بتبعيّة الحسن والقبح للوجوه والاعتبار ؛ إذ على القول بالوجوه أيضا يحكم العقل بمقتضى الوجه الذي احرزه للفعل وإن احتمل وجود غيره للفعل ممّا يقتضي ضدّه.
قلت : لا يعقل الفرق فيما ذكرنا بين القطع والظّن المعتبر ؛ إذ مع إعتبار الظّن يقطع بتحقّق التجري بمخالفته ويقطع أيضا بعدم تحقق ما هو الرافع له ؛ إذ قد عرفت : أن الرافع للقبح ليس إلاّ الحسن الذي هو من مقولة الحكم الذي قد عرفت استحالة تعلّق الظّن والشكّ به ؛ نظرا إلى كونه من وجدانيّات العقل ، فمع احتمال وجود ما يحكم العقل بحسنه على تقدير القطع به ، يقطع بعدم وجود الحسن له ، فحكم العقل في الفرض بقبح التجري حكم واقعي ، وليس هذا مختصّا بالمقام ؛ إذ ليس لنا في الاحكام العقلية ما يكون ظاهريا من حيث حكم العقل وان كان حكمه في موارد الاصول العقليّة ظاهريّا من حيث ثبوته لمجهول الحكم الشرعي.
نعم ، قد يحكم العقل على عنوان يوجد في صورة القطع بشيء وفي صورة الشك به ، كما في حكمه بحرمة التشريع بناء على كونه عبارة : عن إدخال ما لم يعلم أنّه من الدين ، في الدّين بقصد أنّه من الدّين سواء علم عدم دخوله في الدّين أو شك فيه. ولكن هذا لا دخل له بالحكم الظاهري الذي جرى عليه الاصطلاح كما لا يخفى. ومنه يظهر حال المثالين ؛ فانّا نمنع من كون حكم العقل بعدم التجويز فيهما ظاهريّا ، بل هو واقعي أيضا.
فظهر ممّا ذكر الفرق بين هذا القول والقول بالوجوه والاعتبار ؛ فانّه بناء على القول بالوجوه ؛ يكون أصل المقتضي للقبح في نظر العقل هو التجري الغير المصادف لما فيه مصلحة مزاحمة لقبحه ، فإذا أحتمل مصادفته للواجب الواقعي لا يحكم بالقبح قطعا ؛ لما قد عرفت مرارا : من أنّ العقل لا يحكم بشيء مع عدم