تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

وصورتها : أن يقول : من ردّ عبدي مثلا (فلانا) (١) فله درهم.

وصيغتها اللفظ الدالّ على الإذن في الفعل بشرط عوض ، فلو ردّه إنسان ابتداء من غير جعل فهو متبرّع لا شي‌ء له ، وكذا إذا ردّ من لم يسمع نداه ، فإنّه قصد التبرّع.

ولو كذب الفضولي فقال : قال فلان : من ردّ فله درهم ، لم يستحقّ الرادّ على المالك ولا على الفضولي شيئا ، لأنّه لم يضمن ، أمّا لو قال الفضولي : من ردّ عبد فلان فله درهم ، لزمه لأنّه الجاعل.

ولا تفتقر إلى القبول ، وتصحّ على كلّ عمل مقصود محلّل ، سواء كان معلوما مثل من خاط ثوبي أو حجّ عنّي فله دينار ، أو مجهولا مثل من ردّ عبدي ، فإنّ مسافة الردّ مجهولة.

ويشترط في الجاعل أهليّة الاستئجار.

ولا يشترط تعيين العامل ، أمّا العوض فلا بدّ وأن يكون معلوما بالكيل ، أو الوزن ، أو العدد إن كان من أحدها (٢) ولو كان مجهولا مثل من ردّ عبدي فله شي‌ء ، أو ثوب ، أو عبد ، ثبت بالردّ أجرة المثل ، ولو قيل بجواز الجعل المجهول إذا لم يمنع الجهالة التسليم ، مثل من ردّ عبدي فله نصفه ، ومن ردّ ضالّتي فله ثلثها ، كان حسنا.

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «أ».

(٢) في «أ» : من أحدهما.

٤٤١

ولو قال : من ردّ من بلد كذا فله دينار ، فردّ من نصف الطريق ، استحقّ النصف ، ولو ردّ من أبعد من البلد لم يستحقّ عن الزيادة شيئا.

ولو عيّن الجعالة لواحد فردّه غيره ، لم يستحقّ جعلا.

ولو قال : من ردّ فله دينار ، فردّه اثنان ، تشاركا في الجعل.

ولو عيّن واحدا فعاونه غيره لقصد معاونة العامل ، احتمل أن يكون الكلّ للعامل ، وأن يكون النصف ، ولا شي‌ء للمعاون ، وإن قصد طلب أجرة فلا شي‌ء له ، وللعامل النصف.

ولو جعل لكلّ من الثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاءوا به جميعا ، فلكلّ واحد ثلث ما جعل له ، ولو كانوا أربعة فلكل واحد الربع ، وعلى هذا ، وكذا لو ساوى بينهم في الجعل.

ولو جعل لبعضهم معيّنا ولبعضهم مجهولا ، فجاءوا به أجمع ، فلصاحب المعلوم ثلث جعله ، وللمجهول ثلث أجرة المثل.

ولو جعل على فعل يصدر عن كلّ واحد منهم استحقّ كل منهم جعلا كاملا ، مثل أن يقول : من دخل داري فله درهم ، فدخلها جماعة استحقّ كلّ واحد درهما ، بخلاف من ردّ عبدي.

ويستحقّ العامل الجعل بالتسليم ، فلو جاء به إلى البلد فهرب ، لم يستحقّ الجعل.

وإنّما يستحقّ الجعل إذا بذله الجاعل أوّلا ، فلو حصلت الضالّة في يد إنسان قبل الجعل ، لزمه التسليم ولا أجرة له ، وكذا لو تبرّع.

٤٤٢

والجعالة جائزة قبل التلبّس وبعده ، فإن تلبّس العامل وجب على الجاعل دفع أجرة ما عمل ، فلو أتمّ العامل العمل بعد رجوع الجاعل وعلمه به ، لم يستحقّ أجرة على التمام ، سواء دفع الجاعل إليه أجرة ما عمل أو لا ، ولو لم يعلم بالرجوع استحقّ الجعل كملا مع الفعل.

ولو رجع العامل عن العمل قبل إتمامه لم يستحقّ أجرة على ما عمل ، ولو رجع الجاعل عن الجعالة الأولى إلى جعالة أزيد أو أنقص ، عمل بالأخيرة.

وإذا بذل جعلا ، فإن عيّنه ، لزمه دفعه مع العمل ، وإن لم يعيّنه ، لزمه مع الردّ أجرة المثل.

وقد روي في ردّ الآبق إذا لم يعيّن المالك أربعة دنانير إن ردّ من غير المصر ودينار إن ردّ من المصر (١) وكذا قيل في البعير ، (٢) ولو نقصت قيمة العبد عن المقدر الشرعي وجب من غير نقصان درهم عن القيمة ، سواء كان الرّادّ معروفا بردّ الإباق أو لم يكن.

وقال الشيخ رحمه‌الله : إنّه على الأفضل (٣) وهو حسن.

ولو استدعى المالك الردّ ولم يبذل أجرة لم يكن للرادّ شي‌ء لتبرّعه ، وكذا لو ردّ العامل من غير جعل مطلق أو مقيّد من المالك ، سواء في ذلك العبد وغيره.

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٣٩٨ برقم ١٢٠٣.

(٢) القائل هو الشيخ في النهاية : ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

(٣) المبسوط : ٣ / ٣٣٣.

٤٤٣

والأمة ليست كالعبد ، فلو أطلق المالك الجعل فيها (١) ، ثبتت أجرة المثل لا المقدّر الشرعي ، أمّا البعير فشامل للذكر والأنثى.

ويقف استحقاق الأجرة على تمام العمل ، فلا يستحقّ بالبعض البعض حتّى لو مات العبد على باب الدار أو هرب قبل التسليم فلا أجرة.

ولو أنكر المالك شرط الأجرة ، أو شرطه في عبد معيّن ، أو سعي العامل في الردّ ، بأن يقول العامل : حصل في يدي بعد الجعل ، وقال المالك بل قبله ، فالقول قوله.

ولو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه ، فالقول قول الجاعل أيضا مع يمينه.

ويثبت للعامل أقلّ الأمرين من أجرة المثل ومدّعاه ، وقال الشيخ : تثبت له أجرة المثل. (٢) ويحلف الجاعل على نفي ما ادّعاه العامل لا على ثبوت ما ادّعاه.

ولو قرن الجعالة بمدّة صحّ ، مثل من ردّ عبدي اليوم فله كذا ، أو من بنى هذا الحائط في شهر فله كذا ، بخلاف الإجارة. ولو قال : من ردّ عبديّ فله دينار ، فردّ أحدهما استحقّ نصف الدينار.

ولو قال : من ردّ عبدي من بلد كذا فله دينار ، فردّه من غير ذلك البلد لم يستحقّ شيئا ، ولو ردّه من بلد الشرط إلى نصف الطريق ، ومات العبد ، لم يستحقّ عوضا.

ولو قال : من وجد لقطتي (٣) فله كذا ، استحقّ العامل العوض بالرّدّ لا بمجرد الوجدان ، عملا بقرينة الحال.

__________________

(١) في «ب» : الجعل منها.

(٢) المبسوط : ٣ / ٣٣٣.

(٣) في «أ» : ضالّتي.

٤٤٤

القاعدة الرابعة : في الأحكام

وفيها كتب

كتاب اللّقطة

٤٤٥
٤٤٦

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في اللّقيط

وفيه أربعة عشر بحثا :

٦٠٤٢. الأوّل : اللقيط والملقوط والمنبوذ واحد ، وهو كلّ صبيّ ضائع لا كافل له ، فلا يتعلّق الحكم بالتقاط البالغ العاقل ، ولا بمن له كافل كالأب أو الجدّ أو الأم ، فلو كان أحد هؤلاء موجودا أجبر على أخذه ، وإنّما يتعلّق الحكم بالصبيّ غير المميّز على إشكال ، أقربه جواز التقاطه ، لعجزه عن القيام بدفع ضرورته.

٦٠٤٣. الثاني : لو التقط الصّبيّ اثنان على التعاقب ألزم الأوّل بأخذه ، ولو التقطاه دفعة ألزما معا بأخذه إن تساويا ، وتحتمل القرعة ، ولو ترك أحدهما لصاحبه جاز وإن لم يأذن الحاكم ، لاختصاص ملك الحضانة بهما.

٦٠٤٤. الثالث : لو كان اللقيط مملوكا وجب حفظه وإيصاله إلى المالك صغيرا كان أو كبيرا ، ذكرا كان أو أنثى ، فإن أبق أو ضاع أو هلك من غير تفريط فلا ضمان على الملتقط ، وإن كان بتفريط يضمن ، والقول قول الملتقط مع اليمين في عدم التفريط ، وفي القيمة معه ، وله الرجوع بما أنفق عليه ، ولو تعذّر استيفاء النفقة بيع فيها.

٤٤٧

ويجوز أخذ الآبق لمن وجده ، فإن وجد صاحبه دفعه إليه مع البيّنة أو اعتراف العبد بأنّه سيّده ، ولو لم يجد سيّده ، دفعه إلى الإمام أو نائبه ، فيحفظه لسيّده أو يبيعه مع المصلحة.

وليس للملتقط بيعه ولا تملّكه بعد تعريفه ، لأنّ العبد يتحفّظ بنفسه ، فهو كضوالّ الإبل ، فإن باعه فالبيع فاسد ، ولو باعه الإمام للمصلحة صحّ ، ولو جاء صاحبه واعترف أنّه كان قد أعتقه ، فالوجه عدم القبول ، وليس للسيّد أخذ الثمن ، ويصرف إلى بيت المال ، ولو عاد السيّد وأنكر العتق وطلب ، دفع إليه ، إذ لا منازع له.

قال الشيخ رحمه‌الله : لا يجوز أخذ البالغ والمراهق ، لأنّهما كالضالّة الممتنعة ، ويجوز أخذ الصغير لأنّه معرض للتلف. (١)

٦٠٤٥. الرابع : يشترط في ملتقط اللقيط البلوغ والعقل والحريّة والإسلام ، فلا اعتبار بالتقاط الصبيّ ولا المجنون ولا العبد ، فلو التقطه انتزع منه إلّا أن يأذن له المولى ، ولو أذن له في التقاطه جاز.

فإن رجع في الإذن بعد الالتقاط لم يجز ، وإن كان قبله لم يلتقطه ، وحكم المدبّر والمكاتب وأمّ الولد والمعتق بعضه كذلك.

ولو لم يجد العبد أحدا يلتقطه سواه ، فالوجه وجوب التقاطه.

وليس للكافر التقاط المحكوم (٢) بإسلامه ظاهرا ، فلو التقطه انتزع من يده ، ولو كان الطفل محكوما بكفره ، كان له التقاطه.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٣٢٨.

(٢) في «أ» : التقاط للمحكوم.

٤٤٨

وهل تعتبر عدالة الملتقط؟ قيل : نعم ، لأنّ الحضانة استئمان ولا يؤمن من ادّعاء رقّه ، فينتزعه الحاكم ويدفعه إلى ثقة.

٦٠٤٦. الخامس : أخذ اللّقيط واجب على الكفاية ، ولا يجب الإشهاد عند أخذه ، ولا نفقته على الملتقط ، نعم يجب عليه الحضانة ، وينفق الملتقط عليه من ماله إذا كان ذا مال مع إذن الحاكم ، فإن بادر وأنفق من مال اللقيط من دون إذن الحاكم ، ضمن إلّا عند الضرورة كأن يتعذّر الوصول إلى الحاكم مثلا ، فينفق ولا ضمان ، ولو لم يكن ذا مال أنفق عليه السلطان من بيت المال ، فإن تعذّر استعان الملتقط بالمسلمين.

ويجب عليهم دفع النفقة على الكفاية ، فإن تعذّر ذلك أيضا أنفق الملتقط عليه ، ورجع عليه إذا أيسر إن نوى الرجوع ، ولو لم ينو كان متبرّعا لا رجوع له ، وكذا لو نوى الرجوع ووجد المعين ولم يستعن به ، وكذا لو أنفق غير الملتقط مع نيّة الرجوع فله ذلك.

وهل يشترط الإشهاد؟ فيه نظر. ومنع ابن إدريس من الرجوع وإن أشهد ونواه. (١)

٦٠٤٧. السادس : لو التقط مستور الحال غير معروف بعدالة ولا ضدّها ، فالأولى إقراره في يده بناء على الظاهر من حال المسلم ، ولو أراد السفر به احتمل منعه لما لا يؤمن من ضياع نسبه ، فإنّه إنّما يطلب موضع التقاطه فينتزعه الحاكم ، والجواز لأنّه أمين.

__________________

(١) السرائر : ٢ / ١٠٧.

٤٤٩

وكذا لو التقطه بدويّ لا استقرار له ، احتمل الوجهان ، ولو التقطه في البادية ، جاز النقل إلى الحضر ، لما فيه من الرفاهيّة.

وكلّ موضع قلنا بانتزاعه ، فإنّما ينتزع مع وجود من هو أولى من الملتقط.

٦٠٤٨. السابع : لو التقطه مسلم وكافر دفعة ، فإن كان محكوما بإسلامه ، فالمسلم أولى ، وكذا البحث في العدل والفاسق ، ولو كان محكوما بكفره احتمل تساويهما ، فالقرعة ، وأولويّة المسلم ، وكذا الاحتمال لو كان كلّ منهما يقرّ في يده لو انفرد إلّا أنّ أحدهما انفع للّقيط من الآخر ، كالموسر والمعسر.

والرّجل والمرأة سواء ، ولا تترجّح المرأة كما رجّحت في ولدها.

ولو رأياه معا فسبق أحدهما إلى أخذه ، فهو أولى ، وكذا لو رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق الآخر إلى أخذه ، فهو أولى من السابق في الرؤية.

ولو قال أحدهما للآخر : ناولنيه ، فناوله إيّاه ، فإن نوى أخذه لنفسه فهو أولى ، وإن نوى النيابة ، احتمل الوجهان في نيابة تملّك المباح.

ولو اختلفا في سبق التقاطه ، حكم لمن هو في يده مع اليمين ، ولو كان في يدهما أقرع بينهما فيحلف من خرجت له ، ويحتمل عدم اليمين ، وكذا لو لم يكن في يدهما ، مع احتمال أن يسلّم الحاكم هناك إلى من شاء من الأمناء.

ولو وصف أحدهما شيئا مستورا فيه ، كشامة في جسده لم يكن أولى ، كما لو وصف مدّعي المتاع ، ويحتمل تقديمه كما لو وصف اللقطة.

ولو اختصّ أحدهما بالبيّنة ، حكم له ، ولو أقاما بيّنة قدّم سابق التاريخ ، ولو تعارضتا ، أقرع ، ولو كانت يد أحدهما عليه وأقاما بيّنة ، حكم للخارج.

٤٥٠

٦٠٤٩. الثامن : اللقيط حرّ ويحكم بإسلامه إن التقط في دار الإسلام ، أو في دار الكفر إذا كان فيها مسلم ، ولو كان واحدا ، ولو لم يكن في دار الكفر مسلم أصلا ، حكم بكفره فيسترقّ ، وكذا لو وجد في دار الإسلام بعد استيلاء الكفّار عليها ، ولم يبق فيها مسلم واحد ، ولو وجد في قرية ليس فيها مسلم ، احتمل الحكم بكفره.

وإنّما يحكم بإسلامه ظاهرا في الموضع الّذي حكمنا فيه بالإسلام ، فلو ادّعى كافر بنوّته وأقام بيّنة ، حكم بكفره.

وإذا بلغ اللّقيط وأسلم ، فهو مسلم ، سواء كان ممّن حكم بإسلامه أو بكفره ، وإن اعتقد الكفر وهو ممّن حكم بإسلامه فهو مرتدّ يستتاب ، فإن تاب وإلّا قتل إلّا أن يوجد في دار الحرب ، وفيها مسلم ، واحتمال إلحاقه بالكافر الاصلي متّجه. ولو كان صبيّا مميّزا ووصف الإسلام ، حيل بينه وبين الكافر.

والصبيّ غير المميّز المجنون لا يتصوّر إسلامهما إلّا تبعا ، وللتبعيّة ثلاث جهات : إسلام الأبوين ، فكلّ من ولد عن مسلم أو مسلمة فهو مسلم وإن طرأ إسلام أحدهما ، حكم بإسلامه في الحال.

وكذا لو أسلم أحد الأجداد أو الجدّات ، إذا لم يكن الأقرب حيّا. ولو كان حيّا ففي التبعيّة نظر.

وإسلام السابي (١) إذا كان منفردا عن الأبوين عند الشيخ ، (٢) ولو استرقّه

__________________

(١) هذه هي الجهة الثانية للتبعيّة.

(٢) المبسوط : ٣ / ٣٤٢.

٤٥١

المسلم ومعه أبواه لم يحكم بإسلامه ، ولو باعه الكافر من مسلم ، لم يحكم بإسلامه ، لأنّ الأثر إنّما هو في ابتداء الملك.

وتبعيّة الدار ، (١) فمن وجد في دار الإسلام حكم بإسلامه.

واللّقيط لا ولاء عليه لأحد من المسلمين ، بل هو سائبة يتولّى من شاء ، فإن مات ولا وارث له ، فميراثه للإمام.

٦٠٥٠. التاسع : اللّقيط إن لم يتوال أحدا فعاقلته الإمام ، فإذا جنى خطأ فديته على الإمام ، وكذا لو كانت عمدا وهو صغير ، ولو كان كبيرا وجب عليه القصاص ، ولو جنى شبيه العمد ، فالدية في ماله.

ولو قتل خطأ فالدّية للإمام ، ولو قتل عمدا تخيّر الإمام بين القصاص وأخذ الدية مع بذل الجاني لها.

ولو جني عليه في الطرف عمدا ، فإن كان بالغا اقتصّ أو عفا على مال أو مطلقا ، وإن كان صغيرا ، قال الشيخ : لا يقتصّ الإمام ولا يأخذ الدية ، لعدم معرفة مراده وقت بلوغه كالطفل ، ولا يقتصّ له أبوه ولا الحاكم. (٢) والوجه عندي جواز استيفاء الإمام ما هو أصلح له من القصاص أو الدّية مع بذل الجاني ، وكذا وليّ الطفل.

وإن كانت الجناية خطأ وهو صغير ، أخذ الإمام الدّية له ، ولا يتولّى ذلك الملتقط إذ ولايته مختصّة بالحضانة ، وعلى قول الشيخ رحمه‌الله : ينبغي حبس الجاني إلى وقت بلوغه.

__________________

(١) هذه هي الجهة الثالثة للتبعية.

(٢) المبسوط : ٣ / ٣٤٦.

٤٥٢

ولو بلغ فاسد العقل تولّى الإمام استيفاء حقّه إجماعا.

٦٠٥١. العاشر : اللّقيط يملك كغيره ويده قاضية (١) بالملك ، فكلّما وقف عليه ، (٢) ، أو أوصي له ، وقبله الحاكم ، أو وهب له ، فهو ملكه ، وكذا ما كان متّصلا به ، أو كان متعلّقا بمنفعته فيده عليه ، كثوبه الملبوس ، وما هو مشدود فيه ، أو في بدنه ، أو مجعول فيه ، كالسرير والسفط (٣) والبسط ، وما فيه من فرش ، أو دراهم ، والثياب الّتي تحته وعليه ، والدابّة المشدودة في ثيابه ، أو المشدود عليها ، أو الخيمة ، أو الدار الموجودة فيهما ، وما وجد فيهما.

أمّا ما يوجد بعيدا منه في غير داره أو خيمته ، أو كان مدفونا تحته ، ـ وإن كان معه رقعة مكتوبة بأنّه له على إشكال ـ فلا يد له عليه ، وفي القريب منه ، مثل ما يوجد بين يديه أو إلى جانبه نظر ، وكلّما حكم بأنّه ليس له ، فهو كاللقطة.

٦٠٥٢. الحادي عشر : إذا بلغ رشيدا فأقرّ على نفسه بالرّقّ ، حكم عليه به إذا لم يعرف حرّيته ، ولا كان مدّعيا لها ، ولو لم يقرّ بذلك حكم له بالحريّة.

فلو قذفه قاذف بعد بلوغه حدّ ثمانين ، فلو ادّعى القاذف أنّه رقّ وادّعى المقذوف الحرّية ، فللشيخ قولان (٤) : أحدهما الحد للحكم بحريّته ظاهرا ، وهو الأقرب ، ولهذا وجب القصاص له من الحرّ والتعزير لحصول الشبهة.

ولو قطع حرّ طرفه وتنازعا ، وجب القصاص.

__________________

(١) في «أ» : «ماضية» بدل «قاضية».

(٢) في «أ» : أوقف عليه.

(٣) قال الطريحي في مجمع البحرين : السّفط محرّكة واحد الأسفاط الّتي يعبّى فيه الطيب ونحوه ، ويستعار للتابوت الصغير.

(٤) المبسوط : ٣ / ٣٤٧.

٤٥٣

ولو قذف اللقيط حرّا ، وادّعى الرقية فمن أوجب من علمائنا كمال الحدّ على العبد ، فلا بحث ، ومن أوجب نصفه ، فالوجه سقوط نصف الحدّ.

٦٠٥٣. الثاني عشر : إذا ادّعى واحد بنوّته وهو صغير ، ألحق به ، فإن كان حرّا مسلما دفع إليه وألزم بالنفقة عليه ، وإن كان عبدا لحق به ولا حضانة له ، ولا نفقة عليه ولا على مولاه ، ولا يحكم برقّه ، وإن كان ذميّا لحق به ولا حضانة له ، وعليه نفقته ولا يحكم بكفره ، نعم لو أقام الكافر بيّنة ، فالأقرب الحكم بكفره.

وكلّ موضع حكمنا بثبوت نسبه للرجل ، فلا يثبت في طرف زوجته وإن عزاه إليها إلّا أن تصدّقه المرأة.

ولو كان المدّعي امرأة ، لم يثبت نسبه منها إلّا أن يبلغ ويصدّقها ، أو تقيم البيّنة.

ولو ادّعى بنوّته مسلم وكافر ، أو حرّ وعبد ، ولا بيّنة ، قال الشيخ : يحكم به للمسلم وللحرّ. (١) وفيه نظر.

ولو تساويا وأقام أحدهما بيّنة ، حكم له ، وإن أقاما بيّنة أقرع بينهما.

وكذا لو عريت دعواهما عن بيّنة.

ولو كان الملتقط أحدهما ، لم يحكم له به بمجرّد اليد ، إذ الترجيح لليد إنّما هو في المال ، ولو كان المدّعي واحدا ، فألحق به ، ثمّ جاء آخر فادّعاه ، لم يزل نسبه عن الأوّل.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٣٥٠.

٤٥٤

وقيل : لو ادّعت الأمّ بنوّته ، ثبت نسبه بها ، فلا يلحق بزوجها. (١)

ولو ادّعتاه امرأتان حكم لذي البيّنة ، فإن سقطتا أو تعارضتا ، احتمل القرعة.

ولو ادّعاه رجل وامرأة ، فلا تعارض ، وألحق بهما ، لاحتمال حصوله منهما عن نكاح بينهما.

ولو قال الرجل : هذا ابني من زوجتي ، وصدّقته الزوجة ، وقالت امرأة أخرى : إنّه ابني فهو ابن الرجل. ولا تترجّح (٢) دعوى الزوجة.

٦٠٥٤. الثالث عشر : لو ادّعى رقّ اللقيط مدّع ، افتقر إلى البيّنة ، فإن فقدت ، سقطت دعواه ، والبيّنة إن شهدت بالملك أو باليد ، لم يثبت إلّا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين ، وإن شهدت بالولادة ، سمعت فيه شهادة أربع نساء ، فإن شهدت باليد ، فإن كان للملتقط ، لم تسمع ، لعلمنا بسبب يده. وتسمع إن كانت لغيره.

وإن ادّعى الرقية مدّع بعد بلوغه ، كلّف البيّنة ، فإن أقامها ، بطلت تصرّفات اللقيط ، وإن فقدت وصدّقه اللقيط ، حكم عليه بالرقية إذا لم يكن ادّعى الحرّية أوّلا ، ولا تبطل تصرّفاته السابقة على الإقرار.

ولو أقرّ اللقيط بالرقيّة لرجل فكذّبه ، انتفت الرقيّة عنه ، فإن عاد أقرّ بها لآخر ، فالوجه الحكم عليه بذلك إذا لم يكذّبه الثاني.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٣٥٠.

(٢) في «ب» : ولا يرجّح.

٤٥٥

ولو أقرّ بالرقيّة بعد النكاح ، فإن كان ذكرا قبل الدخول فسد (١) النكاح في حقّه ، وعليه نصف المهر ، وإن كان بعد الدخول ، فسد وعليه المهر كملا ، وولده حرّ كأمّه ، وهل يتبع بالمهر أو يتعلّق برقبته؟ (٢) فيه نظر.

ولو كان في يده مال استوفي المهر منه ، لأنّه لم يثبت إقراره به لسيّده بالنّسبة إليها.

ولو كان اللّقيط أنثى ، فالنكاح صحيح في حقّه ، فإن كان قبل الدخول ، فلا مهر وإن دخل ، فللسيّد أقلّ الأمرين من المسمّى والعشر أو نصفه.

وإن طلّقها بعد الدخول اعتدّت عدّة الحرّة ، لأنّ العدّة حقّ الزوج في الطلاق ، ولهذا لا تجب إلّا بالدخول ، وإن مات اعتدّت عدّة الأمة ، لأنّ المغلّب فيها ، حقّ الله تعالى ، ولهذا وجبت قبل الدخول ، والأولاد أحرار ولا يجب قيمتهم. (٣)

وإن جنى ما يوجب القصاص ، فعليه القود حرّا كان المجنيّ عليه أو عبدا ، لأنّ اعترافه بالرقّ ، يوجب القود ، وإن كانت خطأ ، تعلّقت برقبته ، فإن كان الأرش أكثر من القيمة والجناية سابقة على الإقرار ، استوفي ممّا في يده إن كان ذا مال ، وإن جني عليه وكان الجاني حرّا ، سقط القصاص ، وإن اوجبت مالا يقلّ بالرقّ ، وجب أقلّ الأمرين.

__________________

(١) في «أ» : فسخ.

(٢) في «ب» : «برقيته» والصّحيح ما في المتن. قال الشيخ في المبسوط : ٣ / ٣٥٤ : ويلزمه المهر ، ومن أين؟ قيل فيه قولان : أحدهما في ذمّته يتبع به إذا أعتق ، والثاني يكون في رقبته يباع فيه كالجناية.

(٣) في «ب» : قسمتهم.

٤٥٦

٦٠٥٥. الرابع عشر : لو اختلف اللقيط والملتقط في أصل الإنفاق ، فالقول قول الملتقط ، لأنّه أمينه ، وكذا لو اختلفا في قدره ولم تزد دعوى الملتقط على المعروف ، ولو زادت فالقول قول اللقيط في نفي الزائد.

ولو كان للّقيط مال وأنكر الإنفاق منه ، فالقول قول الملتقط ، لأنّه أمين ، والوجه أنّ الملتقط لا يستقل بحفظ مال اللقيط إلّا بإذن الحاكم مع القدرة.

الفصل الثاني : في الملتقط من الحيوان

وفيه ثلاثة عشر بحثا :

٦٠٥٦. الأوّل : الملقوط من الحيوان ، يسمّى ضالّة ، وأخذه في صور الجواز مكروه ، إلّا مع تحقّق التلف فيصير طلقا.

ولا يجب الإشهاد به عند أخذه ، نعم يستحبّ لجواز تطرّق الموت على الملتقط.

٦٠٥٧. الثاني : البعير إذا وجده في كلأ وماء ، لم يجز أخذه ، وكذا لو وجد في غيرهما إذا كان صحيحا ، فإن أخذه ضمنه ويبرأ بالتسليم إلى مالكه إن وجده ، ولو لم يجد سلّم إلى الحاكم ، ليرسله في الحمى إن كان ، وإلّا باعه الحاكم وحفظ ثمنه لمالكه.

ولا يبرأ الملتقط لو أرسله في موضع التقاطه أو في غيره.

٤٥٧

ولو وجده في غير كلأ ولا ماء ، وتركه صاحبه من جهد ، جاز أخذه ويملكه الآخذ ولا ضمان ، لأنّه كالتالف ، وليس لصاحبه المطالبة به.

٦٠٥٨. الثالث : الأقرب أنّ حكم الدابّة والبقرة ، حكم البعير ، فإن وجدها (١) في كلأ وماء ، أو كانت صحيحة لم يجز له أخذها ، لأنّها تمتنع من صغار السباع ، وإن وجدها في غير كلأ ولا ماء ، وتركها صاحبها من جهد ، جاز أخذها وتملّكها ولا ضمان.

وفي الحمير إشكال من حيث عدم صبرها عن الماء وعدم امتناعها من الذئب ، فأشبهت الشاة وفارقت البعير ، فالوجه جواز أخذها.

٦٠٥٩. الرابع : الشاة إن وجدت في الفلاة ، جاز أخذها ، لأنّها لا تمتنع من صغار السباع ، فهي معرّضة للتلف ، ويتخيّر الواجد بين التملّك والضمان ، وبين احتفاظها أمانة في يده لصاحبها ولا ضمان ، وبين الدفع إلى الحاكم ليحفظها أو يبيعها على مالكها ، ويوصل ثمنها إلى صاحبها ولا ضمان.

٦٠٦٠. الخامس : حكم صغار الإبل والبقر والدابّة والحمير ، حكم الشاة لوجود المعنى المسوّغ لأخذ الشاة فيها ، أمّا ما يمتنع من صغار السباع لطيرانه ، كالطيور ، أو لسرعته كالظباء والصيود إذا ملكت ثمّ ضلّت ، أو لنابه كالكلاب والفهود ، فلا يجوز أخذها لمشاركتها ما يمتنع لكبر جثّته كالإبل في الامتناع.

ولو كانت الصيود مستوحشة ، إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها صاحبها ، فالوجه جواز التقاطها.

__________________

(١) في «أ» : «فإن وجدهما» وما في المتن يناسب لما يأتي من الضمائر.

٤٥٨

٦٠٦١. السادس : للإمام أو نائبه أخذ الضّالّة على وجه الحفظ لصاحبها ، ولا يلزمه التعريف ، بل يعرّف الملتقط ، ولو كان الملتقط هو الإمام أو نائبه ، فالوجه لزوم التعريف لهما مع احتمال العدم ، لأنّ الضوالّ تطلب عندهم ، أمّا لو أخذها غير الإمام أو غير نائبه ليحفظها لصاحبها ، فإنّه يضمنها ، لانتفاء الولاية له عن صاحبها.

أمّا لو وجدها في موضع يخاف عليها منه ، مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب على ظنّه افتراس الأسد لها إن تركها على حالها ، أو قريبا من دار الحرب يخاف عليها منهم ، أو في بريّة لا ماء لها ولا مرعى ، فالوجه جواز أخذها للحفظ ولا ضمان ، فإذا حصلت في يده دفعها إلى الإمام أو نائبه ولا يملكها بالتعريف ، لعدم ورود الشرع بذلك فيها.

وكلّ ما يحصل من الضوالّ عند الإمام ، فإنّه يشهد عليها ويسمها بأنّها ضالّة ، فإن كان له حمى تركها فيه ، وإن رأى المصلحة في بيعها ، باعها وحفظ ثمنها بعد أن يحلّيها (١) ويحفظ صفاتها.

٦٠٦٢. السابع : إذا وجد الضوالّ في العمران لم يجز أخذها ، سواء كانت ممتنعة أو لا ، ولو أخذها تخيّر بين إمساكها لصاحبها أمانة ، وعليه نفقتها من غير رجوع بها على المالك ، وبين دفعها إلى الحاكم ، فإن لم يجد الحاكم أنفق ورجع بالنفقة.

ولو كان شاة حبسها ثلاثة أيّام ، فإن جاء صاحبها دفعها إليه ، وإن لم يأت

__________________

(١) في «أ» : «يجلّاها» وهو مصحّف ، والصّحيح ما في المتن ، قال الطريحي في مجمع البحرين : حلّاه تحلية : وصفه ونعته.

٤٥٩

باعها وتصدّق بثمنها ، والوجه عندي جواز إبقائها في يده ، والإنفاق عليها من غير رجوع ، وعلى تقدير البيع فالوجه جواز احتفاظ الثمن لصاحبها ، ومع الصدقة فالوجه الضمان.

٦٠٦٣. الثامن : يجوز التقاط الكلب المنتفع به ، ويلزمه التعريف سنة ، فإن لم يجد صاحبه ، انتفع به إن شاء مع الضمان ، وإن شاء احتفظه أمانة من غير ضمان.

٦٠٦٤. التاسع : يجوز لكلّ أحد أخذ الضالّة في موضع الجواز من بالغ وغيره ، وعاقل وغيره ، وحرّ وغيره ، مسلم وكافر ، وينتزع وليّ الطفل والمجنون منهما ما يجدانه ويتولّى التعريف منهما سنة ، فإن لم يأت المالك فعل المصلحة من الإبقاء أمانة أو التمليك لهما.

٦٠٦٥. العاشر : إذا وجد الشاة في فلاة ، جاز له أكلها في الحال بإجماع العلماء ، لقوله عليه‌السلام : خذها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب (١) ويلزمه حينئذ الضمان ، وجاز إمساكها على صاحبها ، وينفق عليها من ماله ، أو يبيعها ويحتفظ ثمنها لصاحبها ، وله أن يتولّى البيع بنفسه من غير إذن الحاكم ، لأنّه أولى من أكلها ، والوجه وجوب التعريف كغيرها.

٦٠٦٦. الحادي عشر : إذا وجد آخذ الضالّة سلطانا ، رفع أمره إليه لينفق عليها أو يبيعها ، وإن لم يجده أنفق من نفسه ، وهل يرجع به؟ قيل : لا (٢) لأنّ الحفظ

__________________

(١) الوسائل : ١٧ / ٣٦٥ ، الباب ١٣ من أبواب اللقطة ، الحديث ٥ و ٧ باختلاف قليل.

(٢) القائل هو الحلّي في السرائر : ٢ / ١١٠.

٤٦٠