أقول : قد نقل أيضا غير واحد أنّ ابن جرير قال بالتخيير بين المسح والغسل ، ولكن اللاّئح من عبارته هو الجمع بينهما ، فمن أمعن النظر في تفسير ابن جرير يقف على أمور ثلاثة :
الأوّل : أنّه رجّح قراءة الجرّ على النصب وقال : وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا ، لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللّذين وصفت ، ولأنّه بعد قوله ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فالعطف على الرءوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي ، وقد حيل بينه وبينها بقوله ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) (١).
الثاني : أنّه يروي روايات المسح بصدر رحب ولا يتضايق كما نقل روايات الغسل.
الثالث : أنّه قائل بالجمع بين المسح والغسل ، ومراده منه ليس هو التوضّؤ مرتين تارة بالغسل وأخرى بالمسح بالنداوة المتبقّية على اليد ، بل بغسلهما باليد ومسح الرجل بها ، وإليك نص عبارته قال :
« والصواب من القول عندنا في ذلك أنّ الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمّم ، فإذا فعل ذلك بهما المتوضّي كان مستحقّا اسم ماسح غاسل ، لأنّ غسلهما ، إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء ، ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليه ، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح » (٢).
والعجب عن عدّة من الباحثين حيث نسبوا إلى الطبري القول بالتخيير ،
__________________
١ و ٢. تفسير الطبري : ٦ / ٨٣.