛ والتهذيب : ٧ / ١٤٥ برقم ٦٤٤.

٤٨٨

ولو كان لإنسان شجرة في موات ، فله حريمها قدر ما تمدّ إليه أغصانها حواليها ، وفي النخل مدى جرائدها.

ولو أحيا أرضا وغرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه إلى المباح أو تسري عروقه إليه لم يكن لغيره إحياؤه ، ولو طلب الإحياء كان للغارس منعه ، ولو سبق إلى شجر مباح فسقاه وأصلحه فهو أحقّ به.

٦١٠١. الثامن : ما به صلاح العامر ، كالطّرق وغيرها ممّا ذكرنا أنّه حريم العامر ، الأقرب أنّه مملوك لصاحب العامر.

٦١٠٢. التاسع : الحمى أن يمنع الناس من رعي الشجر والكلاء في أرض موات ، وقد كان العزيز في الجاهليّة (١) إذا انتجع (٢) بلدا مخصبا أصعد كلبا على جبل أو مرتفع ، ثمّ استعوى الكلب ، ووقف له من كلّ ناحية من يسمع صوته بالعواء ، فحيث انتهى صوته حماه من كلّ ناحية لنفسه ، ويرعى مع العامّة فيما سواه ، فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس ، وقال : لا حمى إلّا لله ولرسوله. (٣)

إذا ثبت هذا ، فإنّ للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحمي لنفسه وللمسلمين كما حمى عليه‌السلام

__________________

(١) كذا في النسختين وفي المسالك : ١٢ / ٤٢١ «لأنّ العزيز من العرب» وفي المغني لابن قدامة ٦ : ١٦٦ «وكانت العرب في الجاهلية ...».

(٢) قال الطريحي في مجمع البحرين : النّجعة ـ بضم النون ـ : طلب الكلاء.

(٣) صحيح البخاري : ٣ / ١٤٨ ـ باب لا حمى الّا لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ؛ مسند أحمد بن حنبل : ٤ / ٣٨ و ٧١ و ٧٣ ؛ سنن البيهقي : ٦ / ١٤٦ ؛ سنن الدارقطني : ٤ / ٢٣٨ ؛ سنن أبي داود : ٣ / ١٨٠ برقم ٣٠٨٣ ؛ مجمع الزوائد : ٤ / ١٥٨ ؛ البحر الزخار : ٤ / ٧٧ ، كتاب الإحياء والتحجير.

٤٨٩

النقيع لخيل المهاجرين بالنقيع (١) بالنون ، وليس لآحاد المسلمين أن يحموا لأنفسهم ولا لغيرهم إجماعا ، وأمّا إمام الأصل فإنّ له أن يحمي لنفسه وللمسلمين عندنا.

٦١٠٣. العاشر : وللإمام أن يحمي لخيل المجاهدين وإبل الصدقة ونعم الضّوالّ والجزية ، ولا يضيّق على المسلمين في حماه ، فإذا حمى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام لمصلحة فزالت ، جاز نقض الحمى ، ولو نبت في ملك الإنسان كلاء جاز له منع غيره منه.

٦١٠٤. الحادي عشر : للإمام أن يقطع آحاد الناس قطائع من الموات ، وهو يفيد الاختصاص لا التملّك ، فإن أحياه المقطع ملكه بالإحياء ، وإلّا كان أولى من غيره بالإقطاع ، ثمّ إن أحياه ملكه وإلّا كان للإمام استرجاعه ، ولو طلب الإمهال لعذر أمهل بقدر زواله ، ولو سبق سابق فأحياه لم يملكه إلّا أن يكون بإذن الإمام.

ولا ينبغي للإمام أن يقطع أحدا من الموات ما لا يمكنه عمارته (٢) لما فيه من التضييق على الناس في مشترك بما لا فائدة فيه ، وليس له أن يقطع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة ، ويجوز أن يقطع المعادن الباطنة.

__________________

(١) في المصباح المنير : ٢ / ٣٣٢ : النقيع موضع بقرب مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في صدر وادي العقيق.

(٢) في «أ» : يمكنه عمارته.

٤٩٠

الفصل الثاني : في المعادن

وفيه ستّة مباحث :

٦١٠٥. الأوّل : المعادن قسمان : ظاهرة وباطنة ، فالظاهرة ما لا يفتقر تحصيلها إلى طلب واستنباط ، ويوصل إلى ما فيها من غير مئونة ، كالملح ، والنفط ، والكبريت ، والقير ، والمومياء والكحل ، والبرام (١) والياقوت ، وأحجار الرحى ، ومقاطع الطين ، وأشباه ذلك.

والباطنة ما لا يوصل إليها إلّا بالعمل والمئونة ، كمعادن الذهب ، والفضّة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور والفيروزج ، وغير ذلك ممّا يكون في بطون الأرض والجبال ، ولا يظهر إلّا بالعمل والمئونة عليها.

وقد اختلف علماؤنا في المعادن ظاهرها وباطنها ، فقيل : إنّها للإمام خاصّة (٢) ويجعلها من الأنفال ، وعلى هذا القول لا يملك بالإحياء من دون إذن الإمام.

وقال آخرون (٣) : إنّها للمسلمين ، لا يختص الإمام منها إلّا بما يكون

__________________

(١) قال الطريحي في مجمع البحرين : البرمة : القدر من الحجر ، والجمع برم ـ كغرفة وغرف ـ وبرام ككتاب.

(٢) وهو خيرة المفيد في المقنعة : ٢٧٨ ، باب الأنفال ؛ وسلّار في المراسم : ١٤٠.

(٣) قال الشهيد قدس سرّه : وأكثر الأصحاب على أنّ المعادن مطلقا للناس شرع. المسالك : ١٢ / ٤٤١.

٤٩١

في الأودية الّتي هي ملكه ، وأمّا ما كان في أرض المسلمين ويد مسلم عليه ، فلا يستحقّه ، وهذا عندي أقرب.

٦١٠٦. الثاني : المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء ، ولا يختصّ بها أحد بإحيائها ، ولا بالتحويط حولها ، ولا بالتحجير ، ولا بإقطاع السلطان ، بل هي مباحة كالمياه الجارية ، فمن سبق إلى موضع منه لم يزعج قيل قضاء وطره ، ولو أقام يريد أخذ فوق حاجته ، فالوجه أنّه لا يمنع.

ولو سبق إليه اثنان ، أقرع بينهما إن لم يمكن الجمع بينهما ، ويحتمل تمكينهما ، ويقسّم الحاصل بينهما ، وكلّ من أخذ شيئا من المعدن ملكه ، ويجب عليه الخمس فيه.

٦١٠٧. الثالث : المعادن الباطنة تملك بالإحياء ، ويجوز للإمام إقطاعها لمن شاء ، ولو كانت ظاهرة ، كان حكمها حكم المعادن الظاهرة.

وإنّما تملك وتحيى إذا كانت باطنة لا تظهر إلّا بالعمل.

وإحياؤها يكون بالحفر عليها حتّى يبلغ نيلها ويظهرها ويملكها المحيي بذلك ، ويجوز للإمام إقطاعها ، ولا ينبغي له أن يقطع إلّا ما يقدر المقطع على عمله ، لئلّا يضيق على الناس من غير فائدة.

ولو سبق إليها أحد كان أولى ، فإن أحياها ملكها وليس للإمام بعد ذلك إقطاعها لغيره ، وإن عمل فيها عملا لا يبلغ به النيل فهو تحجير يفيد أولويّة لا تمليكا ، فإن أهمل أجبره الإمام على إتمام العمل أو التخلية ، ويمهل لو ذكر عذرا بقدر زواله ثمّ يطلب بأحد الأمرين.

٤٩٢

٦١٠٨. الرابع : الأرض الموات إذا أحياها إنسان ملكها ، فإن ظهر فيها معدن ملكه تبعا لها ، لأنّه من أجزائها ، سواء كان ظاهرا أو باطنا ، بخلاف ما لو كان ظاهرا قبل إحيائه ، وكذا لو اشترى أرضا فظهر فيها معدن فهو له دون البائع ، بخلاف الكنز. ولو حجّر أرضا ، أو أقطعها وظهر فيها معدن قبل إحيائها ، كان له إحياؤها ويملكها ويملك المعدن أيضا.

ولو كان له إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر وسيق (١) إليه الماء ، وصار ملحا صحّ تملّكها بالإحياء ، ولو حجّرها إنسان كان أولى بها من غيره ، وكذا لو أقطعه إيّاها الإمام كان أولى.

٦١٠٩. الخامس : لو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى المنتهى ، كان أولى به ، وليس للإمام إقطاعه لغيره ، ولو حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن للأوّل منعه ، ولو وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه ، لأنّه إنّما يملك المكان الّذي حفره ، والعرق الّذي في الأرض لا يملكه بذلك ، فإذا وصل إليه غيره من جهة أخرى فله أخذه.

أمّا لو وصل الأوّل إلى العرق ، فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟ الوجه المنع ، وانّ (٢) الأوّل يملك حريم المعدن.

ولو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه ، فحفر إنسان من خارج أرضه ، فهل له الأخذ ممّا خرج عن أرضه؟ فيه إشكال (٣) ينشأ من أنّ الأوّل إنّما يملك ما هو من أجزاء أرضه.

__________________

(١) في «أ» : «وسبق».

(٢) في النسختين : بالواو وفي الجواهر : ٣٨ / ١١٣ «بالفاء» وهو الأصحّ.

(٣) في «ب» : ممّا خرج عن أرضه منه إشكال.

٤٩٣

ولو عمل جاهليّ في أرض المشركين حتّى وصل إلى المعدن ثمّ فتح البلد المسلمون ، لم يكن المعدن غنيمة ، ولا يملكه الغانمون ، ويكون على الإباحة كالموات ، لأنّه لا يعلم هل قصد الجاهليّ التملّك فيغنم ، أو لا ، فيبقى على أصل الإباحة.

٦١١٠. السادس : لو ملك انسان معدنا ، فعمل فيه غيره بغير إذنه ، فالحاصل للمالك ولا أجر للعامل لتبرّعه بالعمل ، ولو عمل بإذن المالك على أنّ ما يخرجه للعامل ، قال الشيخ : لا يصحّ ، لأنّها هبة مجهولة ، والمجهول لا يصحّ تملّكه إلّا أن يجدّد عقد الهبة بعد الإخراج ويقبضه إيّاه ، ولا أجرة للعامل لأنّه عمل لنفسه ، وإنّما يثبت الأجر إذا عمل لغيره بعمل صحيح أو فاسد ، وينزّل ذلك منزلة من وهب زرعه المجهول لغيره فنقله (١) الموهوب له وصفّاه ، ولا شي‌ء له من الزرع ، ولا أجرة على عمله ، وإن عمل بإذن المالك للمالك ، ولم يعيّن أجرة ، ثبت له أجرة المثل إذا كان العمل ممّا يستحقّ عليه أجرة ، وإن عيّن أجرة معيّنة ، صحّ ، وكذا الجعالة إن كانت مجهولة ، ثبت أجرة المثل ولا يثبت ما جعل له (٢).

والوجه عندي أنّ المالك إذا أذن له في العمل لنفسه ، كان إباحة وله الرجوع فيما أخذه العامل ما دامت العين باقية ، ولا أجرة له لو رجع المالك.

ولو قال : اعمل فيه كذا ولك الحاصل بشرط أن يعطيني ألفا لم يصحّ.

ولو استأجره لحفر عشرة أذرع في دور كذا بدينار ، صحّ لأنّها إجارة معلومة ، فإن ظهر عرق ذهب فقال : استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصحّ لجهالة

__________________

(١) في «أ» : فقبله.

(٢) المبسوط : ٣ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، نقله المصنف بتلخيص.

٤٩٤

العمل ، ولو قال : إن استخرجته فلك دينار صحّ جعالة لصحّة الجعالة مع جهالة العمل إذا كان العوض معلوما.

الفصل الثالث : في المياه

وفيه تسعة مباحث :

٦١١١. الأوّل : أقسام الماء ثلاثة :

محرز في الأواني فهو ملك لمحرزه بإجماع العلماء.

وماء الأنهار.

وماء الآبار.

والأوّل (١) قسمان : إمّا نهر مملوك أو غيره ؛ والثاني إمّا أن يكون عظيما كالنيل والفرات والدجلة وغيرها ممّا يشاركها في عدم التضرر بالسقي منها ، فهذا لا تزاحم فيه ، ولكلّ أحد أن يسقي كيف شاء ، أو يكون صغيرا يزدحم فيه الناس ويقع فيه التشاحّ ، أو يكون سيلا يتشاجر أهل الأرض الشاربة منه ، ويقصر عن كفايتهم ، فيبدأ بمن في أوّل النهر ، وهو الّذي يلي فوّهته (٢) ويحبس عليه الماء

__________________

(١) المراد : ماء الأنهار.

(٢) في المصباح المنير : ٢ / ١٦٢ : فوّهة الطريق ـ بضم الفاء وتشديد الواو مفتوحة : فمه وهو أعلاه ، وفوّهة النهر : فمه.

٤٩٥

للزرع إلى الشراك ، وللشجر إلى القدم ، وللنّخل إلى الساق ، ثمّ يرسل إلى الّذي يليه ، فيصنع كذلك إلى أن تنتهي الأراضي الّتي تليه. (١)

فإن (٢) لم يفضل عن الأوّل شي‌ء أو عن الثاني أو عمّن يليهم ، فلا شي‌ء للباقين ، لأنّهم ليس لهم إلّا ما فضل ، ولا يجب إرساله قبل ذلك ، وإن أدّى إلى تلف الأخير.

والأصل في ذلك قصّة (٣) الزبير مع الأنصاري في شراج الحرّة. (٤)

ولو كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة بالعلو والسفل سقي كلّ واحد على حدته.

ولو استوى اثنان من القرب من الفوّهة اقتسما الماء بينهما إن أمكن ، وإلّا أقرع فيقدّم من تقع له ، ولو كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقي من تقع له القرعة بقدر حقه (٥) من الماء ثمّ تركه للآخر ، وليس له السقي بجميع الماء ،

__________________

(١) في النسختين «عليه» ولعلّه مصحّف ، والصحيح بالنظر إلى سياق العبارة ما أثبتناه.

(٢) في «أ» : وإن.

(٣) في «ب» : قضية.

(٤) أخرجها البخاري في صحيحه : ٣ / ١٤٥ ـ باب سكر الأنهار ـ والبيهقي في سننه الكبرى : ٦ / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، قال الكرماني في شرح الرواية : الشرج مسيل الماء من الحزن إلى السهل ، والجمع شراج «والحرّة» بفتح المهملة خارج المدينة ، وهي لغة أرض ذات حجارة سود. قوله «الأنصاري» قيل : هو حاطب بن بلتعة ، وأطلق عليه الأنصاري ، لأنّه كان حليفا للأنصار ، وقيل : هو ثعلبة بن حاطب ، وقيل : حميد. صحيح البخاري بشرح الكرماني : ١٠ / ١٧٥ برقم ٢٢٠٥ ، ولاحظ فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ٥ / ٢٦ ـ ٢٩. ونقلها الشيخ الطوسي قدس سرّه في المبسوط : ٣ / ٢٨٣.

(٥) في «أ» : بقدر حصّته.

٤٩٦

لمساواة الآخر له في الاستحقاق ، والقرعة للتقديم في استيفاء الحقّ لا في أصله ، بخلاف الأعلى والأسفل ، فإنّ الأسفل لا حقّ له إلّا في فاضل الأعلى.

ولو زادت أرض أحدهما قسّم الماء على قدر الأرض ، لمساواة الزائد من الأرض في القرب ، فاستحقّ جزءا من الماء.

ولو كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل ، فجاء آخر ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم ، لم يكن له أن يسقي قبلهم ، لأنّهم أسبق ، ومن ملك أرضا ملك حقوقها ومرافقها ، فلا يملك غيره إبطال حقّها ، والأقرب أنّه ليس لهم منعه من إحياء ذلك الموات ، لأنّ جهة حقّهم في النهر لا في الموات ، فلو سبق إنسان إلى مسيل ماء (١) أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ، ثمّ أحيا آخر فوقه ، ثمّ أحيا ثالث فوقهما ، كان للأوّل وهو الأسفل السقي أوّلا ، ثمّ الثاني ، ثمّ الثالث.

وأمّا النهر المملوك ، فإن كان منبع الماء مملوكا : كأن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها ، فإنّهم يملكونها ، لأنّ ذلك إحياء لها ، فإنّ معنى الإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرّر الانتفاع بها على صورتها ، ويشتركون فيها وفي ساقيتها على قدر نفقتهم عليها ، ويملكون الماء ، وليس لأحد التصرّف فيه إلّا بإذنهم صريحا أو عرفا ، كالوضوء منه ، والشرب ، والغسل ، وغسل الثوب ، بخلاف شرب الماشية الكثيرة مع قلّة الماء ، فإنّه ضرر على المالك.

وإن كان النهر يأخذ من الماء المباح ، (٢) بأن يأخذ من نهر كبير ، فما لم

__________________

(١) في «ب» : إلى سيل ماء.

(٢) في «ب» : يأخذ الماء المباح.

٤٩٧

يتصل الحفر لا يملكه ، وإنّما هو تحجير وشروع في الإحياء ، فإذا اتّصل الحفر كمل الإحياء ، وملكه وإن لم يجر الماء فيه ، لأنّ الإحياء يحصل بالتهيئة للانتفاع ، ويصير مالكا لقرار النهر من كلّ جانب ولحريمه أيضا ، والماء الحاصل في هذا النهر لمالكه لأولويّته على غيره ، ولا يملكونه بجريانه ، بل يكونون أولى من غيرهم ، قاله الشيخ رحمه‌الله. (١)

٦١١٢. الثاني : لو كان النهر المملوك لجماعة ، كان ماؤه بينهم على قدر النفقة على عمله وكذا أصله ، فإن كفى الجميع فلا بحث ، وإلّا فإن تراضوا على قسمته بالمهاياة أو غيرها صحّ ، وإن تشاحّوا [في قسمته] قسّمه الحاكم على قدر حقوقهم فيه ، فتوضع خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط ، فيوضع على موضع مستو من الأرض في مقدم الماء فيه ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم ، يخرج من كلّ ثقب إلى ساقية مفردة لكلّ واحد منهم ، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به ، فإن اختلفت الحقوق بأن يكون لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللثالث سدسه ، جعل فيه ستّة ثقوب ، لصاحب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ، ولصاحب الثلث اثنان ، ولصاحب السدس واحد.

ولو كان لواحد الخمسان ، والباقي لاثنين متساويين ، جعل فيه عشرة ثقوب ، لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته ، ولكلّ واحد من الآخرين ثلاثة نصب في ساقية له.

ولو كان [النهر] لعشرة لخمسة منهم أراض قريبة ، ولخمسة بعيدة ، جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب ، وللباقين خمسة تجري في النهر إلى أن يصل إلى أرضهم ثمّ تقسم بينهم قسمة أخرى.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

٤٩٨

ولو أراد احدهم أن يجري ماؤه في ساقية آخر ليقاسمه في موضع آخر لم يجز إلّا برضاه. ولو قلنا بمقالة الشيخ رحمه‌الله في أنّ هذا الماء غير مملوك لأرباب النهر ، بل يكونون أولى من غيرهم (١) يحتمل أن يكون الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك ، وأنّ الأسبق أحقّ بالسقي منه ، ثم الّذي يليه ، لأنّه غير مملوك ، فكان السابق أولى.

٦١١٣. الثالث : إذا حصل نصيب إنسان في ساقيته (٢) ، كان له أن يسقي به ما شاء ، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن ، وله أن يعطيه من يسقى به.

وكذا لو كان له داران إحداهما إلى درب غير نافذ وظهر إحداهما إلى ظهر الأخرى ، جاز له فتح باب بينهما.

وكذا لو كان يسقي من هذا النهر بدولاب جاز له أن يسقي بذلك الماء أرضا لا رسم لها فيه ، وكذا لو كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها فيه.

٦١١٤. الرابع : لكلّ واحد من المشتركين في النهر المملوك أن يتصرّف في ساقيته المختصّة به بما أحبّ من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبّارة (٣) وغير ذلك من التصرّفات. أمّا النهر المشترك فلا يتصرّف أحد منهم فيه بشي‌ء من ذلك إلّا برضا أربابه أجمع.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٢) في «ب» : في ساقية.

(٣) وهي خشبة تمدّ على طرفي النهر ، أو قنطرة يعبر الماء فيها. كما في المغني لابن قدامة : ٦ / ١٧٥.

٤٩٩

ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل حقّه (١) شيئا يسقي به أرضا في أوّل النهر أو غيره ، أو أراد غير الشركاء ذلك لم يجز.

ولو فاض ماء النهر المملوك إلى ملك إنسان فهو مباح إذا كان منبع الماء مباحا ، كالطائر يعشش في ملك إنسان ، فإنّه لا يملكه بذلك.

٦١١٥. الخامس : إذا قسّم الشركاء ماء النهر المشترك بالمهاياة صحّ إذا جعل حقّ كلّ واحد منهم معلوما ، كأن يجعلوا لكلّ واحد يومين أو أقلّ أو أكثر ، وكذا لو قسّموا النهار بالساعات إذا ضبطت. ولو أراد أحدهم أن يسقي أرضا لا حقّ لها في النهر في نوبته أو يؤثر به غيره أو يقرضه إيّاه جاز إذا لم يضرّ بحافّة النهر.

ولو أراد أن يجري مع مائه في هذا النهر ماء آخر له في نوبته مع عدم الضرر ، فالوجه الجواز.

٦١١٦. السادس : إذا احتاج النهر المملوك إلى كري أو سدّ بثق (٢) فيه أو إصلاح حاشيته أو شي‌ء منه فعلى أربابه بحسب ملكهم فيه ، فيشترك الجميع في الإنفاق إلى أن يصلوا إلى الأوّل ، ثمّ لا شي‌ء على الأوّل ، ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني ، ثمّ يشترك من بعده ، كذلك إلى آخره ، كلّ ما انتهى العمل من أوّله إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شي‌ء ، لأنّ الأوّل إنّما ينتفع في موضع شربه ، ثمّ يختص بالانتفاع من دونه بما بعده.

ويحتمل اشتراك الجميع في الأجرة والإنفاق ، فإنّ الأوّل ينتفع بالسقي بالحدّ الواصل إليه وبمصبّ مائه بما بعده.

__________________

(١) كذا في النسختين ولعلّ الصحيح «قبل قسمه» كما في المغني لابن قدامة : ٦ / ١٧٤.

(٢) في المصباح المنير : ١ / ٤٧ : بثقت الماء بثقا ـ من بابي ضرب وقتل ـ إذا خرقته.

٥٠٠