الطبري صاحب التفسير والتأريخ ، الغني عن الإطراء والبيان ، ولما كان ذلك الأمر ثقيلا على من يرى الغسل في الوضوء عاد يتحمل لتكذيب تلك الروايات بأنّه لم ينقلها ابن جرير الطبري السنّي وانّما رواها ابن جرير الشيعي ، وهي من غرائب الأمور كما سيوافيك ، وممّن التجأ إلى هذا العذر ابن القيم قائلاً :
إنّ حكاية المسح عن ابن جرير غلط بيّن ، فهذه كتبه وتفسيره كلّها تكذّب هذا النقل عنه ، وإنّما دخلت الشبهة ، لأنّ ابن جرير القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة يوافقه في اسمه واسم أبيه ، وقد رأيت له مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم (١).
وقد تبعه في هذه العثرة الآلوسي في تفسيره ، قال : وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة ، ورواها بعض أهل السنّة ممن لم يميّز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقّق ولا سند ، واتسع الخرق على الراقع ، ولعل محمد بن جرير القائل بالتخيير هو محمد بن جرير بن رستم الشيعي صاحب « الإيضاح للمسترشد في الإمامة » ، لا أبو جعفر محمد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام أهل السنّة ، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط لا المسح ، ولا الجمع ، ولا التخيير الذي نسبه الشيعة إليه (٢).
وممن تنبّه إلى عثرة ابن قيم والآلوسي ، صاحب المنار حيث إنّه بعد ما نقل عبارة الآلوسي أعقبه بقوله : « إنّ في كلامه ـ عفا الله عنه ـ تحاملا على الشيعة وتكذيبا لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنّة. والظاهر أنّه لم يطّلع على تفسير ابن جرير الطبري » (٣).
__________________
١. ابن القيم : في هامش سنن أبي داود : ١ / ٩٧ ـ ٩٨.
٢. روح المعاني : ٦ / ٧٧.
٣. تفسير المنار : ٦ / ٢٣٣.