تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-003-7
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

في الإعتاق ، وقيل : يظهر مع الإعتاق أنّه ملك بالسؤال ، والأقرب أنّه يملكه بعد الإعتاق ثمّ ينعتق عنه ، كما لو اشترى أباه ، فإنّه يملكه بالشراء ثمّ ينعتق في ثاني الحال (١).

وكذا لو أباحه في أكل طعام قيل : يملكه المتناول بأخذه ، فيجوز له أن يلقم غيره ، وقيل : يملكه بوضعه في فيه ، وقيل : يملكه بالابتلاع ، وقوّى الشيخ الأوّل (٢) والوجه أنّه أذن في الإتلاف لا تمليك.

٥٩٧٧. الثاني عشر : لو اشتراه بشرط العتق ، فأعتقه عن الكفّارة صحّ وأجزأ عنه ، لعدم تحقّق أخذ العوض هنا ، قال الشيخ : لا يجزئ لأنّا إمّا أن نجبره على العتق ، فلا إجزاء ، لوجوبه عن غير الكفّارة ، وإمّا أن يجعل للبائع الخيار ، فيكون عتقه مستحقّا بسبب متقدّم (٣).

ولو اشترى عبدا ينوي إعتاقه عن كفّارته ، فوجد به عيبا لا يمنع من الإجزاء في الكفّارة ، فأخذ أرشه وأعتقه عن الكفّارة ، أجزأه وكان الأرش له.

ولو أعتقه قبل العلم بالعيب ثمّ ظهر عليه ، فله أخذ الأرش أيضا ، ولا يصرف الأرش في الرقاب.

النظر الثاني : الصوم

ويجب مع العجز عن العتق في الظهار وقتل الخطاء صوم شهرين متتابعين على الحرّ ، وعلى العبد صوم شهر واحد.

ومعنى التتابع : أن يوالي بين صوم أيّامهما ، فلا يفطر فيهما ، ولا يصوم

__________________

(١) لاحظ في تفصيل الأقوال المسالك : ١٠ / ٥٨ ـ ٦٠.

(٢) المبسوط : ٥ / ١٦٥.

(٣) المبسوط : ٦ / ٢١٣.

٣٨١

عن غير الكفّارة ، فإن أفطر في الشهر الأوّل لعذر بنى عند زوال العذر ، سواء كان العذر حيضا ، أو مرضا ، أو سفرا مضطرّا إليه ، أو إغماء ، أو جنونا.

وخوف الحامل والمرضع على أنفسهما عذر وكذا خوفهما على الولد ، خلافا للشيخ في أحد قوليه (١).

ولو أكره بأن وجر الماء في حلقه ، كان عذرا ، ولو ضرب حتّى أكل فكذلك ، خلافا للشيخ في بعض أقواله (٢).

وهل تجب المبادرة إلى الإتمام بعد زوال العذر؟ فيه نظر.

وإن كان لغير عذر استأنف ، فلو تمكّن من العتق قبل الشروع في الاستئناف تعيّن العتق ، وكذا لو أفطر بعد الأوّل ولم يصم من الثاني شيئا.

ولو صام الأوّل ومن الثاني ولو يوما واحدا ، ثمّ أفطر جاز البناء ، سواء

__________________

(١) قال الشيخ في المبسوط : ٥ / ١٧٢ : أمّا الحامل والمرضع إذا أفطرتا ، فإن أفطرتا خوفا على أنفسهما فحكمهما حكم المريض بلا خلاف ، وإن أفطرتا خوفا على الولد ، منهم من قال : هو مثل المريض ، ومنهم من قال : يقطع التتابع على كلّ حال ، وهو الّذي يقوى في نفسي.

وقال في الخلاف : ٤ / ٥٥٥ ، المسألة ٥٠ من كتاب الظهار : الحامل والمرضع إذا أفطرتا في الشهر الأوّل ، فحكمهما حكم المريض بلا خلاف ، وإن أفطرتا خوفا على ولديهما ، لم يقطع التتابع عندنا ، وجاز البناء.

(٢) قال في المبسوط : ٥ / ١٧٢ : وأمّا العذر من قبل غيره ، فهو أن يكرهه الغير على الفطر ، فإنّه ينظر فيه ، فإن صبّ الماء في حلقه وأوجر الطعام بغير اختياره ، لم يفطر بلا خلاف ، وإن ضرب حتّى أكل أو شرب ، قال قوم : يفطر ، وقال آخرون : لا يفطر ، والأوّل أقوى.

وقال في الخلاف : ٤ / ٥٥٥ ، المسألة ٥١ من كتاب الظهار : إذا أدخل الطعام أو الشراب في حلقه بالإكراه لم يفطر بلا خلاف ، وإن ضرب حتّى أكل أو شرب فعندنا لا يفطر ، ولا يقطع التتابع.

٣٨٢

كان لعذر أولا إجماعا منّا ، وهل يأثم لو كان إفطاره لغير عذر؟ قولان.

ولو عرض في الشهر الأوّل ما لا يصحّ صومه عن الكفّارة ، كرمضان أو عيد الأضحى ، أو أيّام التشريق بمنى ، بطل التتابع ، ووجب الاستئناف بعد انقضاء هذه الأيّام ، هذا مع العمد.

أمّا المحبوس بحيث لا يعلم الشهور ، لو توخّى شهرين فعرض في أثناء الأوّل مثل هذه الأيّام ، فالأقرب عدم انقطاع التتابع.

ولو نوى في الشهر الأوّل الصوم عن غير الكفّارة ، وقع عمّا نواه ، ولم يحصل بالتتابع.

ولو صام شعبان ورمضان عن الكفّارة لم يجزئه شعبان إلّا أن يسبق منه ولو يوما في رجب ليزيد على الشهر ، ولا رمضان عن الكفّارة ويجزئه عن رمضان ، ولا يجب عليه أن ينوي التتابع ، بل الواجب فعله.

وإذا صام من أوّل الشهر اعتبر بالهلالين ، تامّين كانا أو ناقصين ، ولو ابتدأ بالصوم بعد مضيّ بعض الشهر ، سقط اعتبار الهلال فيه ، وصام تمام الشهر ، فإذا أهلّ الثاني وصامه أجمع ، احتسب له عن شهر وإن كان ناقصا ، ثمّ يصوم ما فات من أيّام الأوّل ، ويكمله ثلاثين وإن كان ناقصا وقيل : يتمّ ما فات من الأوّل.

ولا بدّ فيه من نيّة الكفّارة منضمّة إلى نيّة الصوم ، ولا يجب تعيين جهة الكفّارة.

ولا ينقطع التتابع بوطء المظاهر ليلا ، لكن يعصي.

ولو وطئ بعد عتق النصف من المشترك لم يجزئه لو أعتق الباقي.

٣٨٣

والأقرب أنّ نسيان النيّة لا يقطع التتابع.

وبصوم (١) خمسة عشر يوما ، للعبد يحصل تتابع الشهر ، وكذا لو كان الشهر على حرّ ؛ قاله الشيخ. (٢) قال : ولو كان التتابع في ثلاثة فصام يومين بنى. (٣)

النظر الثالث : الإطعام

إذا عجز من وجب عليه المرتّبة عن الصيام ، وجب عليه الإطعام ، ففي الظهار ، وقتل الخطأ ، والعمد إطعام ستّين مسكينا ، كلّ مسكين مدّ من طعام على أقوى القولين (٤) وكذا يجب إطعام الستّين في كفّارة إفطار رمضان أو النذر المعيّن.

ويجب في كفّارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ.

ويجوز إخراج الخبز والدقيق والسويق والحبّ لا السنبل ، من كلّ ما يسمّى طعاما في جميع الكفّارات ، إلّا كفّارة اليمين ، فإنّ الواجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم أهله ، ولو أطعم ممّا يغلب على قوت البلد جاز.

ويستحبّ ضمّ الإدام إليه ، وليس واجبا ، وأعلاه اللحم ، وأوسطه الخلّ ، وأدونه الملح.

ويجب صرف الكفّارة إلى العدد أجمع مع المكنة ، فلو دفعها ستّين يوما

__________________

(١) في «ب» : يصوم.

(٢) المبسوط : ٦ / ٢١٤.

(٣) المبسوط : ٦ / ٢١٤.

(٤) والقول الآخر مدّان لكلّ مسكين ذهب إليه الشيخ في كتبه الثلاثة الفروعيّة : النهاية : ٥٦٩ ؛ المبسوط : ٥ / ١٧٧ ؛ الخلاف : ٤ / ٥٦٠ ، المسألة ٦٢ من كتاب الظهار.

٣٨٤

إلى مسكين واحد لم يجز ، ولا يجوز التكرار على ما دون العدد مع التمكّن من الكفّارة الواحدة ، فإن لم يحصل العدد جاز أن يكرّر عليهم حتّى يستوفي الواجب.

ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد ، بل يطعم إطعام عشرة مساكين في عشرة أيّام ، وإطعام ستّين في ستّين يوما.

ولو وجد بعض العدد لم يجز له الاقتصار على أقلّ منه ، فلو وجد خمسة أطعمهم يومين ، ولو وجد أربعة فكذلك ، وخصص بالمدّين في الثالث أي اثنين شاء ، والوجه أنّه ليس له دفعها إلى الأربعة ، كما ليس له إطعام ما زاد على العدد من المقدار العدد (١) ولا يجب الجمع بل يجوز إعطاء العدد مجتمعين ومتفرّقين.

والمدّ رطلان وربع بالعراقي ، فإن دفع مدّ الحبّ أجزأ ، والوجه الإجزاء لو طحنه وخبزه وإن نقص وزنه ، وفي إجزاء المدّ من الدقيق كيلا نظر ينشأ من انتشار أجزائه في المكيل بخلاف الحبّ.

ويجوز إطعامهم والتسليم إليهم ، وأن يكون بعضهم صغارا ، ولا يجوز أن يكونوا أجمع كذلك ، ولو كانوا كذلك احتسب الاثنان بواحد.

ولا يجوز صرفها إلى غير المؤمنين وأولادهم ، قال الشيخ : فإن لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ولا من أولادهم ، أطعم المستضعفين ممّن خالفهم (٢)

__________________

(١) في «ب» : من امداد العدد.

(٢) النهاية : ٥٧٠ ـ باب الكفّارات ـ.

٣٨٥

ومنع ابن ادريس ذلك (١) وقد وقع الاتفاق على منع الكافر والناصب.

والأقرب جواز إطعام المؤمن الفاسق ، ولو دفعها إلى من يظنّه فقيرا ، فبان غنيّا ، فإن أمكن الارتجاع وجب وإلّا أجزأه ، وكذا لو بان كافرا أو عبدا ، ولا فرق بين أن يكون الدافع الإمام أو غيره.

ويجوز أن يطعم واحدا في يوم واحد من كفّارتين.

ولا يجوز للمظاهر المسيس قبل التكفير ، سواء في ذلك العتق والصّيام والإطعام ، ولو وطئ في حال الإطعام لم يلزمه الاستئناف ، ولا يعدل في المرتّبة إلى الإطعام إلّا بعد العجز عن الصوم.

والشبق (٢) عذر إذا حصل منه المشقّة بالترك.

النظر الرابع : في الكسوة

ولا تجب في غير كفّارة اليمين ، ويتخيّر الحانث بينها وبين العتق والإطعام ، وتجب كسوة العدد ، وهو عشرة نفر لكلّ واحد ما يسمّى ثوبا إزارا أو سراويل أو قميصا ، ولو تعذّر العدد كرّر عليهم كالإطعام ، والأقرب أنّه يكفي ما يواري الرضيع إن أخذ الوليّ له ، وإن أخذ لنفسه ، فالأقرب عدم الإجزاء.

__________________

(١) السرائر : ٣ / ٧٤. قال في المسالك : ١٠ / ٩٩ : «للأصحاب في اشتراط الإيمان في المستحقّ للكفّارة أقوال» ثمّ أنهاها إلى خمسة مع التصريح بأسماء قائليها فلاحظ.

(٢) قال الطريحي في مجمع البحرين : الشّبق ـ بالتحريك ـ شدّة الميل إلى الجماع ، يقال : شبق الرجل شبقا من باب تعب ، فهو شبق : هاجت به شهوة الجماع.

٣٨٦

ولا يشترط المخيط ولا الجديد بل يجزئ المستعمل إلّا إذا تخرّق بالاستعمال ، أو قارب الانمحاق.

ويجزئ الثوب من الصوف والكتّان والإبريسم ، ولا يجزئ الشّمشك (١) ولا القلنسوة ولا الخفّ ولا النعل ولا المنطقة ، وفي الدرع إشكال.

النظر الخامس : في الاستغفار

ومن عجز عن الكفّارة وأبعاضها كان فرضه الاستغفار ، ويسقط عنه مع الإتيان به وان تجدّدت له القدرة.

وكلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز ، صام ثمانية عشر يوما ، فإن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، فإن عجز استغفر الله تعالى ، ولا شي‌ء عليه.

وهل يدخل في ذلك ذو الكفّارات المرتّبة؟ الأقرب ذلك ، لكن لا ينتقل إلى صوم ثمانية عشر يوما إلّا بعد العجز عن الإطعام.

وفي رواية لا شي‌ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة (٢) وهو يؤذن بالوجوب.

__________________

(١) الشّمشك بضمّ الشين الأوّل وكسر الميم أو ضمّها وسكون الشين الثاني ، ذكره الشيخ في النهاية : ٩٨ والخلاف : ٢ / ٢٩٦ المسألة ٧٦ من كتاب الحجّ ، وقال ثاني الشهيدين في المسالك : ١ / ١٦٥ في شرح كلام المحقّق : انّه نعل مخصوص. وفسّره المحقق السيّد البروجردي قدس سرّه بأنّه معرّب «چمشك» أو «چمش» وهما على ما حكاه بعض نوع من الأحذية له رأس مانع عن وصول الأصابع إلى الأرض. لاحظ نهاية التقرير في مباحث الصلاة : ١ / ٣٩٧ ، وقال الطريحي في مجمع البحرين : قيل انّها المشاية البغدادية وليس فيه نصّ من أهل اللغة.

(٢) الوسائل : ١٥ / ٥٨٣ ، الباب ٣١ من أبواب الكفّارات ، الحديث ١.

٣٨٧

وروى عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : كل من عجز عن الكفّارة الّتي تجب عليه من عتق أو صوم أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار ، فإنّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرمت عليه أن يجامعها ، وفرّق بينهما إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها (١).

وعن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن الطيالسي ، عن أحمد بن محمّد عن داود بن فرقد عن الصادق عليه‌السلام في كفّارة الطمث أنّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار ، قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر به؟ قال : فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلّا استغفر الله ولا يعود ، فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكلّ من لم يجد السّبيل إلى شي‌ء من الكفّارة (٢).

وهذا عامّ في المظاهر وغيره.

وروى محمد بن يعقوب عن [علي بن إبراهيم] عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : انّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثمّ ليواقع ، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفّارة ، فإذا وجد السّبيل إلى ما يكفّر به يوما من الأيّام فليكفّر ، وإن تصدّق بكفّه وأطعم نفسه وعياله فإنّه يجزيه إذا كان محتاجا ،

__________________

(١) الوسائل : ١٥ / ٥٥٤ ، الباب ٦ من أبواب الكفّارات ، الحديث ١.

(٢) الوسائل : ٢ / ٥٧٤ ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ١ ، وصدر الحديث نقله في الوسائل : ١٥ / ٥٧٣ ، الباب ٢٢ من أبواب الكفّارات ، الحديث ١ ، وذيله في الباب ٦ من أبواب الكفّارات ، الحديث ٣.

٣٨٨

وإلّا يجد ذلك فليستغفر الله ربّه وينوي أن لا يعود ، فحسبه ذلك (١) ـ والله ـ كفّارة. (٢)

وهذا الحديث وان كان جيّد السّند لكن فيه بحث ذكرناه في كتاب استقصاء الاعتبار (٣).

وفيه دلالة على الاكتفاء في الاستغفار للمظاهر وحلّ الوطء له ، وبعض علمائنا حرّم عليه الوطء (٤) عملا بالحديث الأوّل ، (٥) والأقرب عندي الجواز.

الفصل الثالث : في الأحكام

وفيه أحد عشر بحثا :

٥٩٧٨. الأوّل : من ملك رقبة أو ملك ثمنها وأمكنه الشراء ، فهو واجد للعتق ، لا ينتقل فرضه مع الترتيب ، ولو ملك رقبة يفتقر إلى خدمتها لمرض أو منصبه الّذي لا يليق به مباشرة الأعمال ، فله الصّوم ، وكذا لو وجد الثمن ولم يتمكّن من الشراء ، أو اضطرّ إليه (٦) لنفقته وكسوته.

__________________

(١) في النسختين : بذلك.

(٢) الوسائل : ١٥ / ٥٥٥ ، الباب ٦ من أبواب الكفّارات ، الحديث ٤.

(٣) هذا الكتاب من تاليفاته الثمينة القيّمة ، قال المصنف في الخلاصة : «إنّه كتاب لم يعمل مثله» وقال في الذريعة : ٢ / ٣٠ : ذكر فيه المصنّف كلّ خبر وصل إليه ، وبحث في أحوال سنده صحة وغيرها ودلالة متنه ظهورا وإجمالا مع بيان ما فيه من المباحث الأدبيّة والمسائل الأصولية وما يستنبط منه من الأحكام الشرعية.

وقال المصنّف في المختلف : ١ / ٦٥ في مسألة سؤر ما لا يؤكل لحمه بعد كلام أنيق مشبع طويل «هذا خلاصة ما أوردناه في كتاب استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار».

(٤) وهو خيرة الشيخ في النهاية : ٥٢٥ ، والمبسوط : ٥ / ١٥٥ ، والمفيد في المقنعة : ٥٢٤.

(٥) وهو رواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام. تقدّم آنفا.

(٦) في «أ» : «لو اضطرّ».

٣٨٩

ولا يباع دار سكناه ولا ثياب الجسد ، ولو كان في المسكن زيادة عن قدر الحاجة بيع الزائد ، ولو كان العبد نفيسا ، أو الدار كذلك ، وأمكن الاستبدال بالأدون فيهما ، فالوجه عدم الوجوب.

أمّا لو كان له رأس مال (١) أو ضيعة إذا بيعا التحق بالمساكين الّذين يأخذون الصدقة ، فالوجه وجوب بيعهما ، وقيل : حدّ العجز عن الإطعام أن لا يكون معه ما يفضل عن قوته وعن قوت عياله ليوم وليلة. (٢)

٥٩٧٩. الثاني : لو كان له مال غائب لم يجز له العدول إلى الصوم في المرتّبة ، بل يجب الصبر حتّى يصل أو يتحقّق اليأس من وصوله ، فيجوز له الانتقال.

ولو كان الصبر يتضمّن مشقّة كما في الظهار ، ففي وجوب التأخير إشكال.

٥٩٨٠. الثالث : الاعتبار في المرتّبة بحال الأداء لا حال الوجوب ، فلو وجد العتق حال الوجوب ثمّ أعسر قبل الإخراج انتقل إلى الصوم ، ولم يستقر العتق في ذمّته ، ولا يعدّ عاصيا ، لعدم الفوريّة.

ولو كان عاجزا عن العتق فشرع في الصوم ، لم يجب العدول عنه إلى العتق.

ولو صام يوما واحدا ، لكن يستحبّ العدول ، وكذا البحث لو عجز عن الصوم فشرع في الإطعام ثمّ أمكن الصوم.

٥٩٨١. الرابع : لو ملك الكفّارة وعليه دين مثلها وهو مطالب به ، فهو عاجز ، ولو لم يكن مطالبا به ، فالوجه أنّه كذلك ، وكذا لو ملك دابّة يضطرّ إلى ركوبها.

ولو تكلّف المعسر العتق أجزأه.

__________________

(١) في «أ» : رأس المال.

(٢) هو خيرة الخرقي في متن المغني وابن قدامة. لاحظ المغني لابن قدامة : ١١ / ٢٧٧.

٣٩٠

٥٩٨٢. الخامس : لا تدفع الكفّارة إلى الطفل بل إلى وليّه ، ولا تدفع إلى من تجب نفقته على الدافع ، كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا ، أو الزوجة والمملوكة ، ولو قيل : يجوز دفعها إليهم إذا كان الدافع فقيرا كان وجها.

ويجوز دفعها إلى غير هؤلاء من الأقارب ، وللزوجة الدفع إلى زوجها.

وبالجملة كلّ من يمنع الزكاة من الأقارب والأغنياء والكفّار والرّقيق يمنع من الكفّارة ، والأقرب منع بني هاشم منها.

ولو دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيّا أجزأه ، ومنع الشيخ رحمه‌الله من إعطاء المكاتب (١) والأقرب تسويغه كما يجوز صرف الزكاة إليه ، قال : ولو عتق بعضه وهو فقير جاز إعطاؤه (٢) قال : والغازي والغارم وابن السبيل الّذين يأخذون الزكاة مع الغنى يمنعون من الكفّارة (٣).

٥٩٨٣. السادس : لا يجوز إخراج القيمة في الكفّارة وإن دفع أضعافها ، ولا تلفيقها بأن يعتق نصف عبد ويصوم شهرا ، أو يتصدّق على ثلاثين مسكينا أو يطعم خمسة ، ويكسو خمسة ، سواء كانت الكفّارة مخيرة أو مرتّبة ، وسواء في ذلك العتق وغيره.

وكذا لا يجوز إطعام المسكين بعض الطعام وكسوته بعض الكسوة إجماعا.

ولو أطعم بعض المساكين برّا وبعضهم تمرا ، فالوجه عندي الإجزاء ، وكذا لو كسى بعضهم كتانا ، وبعضهم صوفا أو شعرا.

__________________

(١) المبسوط : ٥ / ١٧٨ ، الخلاف : ٤ / ٥٦٠ ، المسألة ٦٠ من كتاب الظهار.

(٢) المبسوط : ٥ / ١٧٨.

(٣) المبسوط : ٦ / ٢٠٨.

٣٩١

ولا يجزئ إخراج المعيب ، فلو كان الحبّ مسوّسا (١) أو متغيّر الطعم أو فيه تراب خارج عن العادة ، أو زوان (٢) لم يجز ، ويجي‌ء على القول بالمنع عن القيمة عدم إجزاء دفع المعيب مع الأرش.

٥٩٨٤. السابع : كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز ، صام ثمانية عشر يوما ، فإن لم يقدر تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، فإن عجز استغفر الله سبحانه ولا شي‌ء عليه.

ولو قدر على صوم شهر ، فالوجه وجوبه ، ولو قدر على صومها متفرّقا ، فالوجه وجوب الشهرين ، وإن عجز ، فالوجه التتابع في الثمانية عشر.

٥٩٨٥. الثامن : يشترط في التكفير النّيّة ، فلو أعتق أو أطعم أو صام أو كسا من غير نيّة لم يكن مجزئا.

ويشترط نيّة القربة ، فلا يصحّ عتق الكافر أصليّا كان أو مرتدّا ، حربيّا أو ذمّيّا ، وكذا إطعامه وصومه.

ويشترط نيّة التكفير ، فلو نوى العتق متقرّبا إلى الله تعالى ولم ينو عن الكفّارة لم يجزئه.

وهل يشترط تعيين الكفارة؟ الأقرب العدم إن لم تتعدّد أو تعدّدت من

__________________

(١) قال الطريحي في مجمع البحرين : السّوسة والسوس : دود يقع في الصوف والطعام ، ومنه قولهم : حنطة مسوّسة.

(٢) قال الفيومي في المصباح المنير : ١ / ٣١٦ : الزوان : حبّ يخالط البرّ فيكسبه الرداءة ، وفيه لغات : ضمّ الزاء مع الهمز وتركه ، فيكون وزان «غراب» وكسر الزاء مع الواو الواحدة «زوانة» وأهل الشام يسمّونه «الشيلم».

٣٩٢

جنس واحد كظهارين ، والاشتراط إن اختلف السّبب كظهار وقتل ، خلافا للشيخ في بعض أقواله (١) فلو كان عليه ظهاران فأعتق عن أحدهما ولم يعيّن ، ثمّ أعتق عن الآخر كذلك أجزأه ، أمّا لو كان عليه ظهار وقتل فأعتق عن أحدهما ولم يعيّن ، ثمّ أعتق عن الآخر من غير تعيين أجزأه عند الشيخ ، وكذلك لو أعتق ونوى الكفّارة مطلقا ، ثمّ عجز فصام شهرين متتابعين بنيّة الكفّارة من غير تعيين ، وكذا لو أعتق عبديه ونوى إعتاق نصف كلّ منهما عن كفّارة صحّ ، لسراية العتق في الجميع عند عتق النصف ، وكذا لو أعتق نصف عبده عن كفّارة معيّنة.

ولو كان عليه كفّارة وجهل سببها من ظهار أو قتل ، فأعتق ونوى التكفير صحّ ، ولو شكّ بين النذر والظهار فأعتق ونوى التكفير لم يجزئه ، ولو نوى إبراء ذمّته أجزأه ، ولو نوى العتق مطلقا لم يجزئه ، لأنّ احتمال إرادة التطوّع أظهر عند الإطلاق ، وكذا لو نوى الوجوب مطلقا ، وقوّى الشيخ هنا الإجزاء (٢).

ولو كان عليه كفّارتان فأعتق عبديه ونوى عتق كل منهما عنهما معا لم يجزئه ، كما لو أعتق في الواحدة نصفي عبدين.

ولو أعتق أحدهما عن إحداهما لا بعينهما ثمّ أعتق الآخر عن معيّنة تعيّن الأوّل في الأخرى ، ولو أعتق الأوّل عن معيّنة وأطلق الثاني ، وقع عن الأخرى ، ولو أطلق الأوّل ثم عيّنه تعيّن ، ولو أراد بعد ذلك جعله عن الأخرى لم يصحّ ، وكذا لو عيّنه وقت العتق ، ثمّ أراد نقله إلى الأخرى.

__________________

(١) قال الشيخ في المبسوط : ٦ / ٢٠٩ : ـ بعد التصريح بعدم لزوم التعيين إن كانت الكفّارات من جنس واحد ـ ما هذا نصّه : «وأمّا إن كانت أجناسا مثل أن حنث وقتل وظاهر عن زوجته ، ووطأ في رمضان ، فالحكم فيها كلها كما لو كان الجنس واحدا ، وأنّه لا يفتقر إلى تعيين النيّة».

(٢) المبسوط : ٥ / ١٦٧.

٣٩٣

ووقت النّية وقت التكفير ، فلا تصحّ قبله ، ولو أعتق ونوى سببا وأخطأ فيه ، لكون السّبب غيره ، لم يجزئه (١).

٥٩٨٦. التاسع : العبد لا يملك شيئا وإن ملكه مولاه على الأقوى ، فهو عاجز ففرضه في الكفّارات مخيّرها ومرتّبها الصوم ، فإن كفّر بغيره من دون إذن المولى لم يجزئه ، ولو أذن له المولى فالأقوى الجواز ، وكذا يجزئه لو أعتق عنه مولاه.

ولا تنعقد يمينه إلّا بإذن مولاه ، فإن حلف من دون إذن لم تلزمه الكفّارة وإن حنث بإذن مولاه ، خلافا للشيخ رحمه‌الله (٢).

ولو أعتق قبل الحنث ، ففي لزوم حكم اليمين إشكال ، وفي انعقاد يمينه فيما لا يبطل حقّ السيّد نظر ، فإن قلنا بالانعقاد وأذن له السيّد في الحنث جاز له الصوم من دون إذنه ، وإن حنث من دون إذنه لم يكن له الصوم إلّا بإذنه.

ولو حلف بإذن السيّد انعقدت يمينه ، فإن حنث بإذنه كفّر بالصوم ولم يكن للمولى منعه ، وإن حنث من غير إذنه قيل : كان له منعه من الصوم وإن لم يكن مضرّا (٣) وفيه نظر.

ولو حلف بإذن مولاه وأعتق وأيسر قبل الشروع في الصوم ، وجب عليه العتق ، ولو حنث قبل الإعتاق ثمّ أعتق قبل الشروع في الصوم ، اعتبر بحال الأداء ، فإن كان موسرا ، وجب العتق ، ويلتحق من المعتق نصفه بالأحرار ، فإن كان موسرا بما فيه من الحرّية وجب عليه العتق أو الإطعام أو الكسوة ، وإلّا كان عليه الصيام.

__________________

(١) في «أ» : لم يجزه.

(٢) المبسوط : ٦ / ٢١٧.

(٣) نقله الشيخ في المبسوط عن بعض العامّة. لاحظ المبسوط : ٦ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

٣٩٤

٥٩٨٧. العاشر : من مات وعليه كفّارة واجبة مرتّبة ، أخرجت أقلّ قيمة رقبة مجزئة من أصل المال.

ولو أوصى بما يزيد عن ذلك ، ولم تجز الورثة ، أخرج الزائد من الثلث بعد إخراج المجزئ من الأصل.

وإن كانت مخيّرة أخرج أقلّ الخصال قيمة من الأصل.

وإن أوصى بالأزيد ولم تجز الورثة ، أخرج الزائد من الثلث ، فإن قامت (١) الخصلة الدنيا وما حصل من الوصيّة ، بالعليا أخرجت ، (٢) وإلّا بطلت الوصيّة بالزائد وأخرجت الدنيا من الأصل.

٥٩٨٨. الحادي عشر : قد بيّنا وجوب نيّة القربة في التكفير ، وإنّما يتحقّق ذلك من إباحة السّبب ، فلا يجزئ لو كان السّبب محرّما ، بأن نكل بعبده مثل أن يقلع عينيه ، أو يقطع رجليه ، وينوي به التكفير ، فإنّه ينعتق ولا يجزئ عن الكفّارة.

__________________

(١) في «أ» : فإن اقامت.

(٢) لخصّ المصنّف عبارة الشيخ في المبسوط وإليك نصّه : «وإن كانت الكفّارة على التخيير مثل كفّارة الأيمان وغيرها نظرت فإن مات من غير وصية فالواجب الإطعام ، لأنّه أقلّ ما يكفّر به عن نفسه حال حياته ، فإن أطعموا أو كسوا جاز.

وأما إن مات عن وصية فلا فصل بين أن يقول : اعتقوا من صلب مالي أو من الثلث أو يطلق ، فإنّها من الثلث ، لأنّ الواجب الإطعام ، فإذا عدل إلى غيره علم أنّه أراد أن يكون من الثلث ، فإن خرجت من الثلث أعتق عنه ، وإن كان الثلث لا يفي أفرد من التركة قدر الطعام وأخرج ثلث ما بقي ، وضمّ الثلث إلى قيمة الإطعام ، ونظرت فإن لم يف برقبة تجزئ عنه سقطت وأطعم عنه ، وإن كان يفي برقبة تجزئ عنه ، قال قوم : تعتق عنه الرقبة ، وقال بعضهم : الوصية تسقط ويطعم عنه ، والأوّل أصحّ عندي» المبسوط : ٦ / ٢١٦.

وعلى هذا فقول المصنّف : «بالعليا» متعلّق بقوله : «قامت» ، والضمير في «أخرجت» يرجع إلى «العليا».

٣٩٥
٣٩٦

كتاب الإقرار

٣٩٧
٣٩٨

وفيه مطالب

[المطلب] الأوّل : في الإقرار بالمال

وفيه مقاصد

[المقصد] الأوّل : في المقرّ

يعتبر فيه البلوغ والعقل والحريّة والاختيار والقصد وجواز التصرّف ، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ وإن أذن وليّه ، وإن كان مميّزا.

ولو أقرّ المراهق فادّعى المقرّ له البلوغ وأنكر ، فالقول قوله ، ولا يمين إلّا أن يختلفا بعد البلوغ ، فيحلف أنّه حين أقرّ لم يكن بالغا.

ومن سوّغ من علمائنا وصيّته وصدقته سوّغ إقراره بها.

ولو ادّعى البلوغ بالاحتلام في وقت إمكانه ، صدّق من غير بيّنة ولا يمين ، وإلّا لزم الدور.

ولو ادّعاه بالسنّ كلّف البيّنة.

٣٩٩

والمجنون مسلوب القول مطلقا.

والمملوك لا ينفذ إقراره في حقّ مولاه ، فلو أقرّ بمال تبع به بعد العتق ، ولا يطالب به ما دام مملوكا ، نعم لو كان مأذونا له (١) في التجارة ، فإن أقرّ بما يتعلّق بها قبل ويؤخذ ما أقرّ به ممّا في يده ، ولو كان أكثر ، لم يضمنه المولى بل يتبع به بعد العتق ، وكذا لو أقرّ بعد الحجر بدين أسنده إلى حالة الإذن.

ولا ينفذ إقرار المولى عليه بالمال ، ولو أقرّ عليه بجناية توجب مالا قبل ، ولو أوجبت قصاصا لم يجب ، نعم يقضى بالمال فيباع أو يفديه أو يستعبده المجنيّ عليه.

ولو أقرّ برقبته لغير مولاه ، لم يقبل. وكذا لو أقرّ به مولاه لرجل وأقرّ هو برقبته لآخر.

ولو أقرّ بجناية توجب أرشا أو قصاصا تبع به بعد العتق أيضا. ولا يقبل إقراره بالحدّ ولا ينفذ إقرار المكره بمال ولا حدّ أكره على الإقرار بهما.

وكذا غير القاصد كالساهي والنائم والسكران ، ولا يمضى إقرار المحجور عليه له لسفه بالمال ، ويقبل بما عداه كالخلع والطلاق والحدّ وموجب القصاص.

ولو أقرّ بالسرقة قبل في الحدّ لا المال ، ولو زال الحجر ، لم يحكم بما أقرّ به حال السفه.

ويقبل إقرار المريض بالمال مع التهمة من الثلث للأجنبي والوارث ، ومن الأصل لهما مع انتفائها على الأقوى.

__________________

(١) في «أ» : مأذونا.

٤٠٠