يكون الداعي وجودها الحقيقي كما عرفت. إلاّ أن يدّعى انّ وضعها لمعانيها مقيدة بكون الداعي لانشائها وجودها الحقيقي ، فاذا كان بغير هذا الداعي يكون استعمالا بغير الموضوع له كما لا يخفى.
وليعلم أيضا : انّ المفاهيم لا بد من تشخصها بمشخصات الوجود الانشائي لا بخصوصيات وجود آخر فانّ تحققها انما هو به فلا بد من تشخصها بمشخصاته وهو يحصل بشخص المنشئ وشخص لفظه وشخص قصده ، ولذا لو أنشأه ذات الشخص ثانيا وثالثا لكان انشاء ووجودا غير الاول ، ولا يكون لغوا بل فائدته التأكيد في مورده ، مضافا الى انه لو كان لغوا وبحسب الفائدة لما خرج عن الانشاء أيضا ، ولا يدخل في الإخبار.
فالحاصل : انّ التشخص بالوجود الانشائي لا ينافي أن يكون المنشأ به كليا بوجود آخر ، مع عدم انثلام قاعدة انّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، لما عرفت من انّ تشخص كل وجود بحسبه ، فمن هنا يعلم امكان تعلق الانشاء بالطلب [ الذي هو ] القدر المشترك بين الوجوب والندب ، لتشخصه بالوجود الانشائي وان لم يتشخص بمشخصات وجود آخر ، وبناء على هذا فالهيئات الافعالية نظير الحروف على ما اختاره الاستاذ (١) من كون الوضع والموضوع له فيها عاما ، والخصوصية من مقومات الاستعمال لا المستعمل فيه. نعم لو كان المنشأ الوجود الحقيقي القائم بالنفس لكان جزئيا ، وليس كذلك لعدم قابليته للانشاء.
وظهر مما ذكرنا ـ من نحوي الوجود الحقيقي والانشائي والامتياز بينهما من صدق اسم الطلب وغيره على الاول بالحمل الشائع دون الثاني إلاّ الطلب الانشائي
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٥.