خَلَفُوه في العلم والصلاح ، وكانوا ـ بحق ـ أداة رحمة له ومغفرة .
وأما الصدقة الجارية : فالكتب والروايات التي جمعها وحافظ عليها ونقلها إلى الخلف من الرواة من بعده ، والتي لا يزال العلماء منذ عصره ينهلون من موردها الصافي ومعينها العذب ، فتلك الروايات الكثيرة التي اثبتها ابنه الصدوق في كتبه ، فان اسم شيخنا يتلالاً بين أسانيدها ، وتلك كتبه التي اعقبت له اثراً جميلاً خالداً ينتفع به كل من تلاها فيذكرونه منذ أكثر من ألف عام ، وهل أخلد ذكراً من هذا ؟ .
وقد رأينا أن نقسم مجهوده العلمي الضخم الذي خلفه إلى قسمين : رواياته وكتبه .
أما رواياته :
من الملاحظ كثرة الروايات التي توسط الشيخ في ايصالها ، سواء بطريق إبنه الصدوق أو سائر الرواة ، بحيث لا يوجد مثيله بين الرواة إلا بندرة ، وقد مر في عنوان (٦) ـ الرواة عنه ( بعض الكلام عن رواية ابنه الصدوق عنه ، ولنا بعض الملاحظات حول رواياته نذكرها هنا :
١ ـ نلاحظ أن الصدوق يترحم على أبيه ، عنه ، ويلتزم بهذا في كل رواياته تقريباً ، وفي كل كتبه ، ممما يدل على ان تلك الكتب إنما الفها الصدوق بعد وفاة والده ، وإصراره على الالتزام بذلك مع اسم أبيه يدل على أن من يترحم عليهم أو يترضى عنهم في كتبه ، لا بد أن يكونوا عنده في رتبة أبيه من الاعتماد والحسن ، وللبحث عن هذا الأمر مجال واسع في علم الرجال .
٢ ـ نلاحظ أن الصدوق إنما يُورد روايات أبيه في أوائل الأبواب أو الفصول التي عقدها في كتبه، وإذا أخذنا بنظر الإعتبار أنه إنما يورد الأحاديث المرسلة أو المقطوعة السند ، أو الموقوفة أو المرفوضة من قبله ، يورد كل هذه في أواخر الأبواب ونهايتها ، فإن ذلك يُشير إلى أن الصدوق كان يعتمد بصورة واضحة .