وإذا صحّ هذا الاستظهار ، فمن الراجح جدّا أنّ كتاب « الوصيّة » فقد فيما فقد من تراث إسلامي في حملات التتر الهمجيّة على بغداد ، وحرقهم لمكتباتها ، وإلقائهم لكتبها في دجلة حتّى صار ماء دجلة أسود ، وحتّى عبرت الدوابّ والخيل عليها ، وكان من جملة ما فقد مكتبة ابن طاوس الضخمة ، والّتي جعل لها فهرستا مفصلا سماّه « الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة » ، وقد كانت تضمّ في سنة ٦٥٠ ه ، ألفا وخمسمائة كتابا (١).
ومكتبته وفهرستها « الخزانة » من المفقودات اليوم ، لكنّه أشار في مواضع مختلفة من كتاب « المحجّة » إلى أنّ فيها أكثر من سبعين مجلّدا في الدعوات ، وأنّ فيها كتبا جليلة في تفسير القرآن ، والأنساب ، والنبوّة والإمامة ، والزهد ، وتواريخ الخلفاء والملوك وغيرهم ، وفي الطبّ والنجوم ، واللّغة والأشعار ، والكيمياء والطّلسمات والعوذ والرقى والرمل ، وفيها كتب كثيرة في كلّ فنّ من الفنون (٢).
فمن الراجح إذن أنّ كتاب « الوصيّة » كان من جملة كتبه ، وأنّه فقد فيما فقد منها ومن غيرها من مكتبات بغداد ، أمّ الدنيا وعاصمتها آنذاك ، ولكن هل نقله لنا السيّد ابن طاوس كلّه ، أو نقل بعضه؟!
ربّما تكون إجابة هذا السؤال عسيرة جدّا وضربا من الحدس والتخمين ، لكنّ المقطوع به عندنا ، أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل لنا صدر الطّرفة الرابعة عشر ، والّتي نقلها الكلينيّ (رض) في الكافي وعنه المجلسيّ في البحار ، بسند الكلينيّ إلى عيسى بن المستفاد ، عن الكاظم ، عن الصادق ٨ ، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أنّ السيّد ابن طاوس لم ينقل كلّ ما في « الوصيّة » ، وإنّما نقل ما اختاره منه ، وأضاف إليه بعض مرويّات من طرق أخرى ، وعضّد بعض طرفه بطرق وأسانيد أخرى ، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
__________________
(١) انظر الذريعة ( ج ١ ؛ ٥٨ )
(٢) انظر مقدّمة كتاب اليقين ( ٧٩ ـ ٨٠ )