تفكّرهم عن قيد التقليد ، وإليك شيئا من هذه الاجتهادات التي لا يرتضيها العقل ولا الوجدان الحرّ.
زعم الجصاص أنّ آية الوضوء مجملة فلا بدّ من العمل بالاحتياط ، وهو الغسل المشتمل على المسح أيضا ، بخلاف المسح فإنّه خال عن الغسل ، ثمّ رفع إبهام الآية بادّعاء اتّفاق الجميع على أنّه لو غسل فقد أدّى الفرض. (١)
يلاحظ عليه : أوّلا : بأنّه كيف يرمي الآية بالإجمال مع أنّها واضحة الدلالة ، لأنّها بصدد بيان ما هو الواجب على عامة المصلّين عند القيام إلى الصلاة ، ومثل هذا يجب أن يكون مبيّن المراد ، غير محتمل إلاّ لمعنى واحد ، وإنّما دعاه إلى القول بالإجمال الفرار عن ظاهر الآية الدالّ على أنّ فريضة الأرجل هو المسح لا الغسل.
وثانيا : أنّ ما يقوله إنّ الغسل يشمل المسح دون العكس فإنّه خال من الغسل ، غير صحيح ، لأنّ المراد من الغسل في المقام هو إسالة الماء على العضو ، كما أنّ المراد من المسح فيها هو إمرار اليد على العضو بالبلل المتبقّي في اليد ، وعندئذ يصبح الغسل والمسح فريضتين مختلفتين على نحو يغاير كلّ الآخر ، فلا الغسل يشتمل على المسح ولا المسح على الغسل.
وثالثا : أنّ ادّعاء رفع إبهام الآية بأنّه إذا غسل فقد أدّى فرضه باتّفاق الجميع مصادرة بالمطلوب ، إذ كيف يدّعي الاتفاق عليه مع أنّ القائلين بالمسح بين الصحابة والتابعين كما سيوافيك أسماؤهم ، ليسوا بأقلّ من القائلين بالغسل ، كما أنّ الإمامية وهم ربع المسلمين يرون بطلان الغسل ولزوم المسح فأين اتّفاق الجميع على الغسل؟!
__________________
١. أحكام القرآن : ٢ / ٣٤٦.