تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

ولا يحنث بأكل المرق ، والأقرب الحنث بالرأس ، والكارع ، واللّسان.

ولو حلف لا يأكل الشحم ، لم يحنث باللحم ، ويحنث بما في الجوف من الشحم الّذي على الكلى وغيره ، والأقرب الحنث بشحم الظهر وما في اللحم والألية.

٥٨٦٥. السادس عشر : لو حلف لا يأكل لحما ، فإن نوى معيّنا انصرف إليه ، وإلّا انصرف إلى لحم الأنعام والصيد والطائر ، والأقوى عدم انصرافه إلى السمك.

ويحنث بأكل اللحم المحرّم ، كالميتة ، والخنزير والمغصوب.

٥٨٦٦. السابع عشر : لو حلف لا يلبس ثوبا ، [معيّنا امتنّ عليه بذلك الثوب] (١) فاشترى به أو بثمنه ثوبا ولبسه ، أو انتفع بالثمن لم يحنث (٢) ولو قصد قطع المنّة ففي الانصراف إلى هذه نظر ، ينشأ من اعتبار السبب وعدمه ، والأقرب ، العدم وكذا لا يحنث لو انتفع بغير الثوب من مال المحلوف عليه كأكل طعامه ، وسكنى داره ، وإن قصد قطع المنّة في لبس الثوب.

ولو حلف لا يلبس ثوبا منّ به عليه ، قطعا للمنّة ، (٣) فاشتراه غيره ، ثمّ كساه إيّاه ، أو اشتراه الحالف ولبسه ، ففي الحنث إشكال ينشأ من الأخذ بعموم اللّفظ أو بخصوص السبب ، والأقرب عدم الحنث.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لازم صحّة العبارة.

(٢) لعدم تناول اليمين للبدل على اختلافه.

(٣) كما إذا امتنّت عليه امرأته مثلا بثوب فحلف أن لا يلبسه ، قطعا لمنّتها فاشتراه غيره.

٣٢١

وكذا لا يحنث لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار ، فأوى في غيرها وإن قصد الجفاء على إشكال.

ولو حلف لسبب فزال ، مثل أن كان السبب المنّة عليه ، فملك هو الدار ، أو [ملك] غير من منّ عليه ، لم يحنث.

٥٨٦٧. الثامن عشر : لو حلف ليضربنّ عبده في غد فمات الحالف من يومه ، لم يحنث ، وكذا إن جنّ من يومه ولم يفق إلّا بعد خروج الغد ، ولو أمكنه ضربه في الغد ، ومضى الغد متمكّنا ولم يضربه حنث.

ولو مات العبد من يومه لم يحنث ، وكذا لو مات العبد في الغد قبل التمكّن من ضربه.

ولو مات [العبد] في غد بعد التمكن من ضربه (قبل ضربه) (١) حنث ، وكذا لو مات الحالف في غد بعد التمكّن من ضربه قبل ضربه ، حنث.

ويبرّ بضربه في غد أيّ وقت كان منه ، ولا يبرّ بضربه في يومه ولا بضربه في غد وهو ميّت ، ولا يضربه ضربا لا يؤلمه على إشكال ، ولا بخنقه أو نتف شعره أو عصر ساقه ، بحيث يتألّم.

ولا يحنث لو هرب العبد من يومه ، ولو مرض أو مرض الحالف ، فإن لم يتمكّن من ضربه لم يحنث ، وإلّا حنث.

ولو تلف العبد من يومه بفعله أو اختياره حنث ، وهل يحنث في الحال أو الغد؟ فيه تردّد ينشأ من انعقاد يمينه حال حلفه ، وقد تعذّر عليه الفعل ، فيحنث

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «أ».

٣٢٢

في الحال ، ومن كون الحلف مخالفة ما عقد يمينه عليه ، فلا يحصل إلّا بترك الفعل في وقته ، وكذا لو حلف ليشربنّ ماء الكوز غدا ، فاندفق اليوم لم يحنث إلّا أن يكون اندفاقه بفعله أو اختياره.

٥٨٦٨. التاسع عشر : لو حلف ليصومنّ حينا ، وجب عليه صوم ستّة أشهر ، وكذا لو حلف لا يكلمه حينا ، والأقرب التوالي في الثاني لا الأوّل.

ولو حلف لا يكلّمه حقبا ، فذلك ثمانون عاما.

ولو حلف ليصومنّ زمانا ، انصرف إلى خمسة أشهر ، وهل يتعدّى إلى غيره؟ كما لو حلف لا يكلّمه زمانا ، فيه نظر.

ولو نوى في هذه المواضع شيئا معيّنا ، انصرف إلى ما نواه.

ولو حلف لا يكلّمه دهرا أو عمرا طويلا ، أو بعيدا ، برّ بالقليل والكثير.

ولو حلف لا يكلّمه الدّهر أو الأبد ، اقتضى العموم ، وفي الزمان نظر ، والأقرب في العمر العموم.

وإن حلف لا يكلّمه أيّاما ، فهي ثلاثة ، وكذا لو قال : أشهرا أو شهورا.

٥٨٦٩. العشرون : لو حلف أن يقضيه حقّه في وقت ، فقضاه قبله ، لم يحنث إن أراد أن لا يجاوز ذلك الوقت ، وإلّا حنث ، وكذا في غيره من الأفعال ، كأكل شي‌ء أو بيعه ، أو شرائه ، إذا قيّد بوقت معيّن ، ففعل قبله حنث ، وكذا لو فعل بعضه قبل وقته ، والباقي في وقته.

ولو حلف أن يقضيه حقّه فقضاه عوضا عنه حنث ، ولو أبرأه صاحب الحقّ لم يحنث.

٣٢٣

ولو حلف ليقضيه عند رأس الهلال أو مع رأسه ، أو إلى رأس الهلال ، أو إلى استهلاله ، أو عند رأس الشهر ، أو مع رأسه ، برّ بقضائه عند غروب الشمس من ليلة الشهر ، وإن أخّر مع الإمكان حنث.

ولو شرع في عدّه أو وزنه أو كيله ، فتأخّر القضاء لكثرته ، فالأقرب عدم الحنث.

ولو حلف لا يبيع ثوبه بعشرة ، فباعه بها حنث ، ولو باعه بأقلّ أو أكثر لم يحنث ، ولو كان سبب يمينه الامتناع عن البيع بالعشرة للنقص ، حنث بالأقل.

ولو حلف لا أشتريه بعشرة ، فاشتراه بأقلّ لم يحنث ، وإن اشتراه بها أو بأكثر حنث.

ولو حلف أن يطلّق في غد وطلّقها قبله بائنا حنث ، ولا يحنث بالرجعة.

٥٨٧٠. الحادي والعشرون : لو حلف أن لا يفارقه حتّى يستوفي حقّه منه ، ففارقه الحالف مختارا ، حنث سواء أبرأه من الحقّ ، أو فارقه والحقّ عليه ، ولو فارقه مكرها لم يحنث ، سواء حمل مكرها حتّى فرّق بينهما أو أكره بالضرب والتهديد ، وكذا لو كان ناسيا ، أو هرب منه الغريم بغير اختياره.

وحدّ التفرّق أن يفترقا عن مجلسهما كالبيع.

ولو أذن له الحالف في الفرقة ففارقه ، حنث ، وكذا لو فارقه من غير إذن ولا هرب مع إمكان ملازمته والمشي معه أو إمساكه ، ولم يفعل.

ولو قضاه قدر حقّه ففارقه ظنّا منه الوفاء ، فخرج رديئا أو بعضه ، لم يحنث ، وكذا لو خرج مستحقا فأخذه المالك ، ولو علم بالحال ففارقه حنث.

٣٢٤

ولو فلّسه الحاكم ففارقه بإلزام الحاكم ، لم يحنث ، وإن لم يلزمه المفارقة ، لكن فارقه للعلم بوجوب المفارقة ، احتمل الحنث وعدمه.

ولو أحاله الغريم بحقّه ففارقه ، احتمل الحنث لعدم الاستيفاء منه ، وعدمه ، للبراءة منه ، أمّا لو كانت يمينه : لا فارقتك ولي قبلك حقّ ، لم يحنث بعد الحوالة والضمان والإبراء ، ويحنث بالكفيل والرهن.

ولو قضاه عن حقّه عوضا [عنه] احتمل الحنث ، لأنّ يمينه على الحقّ ، وعدمه ، للبراءة منه.

ولو كانت يمينه : لا فارقتك حتّى تبرأ من حقّي لم يحنث ، وكذا لا يحنث لو قبض وكيله قبل مفارقته.

ولو قال : لا فارقتني حتّى أستوفي [حقّي منك] ، ففارقه المحلوف عليه مختارا ، أو فارقه الحالف كذلك ، احتمل الحنث وعدمه.

ولو قال : لا افترقنا ، فهرب منه المحلوف عليه قبل القبض ، حنث ، إن أمكنه الإلزام ، ولو أكرها على الفرقة لم يحنث.

ولو حلف لا فارقتك حتّى أو فيك حقّك ، فأبرأه الغريم لم يحنث ، ولو كان الحقّ عينا ، فوهبها له ، فقبلها ، حنث إن كان قبل أن يقبضها الغريم.

ولو قال : لا أفارقك ولك قبلي حقّ لم يحنث بالإبراء والهبة.

٥٨٧١. الثاني والعشرون : لو قال لعبده والله لأضربنّك ان خرجت إلّا بإذني أو بغير إذني أو إلّا أن آذن لك ، أو حتى آذن لك أو إلى أن آذن لك ، فمتى خرج بغير إذنه يحتم الضرب ، وهل يقتضي التكرار؟ إشكال.

٣٢٥

ولو خرج بإذنه لم يجب الضرب ، وهل تنحلّ اليمين؟ فيه نظر.

فلو خرج بعدها بغير إذنه ، احتمل تحتّم الضرب ، واحتمل عدمه مطلقا ، ويحتّم الضرب إن قال : إلّا بإذني أو بغير إذني دون البواقي ، لأنّها غايات ، فإذا أذن انتهت غاية يمينه.

ولو أذن له في الخروج ، ثمّ نهاه قبل الخروج ، يحتّم الضرب بالخروج ، ولو نهاه بعد الخروج بإذنه فخرج ، لم يتحتّم الضرب إلّا مع القول بالتكرار.

ولو حلف ليضربنّه إن خرج بغير إذنه لغير عيادة مريض ، فخرج لعيادة مريض ، ثمّ تشاغل لغيره ، أو قال : إن خرجت إلى غير الحمّام بغير إذني ، فخرج إلى الحمّام ، وعدل إلى غيره ، احتمل الحنث ، إذ القصد عدم الذهاب إلى غير الحمّام والعيادة ، وعدمه ، لعدم خروجه إلى غيرهما ، ولو خرج للعيادة وغيرها وللحمام وغيره ، حنث.

ولو حلف ليضربنّه إن خرج لا لعيادة مريض ، فخرج لعيادة مريض وغيره ، يحتّم الضرب.

ولو حلف ليضربنّه إن خرج بغير إذنه ، ثمّ أذن له ولم يعلم ، فخرج ، احتمل تحتّم الضرب ، إذ الإذن الإعلام ، وعدمه ، لخروجه بعد الإذن.

ولو حلف أن لا يخرج عبده من هذه الدار إلّا بإذنه ، فصعد سطحها ، أو خرج إلى صحنها ، لم يحنث.

ولو حلف أن لا يخرج من البيت ، فخرج إلى السّطح أو إلى صحنه ، حنث.

٣٢٦

ولو حلف ألّا يخرج إلّا بإذن زيد ، فمات زيد قبل الإذن فخرج ، حنث على إشكال.

٥٨٧٢. الثالث والعشرون : لو حلف أن يتصدّق بماله ، دخل فيه كلّ ما يسمّى مالا ، سواء كان حيوانا أو صامتا ، وسواء كان زكويّا أو غير زكويّ ، وسواء كان عينا أو دينا حالّا أو مؤجّلا ، أو عبدا آبقا ، أو أمة أو أمّ ولد ، أو مكاتبا مشروطا ، أو مدبّرا ، دون حقّ الشفعة واستحقاق سكنى الدار أو زرع الأرض بالأجرة.

ولو حلف أن يضربه عشرة أسواط ، قيل يجزي الضغث ، (١) ويحتمل توجّه اليمين إلى الضرب بالآلة المعتادة كالسوط والخشبة ، ولو خاف على المضروب الضّرر العظيم أجزأ الضّغث ، هذا مع اعتبار المصلحة كاليمين على الحدّ أو التعزير.

ولو كانت على التأديب للأمر الدنيويّ ، لم يجب الوفاء ، ولا كفّارة مع العفو.

ولو قلنا بإجزاء الضغث أو كان المضروب متضرّرا بالسوط ، حتّى ضرب بالضغث ، اشترط إصابة كلّ قضيب جسد المضروب ، ويكفي الظنّ بالوصول ، ويكفي ما يسمّى به ضاربا ، وهو بما يؤلم ، وأن يضربه بسوط واحد عشر مرّات ، أو بعشرة أسواط إمّا مرّة إن قلنا بإجزاء الضغث ، أو عشر مرّات.

أمّا لو حلف أن يضربه بعشرة أسواط ، لم يكف السوط الواحد عشر مرّات ، وكفى الضغث المشتمل على العدد مرّة واحدة.

__________________

(١) القائل هو الشافعي وابن حامد. لاحظ المغني لابن قدامة : ١١ / ٣٢٥. وفي نسخة «ب» : قيل يجزي القضيب.

٣٢٧

ولو حلف أن يضربه عشرة ضربات ، فهو كعشر مرّات.

ولو حلف ليضربنّه عشر مرّات لم يكف الضّغث.

٥٨٧٣. الرابع والعشرون : لو حلف ألّا يكلّم زيدا ، فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا ، لم يحنث ، وكذا لو أشار إليه ، أو كلّم غير المحلوف عليه بقصد استماع المحلوف عليه ، فإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع ، لتشاغله أو غفلته ، فالأقرب الحنث ، ولو كان ميّتا ، أو غائبا ، أو مغمى عليه ، أو أصمّ لا يعلم بتكليمه إيّاه ، لم يحنث.

ولو سلّم عليه حنث ، ولو سلّم على جماعة وهو أحدهم ، أو كلّمهم ، فإن قصد المحلوف عليه مع الجماعة ، حنث ، وإن قصدهم دونه لم يحنث ، وإن أطلق حنث.

ولو لم يعلم أنّ المحلوف عليه فيهم لم يحنث.

ولو سلّم عليه وحده جاهلا به ، لم يحنث أيضا.

ولو وصل يمينه بكلامه ، مثل والله لا كلّمتك ، فاذهب أو فتحقّق ذلك ، أو فاعلمه أو ما شابه ذلك ، حنث إلّا أن ينوي كلاما غير هذا.

ولو صلّى بالمحلوف عليه إماما ، ثمّ سلّم من الصّلاة ، لم يحنث.

ولو صلّى مأموما ، فارتج عليه ، ففتح عليه الحالف ، لم يحنث (١) ، لأنّ ذلك كلام الله تعالى لا كلام الآدميّين.

__________________

(١) في «ب» : ولو صلّى مأموما فارتج عليه الحالف لم يحنث.

٣٢٨

ولو حلف أن لا يتكلّم لم تنعقد اليمين ، ولو فرض المصلحة في المنع ، انعقدت ، فإن قرأ حينئذ ، فالأقرب الحنث إلّا أن يكون في الصّلاة ، وكذا لو ذكر الله تعالى.

ولو استأذن عليه إنسان. فقال : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (١) حنث.

ولو حلف أن لا يفعل شيئا ثلاثة أيّام أو ثلاث ليال ، لم يكن له الفعل في اللّيالي الّتي بين الأيّام ولا في الأيّام الّتي بين اللّيالي.

٥٨٧٤. الخامس والعشرون : لو حلف أن لا يتكفّل بمال فكفل ببدن إنسان لم يحنث ، ولو حلف أن لا يستخدم عبدا فخدمه وهو ساكت من غير أمر ولا نهي ، احتمل عدم الحنث مطلقا ، والحنث إن كان عبده لا عبد غيره.

ولو حلف رجل أن لا يفعل شيئا ، فقال الآخر : يميني في يمينك لم يلزمه شي‌ء ، وإن نوى أنّه يلزمني ما يلزمك.

٥٨٧٥. السادس والعشرون : إذا حلف أن يعقد ، انصرف إلى الصّحيح ، سواء قيّده بالصحيح ، أو أطلق ، ولو حلف ليبيعنّ لم يبرّ إلّا بالصحيح ، ولو حلف لا نكحت فلانة فنكحها فاسدا ، لم يحنث ، وكذا لو حلف لا يشتري فابتاع فاسدا ، ويحنث ببيع فيه الخيار.

والعقد اسم للإيجاب والقبول ، ولو حلف لا يبيع أو لا يزوّج فأوجب البيع والنكاح ، ولم يقبل المتزوّج والمشتري لم يحنث.

ولو حلف لا يهب أو لا يعير لم يحنث بالإيجاب خاليا عن القبول ،

__________________

(١) الحجر : ٤٦.

٣٢٩

وفي الوصيّة والهديّة والصّدقة إشكال ، أقربه الحنث بمجرّد الإيجاب.

ولو حلف ليتزوّجنّ على امرأته برّ بالإيجاب والقبول الصحيح ، وإن تزوّج دون زوجته في الشرف ، أو لم يدخل بها ، أو واطأ امرأته على نكاح لا يغبطها به ليبرّ في يمينه ، كما لو تزوّج بعجوز.

ولو حلف لا تسرّيت ، فوطئ جاريته حنث ، وإن لم ينزل ، أو لم يحصنها ويحجبها (١). (٢)

٥٨٧٦. السابع والعشرون : لو حلف لا يهب له فأهدى إليه أو أعمره ، حنث ، ولو أعطاه من الصّدقة الواجبة أو النذر أو الكفّارة لم يحنث ، ويحتمل في الصّدقة المندوبة الحنث ، لكونها نوع هبة ، ولا يخرجها تخصيصها باسم عن جنسها ، كالهديّة والعمرى ، والعدم ، لأنّه عليه‌السلام كان يقبل الهديّة دون الصدقة ، ولو أوصى له لم يحنث ، وكذا إن أعاره أو أضافه أو باعه أو حاباه أو أسقط عنه دينا ، وفي الوقف عليه إشكال.

ولو حلف أن لا يتصدّق عليه ، فوهب له لم يحنث.

٥٨٧٧. الثامن والعشرون : إذا حلف أن لا يفعل شيئا ، انصرف إلى المباشرة وإلى الأمر به مع صلاحيّة النسبة به.

__________________

(١) في «ب» : أو يحجبها.

(٢) قال في المسالك : ١١ / ٢٨٣ : اختلف في معنى التسرّي ، فذهب بعضهم إلى أنّه يحصل بثلاثة أمور : ستر الجارية عن أعين الناس المعبّر عنه بالتخدير والوطء ، والإنزال ، وقيل : يكفي الوطء والستر ، وقيل : يكفي الوطء لأنّ اشتقاقه من السرّ وهو الوطء ... واختار الشيخ في المبسوط اعتبار الوطء والإنزال ، وفي الدروس الاكتفاء بالوطء مطلقا ، والأقوى الرجوع فيه إلى العرف. ولاحظ المبسوط : ٦ / ٢٥١.

٣٣٠

فلو حلف التاجر لا يبيع ، انصرف إلى المباشرة ، فلو باع وكيله لم يحنث.

ولو حلف السّلطان لا يضرب ، انصرف إلى الأمر به.

ولو حلف لا يحلق رأسه ، فالأقرب الحنث بالأمر به.

ولو حلف لا يضرب امرأته ، فلطمها أو لكمها (١) أو ضربها بعصا [أ] وغيرها ، حنث ، ولو عضّها أو خنقها أو جزّ شعرها جزّا يؤلمها قاصدا للإضرار لم يحنث.

وكذا تنصرف يمينه إلى العمد ، فلو حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا لم يحنث ، وكذا لو فعله مكرها.

٥٨٧٨. التاسع والعشرون : للحالف أن يتأوّل في يمينه مثل ما كاتبت فلانا ، ويعني كتابة الرقيق ، ولا عرّفته أي جعلته عرّيفا ، ولا سألته حاجة أي شجرة صغيرة ، وأن يورّي في يمينه مثل أن يدّعي عليه محقّ بشي‌ء وهو غير قادر عليه ، فيحلف انّك لا تستحقّ عندي شيئا ، وينوي في ضميره الآن ، فهذا كلّه سائغ إن كان الحالف مظلوما ، بأن يستحلفه ظالم على شي‌ء لو صدّقه لظلمه أو ظلم غيره.

وإن كان الحالف ظالما لم تقبل نيّته ولا تأويله ولا توريته بل النّية نيّة المستحلف ، وينصرف اللفظ إلى ما عناه المستحلف.

ولو لم يكن ظالما ولا مظلوما ، سمعت نيّته وقبل تأويله ، (٢) وانصرف اللفظ إلى ما عناه.

__________________

(١) لكمه : ضربه باليد مجموعة الأصابع.

(٢) في «أ» : وقبل تأويله الصدق.

٣٣١

٥٨٧٩. الثلاثون : لو حلف أن لا يتزوّج على زوجته ، فتزوّج قبل أن يطلّقها حنث ، وكذا لو طلّقها رجعيّا ، وتزوّج قبل خروج العدّة.

ولو قال : والله لا بعت لفلان شيئا ، فدفع المحلوف عليه سلعته الى ثالث ليبيعها ، فدفعها إلى الحالف فباعها لم يحنث إن كان دفعها بغير إذن الدافع إليه ، لعدم صحّة البيع ، وإن كان قد أذن له في التوكيل في بيعها ، وعلم ، حنث ، وإلّا فلا.

ولو حلف لا بعت له ثوبا ، فدفعه المحلوف عليه إلى وكليه فقال : بعه أنت ، فدفعه الى الحالف فباعه لم يحنث ، لأنّه لم يبع للّذي حلف إلّا أن يكون نوى أن لا يبيع سلعة يملكها المحلوف عليه.

٥٨٨٠. الحادي والثلاثون : لو حلف على شيئين إثباتا لم يبرّ بأحدهما ، فلو قال : والله لأصلينّ وأصومنّ ، وجبا معا ، ولا يجب جمعهما في الإيجاد ، ولو حلف عليهما نفيا ، جاز له فعل أحدهما لا فعلهما ، فلو قال : والله لا أكلت هذين الرغيفين ، جاز له أكل أحدهما ، ويحنث بأكلهما.

٥٨٨١. الثاني والثلاثون : إذا حلف ليعتقنّ مماليكه ، دخل فيه العبيد والإماء ، سواء كانوا قنّا أو مدبّرا ، أو أمّهات أولاد ، أو مكاتبين مشروطين ، ولو كان له أشقاص في عبيد (١) ، عتق عليه الأشقاص ، ولا يدخل المكاتب المطلق وإن لم يؤدّ شيئا من المال.

ولو حلف أن يعتق عبده إن لم يضربه غدا ، فباعه اليوم ثمّ اشتراه بعد غد ، لم يحنث ، وإن اشتراه في الغد ، وجب عليه عتقه.

__________________

(١) في «أ» : في عبيده.

٣٣٢

ولو حلف أن يضربه غدا فباعه في يومه أو في غده ، ثمّ خرج الغد ولم يضربه ، حنث.

ولو حلف ليطأنّ امرأته اليوم ، فحاضت بعد إمكان الوطء ، فالأقرب عدم الحنث إذا وطئها حائضا.

٥٨٨٢. الثالث والثلاثون : قد بيّنا أنّ النفي يقتضي التأبيد إلّا مع نيّة التقييد ، فلو قيل له : كلّم زيدا اليوم ، فقال : والله لا كلّمته ، فإن نوى المقيّد (١) في الأمر تخصّص ، وإن أطلق احتمل التأبيد عملا بمقتضى اللّفظ ، والتقييد للعرف.

ولو حلف أن لا يكلّم الناس ، فكلّم واحدا ، فالأقرب أنّه لا يحنث.

ولو حلف لا كلّمت زيدا وعمرا ، لم يحنث بكلام أحدهما ، وقول الشيخ هنا (٢) مدخول.

٥٨٨٣. الرابع والثلاثون : لو حلف أن لا يرى منكرا إلّا رفعه إلى الوالي فلان ، فرآه ولم يرفعه مع إمكانه حتّى مات أحدهما ، حنث ، ولو لم يتمكّن حتّى مات لم يحنث ، ولو عزل ، فإن كان نيّة رفعه حال الولاية ، لم يبرّ برفعه بعد العزل ، ولا يتحقّق الحنث في الحال ، لجواز عود الولاية فيرفعه إليه ، وإن لم يكن له نيّة احتمل البرّ برفعه إليه معزولا ، اعتبارا بالعين ، والعدم اعتبارا بالعين والصّفة.

__________________

(١) في «ب» : فإن نوى القيد.

(٢) قال الشيخ في المبسوط : ٦ / ٢٣١ : فإن حلف لا كلّمت زيدا وعمرا فكلّم أحدهما حنث ، والفرق بينهما (أي بين هذه المسألة ومسألة الرّغيفين) أنّهما يمينان ، لأنّه حلف لا كلّم زيدا ولا كلّم عمرا ، وانّما دخلت الواو نائبة مناب تكرير الفعل ، كأنّه أراد أن يقول : والله لا كلّمت زيدا ولا كلّمت عمرا فقال : «وعمرا» فلهذا حنث ، وليس كذلك في الأوّل (أي حلف لا أكلت هذين الرغيفين) لأنّهما يمين واحد.

٣٣٣

ولو حلف أن يرفعه إلى وال ، لم يحنث بموت الأوّل.

ولو حلف أن يرفعه إلى الوالي ، احتمل عوده إلى الموجود حال اليمين ، فيبقى كالأوّل ، وإلى الماهيّة الكلّية فيبقى كالثاني ، وهو أقرب.

٥٨٨٤. الخامس والثلاثون : قد بيّنا أنّ إطلاق اليمين ينصرف إلى العرف ، لكن يحتمل مراعاة عرف واضح اللسان وعرف الحالف وفهمه ، فلو حلف البدوي لا يدخل بيتا ، حنث ببيت الشعر والجلد والكلّة (١) والخيمة ، وفي البلدي وجهان.

ولو قال : «در خانه نشوم» لم يحنث ببيت الشعر والخيمة إذ لم يثبت هذا العرف بالفارسيّة.

ولو حلف على الجوز حنث بالهندي ، وعلى التمر لا يحنث بالهندي.

ولو حلف لا يأكل البيض ، ثمّ حلف أن يأكل ما في كمّ فلان وكان بيضا ، فاتّخذ منه الناطف ، (٢) [فأكل] لم يأكل البيض ، وبرّ في اليمين.

ولو حلف على ما اشتراه زيد لم يحنث بما يملكه بهبة ، أو رجع إليه بإقالة أو ردّ عيب أو قسمة ، أو صلح عن دين أو شفعة.

ولو حلف أن لا يشتري فتوكّل لغيره في الشراء ، لم يحنث فيما أضافه إلى الموكل.

ولو حلف لا يأكل ما اشتراه زيد لم يحنث بما اشتراه وكيله ، ويحنث لو حلف على طعام زيد.

__________________

(١) قال الطريحي فى مجمع البحرين : الكلّة ـ بالكسر ـ : الستر يخاط كالبيت يتوقّى به من البق.

(٢) قال الفيومي : الناطف : نوع من الحلوى يسمّى القبيطي. المصباح المنير : ٢ / ٣١٩.

٣٣٤

ولو حلف لا يبيع الخمر فباع لم يحنث إلّا أن يريد صورة العقد.

ولو حلف أن لا يحجّ حنث بالفاسد لانعقاده.

ولو حلف لا آكل لحم هذه البقرة وأشار إلى سخلة حنث بلحمها تغليبا للإشارة.

ولو حلف لا يلبس ما غزلته فلانة ، حمل على المغزول في الماضي.

ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها ، حمل على الماضي والمستقبل ، ولو لبس ما خيط بغزلها لم يحنث.

ولو حلف لا يلبس ثوبا ففرشه ونام عليه ، لم يحنث ، وكذا لو تدثّر به على الأقوى.

ولو حلف لا لبست قميصا فارتدى بقميص ، احتمل الحنث وعدمه ، ولو فتقه وائتزر به لم يحنث.

ولو حلف على مهاجرة زيد ففي الحنث بالمكاتبة نظر.

ولو حلف أن لا يتكلّم انصرف إلى النطق باللسان ، وفي الحنث بترديد الشعر مع نفسه نظر.

ولو حلف لأثنينّ على الله بأحسن الثناء ، فليقل : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

٥٨٨٥. السادس والثلاثون : الحالف إن قيّد فعله بوقت تعيّن ، وإن أطلق لم يجب الفور ، بل وقته العمر ويتضيّق (١) عند غلبة الظنّ بالوفاة ، سواء أطلق أو قيّده بشرط على الأقوى.

__________________

(١) في «ب» : ويضيق.

٣٣٥

ولو حلف ليقضينّ حقّه لم يحنث بالتأخير إلّا أن يفوت بموت أحدهما ، فيتحقّق الحنث.

ولو حلف لا رأيت منكرا إلّا رفعته إلى القاضي ، لم يجب البدار بل عمره وعمر القاضي مهلته ، ولو رأى المنكر بعد اطّلاع القاضي احتمل وجوب الرفع إليه وعدمه.

٥٨٨٦. السابع والثلاثون : إذا حلف على شي‌ء اقتضى التعلّق بما يصدق عليه ذلك الشي‌ء فى الحال ، فلو حلف لا يدخل دار فلان لم يحنث بدخول دار يملكها فلان بعد اليمين.

ولو حلف أن يعتق كلّ مملوك يملكه غدا ، دخل فيه ما يملكه في الحال وما سيملكه في باقي اليوم إذا بقي إلى الغد وما يستحدث في ملكه في غد.

ولو حلف أن يعتق كلّ مملوك يشتريه في غد اختصّ بما يشتريه في الغد.

ولو حلف لا يدخل «بغداد» فمرّ بها في سفينة ففي الحنث إشكال ينشأ من كون دجلة من «بغدا» حقيقة ، ومن كون «بغداد» موضع يقع عليه اليد ودجلة لا يقع عليها يد «البغدادي».

ولو قال : والله لا أكلّمك حتّى تكلّمني ، فتكلّما معا ، حنث.

ولو حلف لا يتزوّج «بالكوفة» فزوّجه الفضوليّ «بالكوفة» امرأة «بمكّة» وأجازت «بمكّة» ، احتمل الحنث بوقوع العقد «بالكوفة» ، وعدمه ، لأنّ الإجازة من تتمّته (١) وقد وقعت «بمكّة».

__________________

(١) في «ب» : من تتمّة.

٣٣٦

٥٨٨٧. الثامن والثلاثون : إذا حلف أن يعطي من يخبره ، فأخبره جماعة ، استحقّ كلّ واحد ما حلف عليه ، سواء أخبروه دفعة أو على التعاقب.

ولو حلف أن يعطي من سرّه ، فهو للمخبر الأوّل بالسارّ ، فلا يستحق المخبر الثاني شيئا ، ولو كان المخبر الأوّل جماعة استحقّ كلّ واحد منهم.

ولو حلف أن يعطي أوّل من يدخل داره ، استحقّ من يدخل عقيب اليمين وإن لم يدخل غيره.

ولو حلف أن يعطي آخر داخل ، فهو لآخر من يدخل قبل موته.

٣٣٧
٣٣٨

المقصد الثالث : في أحكام اليمين

وفيه ثلاثة عشر بحثا :

٥٨٨٨. الأوّل : إذا حلف على فعل موقّت وجب عليه الإتيان به في وقته ، فلو تجدّد العجز قبل الوقت انحلّت اليمين ، كما لو حلف ليعتقنّ غدا مملوكه فيموت اليوم ، أو ليحجنّ في هذا العام فيعجز.

٥٨٨٩. الثاني : قد بيّنا أنّ مبنى الأيمان على المتعارف ، فإن كان حقيقة تعيّن الانصراف إليه ، وكذا إن كان مجازا غلب على الحقيقة ، وإلّا فالحقيقة.

فلو حلف لا شربت لك ماء من عطش ، احتمل عوده إلى الحقيقة وإلى المتعارف فيعمّ ما عداه.

٥٨٩٠. الثالث : الحنث يتحقّق بالمخالفة اختيارا ، ولا يتحقّق بالمخالفة مع الإكراه أو الجهل أو النسيان.

٥٨٩١. الرابع : تكره اليمين الصادقة على القليل من المال ، وتجب الكاذبة مع المصلحة ، كما إذا أراد تخليص مظلوم ، وإن أحسن التوراة وجبت ، وتحرم اليمين على المحرّم ، وحلّت اليمين على الواجب والمندوب والأصلح من المباح والمتساوي منه.

٣٣٩

٥٨٩٢. الخامس : لو حلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسول الله أو من أحد الأئمة عليهم‌السلام أثم في الماضي والمستقبل صدق أو كذب.

وقال الشيخ : لو حلف على المستقبل بها وخالف ، وجب عليه كفّارة الظهار. (١)

٥٨٩٣. السادس : لا بدّ في اليمين من النيّة والضمير ، ثمّ إن كان الحالف محقّا كانت النيّة نيّته ، وإن كان مبطلا كانت النيّة نيّة المستحلف.

٥٨٩٤. السابع : قد بيّنا أن اليمين إنّما تكون بالله تعالى أو بأسمائه أو بصفاته ، ولو رأى الحاكم استحلاف الكفّار بالتوراة والإنجيل أو بشي‌ء من كتبهم أردع لهم ، جاز له استحلافهم بذلك.

٥٨٩٥. الثامن : إذا حلف أن لا يمسّ جارية غيره أبدا ، ثمّ ملكها ، جاز له وطؤها ، لأنّه حلف أن لا يمسّها حراما ، ولو تعلّقت اليمين بالعين حرمت أبدا.

٥٨٩٦. التاسع : إذا انعقدت اليمين على المستقبل ، وجب الوفاء بها ، فإن أخلّ وجبت الكفّارة ، ولو كان الخلاف أرجح في الدّين أو الدّنيا جاز له الحلّ ولا كفّارة.

ولو حلف على ترك شي‌ء ففعله ، حنث ووجبت الكفّارة ، وإن كانت على فعل شي‌ء فتركه ، فإن كانت اليمين مؤقّتة وخرج الوقت ، وجبت الكفّارة أيضا ، وإن كانت مطلقة لم يحنث إلّا بفوات وقت الإمكان.

٥٨٩٧. العاشر : إذا خالف مقتضى اليمين ناسيا أو جاهلا ، لم تجب الكفّارة ،

__________________

(١) النهاية : ٥٧٠ ـ باب الكفّارات ـ.

٣٤٠