ولا يُعَذِّبَ إلا بحقيقة بلاغ ، وحاش لله أن يجعل خلفاءه في عباده من ينقض أمرهم ، ويُبَدِّل سنتهم ، وتكون حكمته ـ سبحانه ـ بمحل يُرشح رجلاً لحفظ بيضة المسلمين ، فيكون بمنزلةٍ يُنحى عنها قبل انقضاء أجَلِهِ وبلوغ مدته ، أو يجعله بمحل مَنْ يَحدُثُ في عقله الفساد لبلوغه أقصى العمر وأبعد السن ، تعالى الله عن ذلكَ عُلُوّاً كبيراً .
والحجة على هذا القول مثل الحجة على تسميته فَسُمِّيَ إماماً : فإما هو أظهر القبول ؛ فالبداء لمثله (۱) ، أو جُعِلَ البداء المعنى معارضته في موت ، أو غم ، أو رِزقٍ ، أو أجل ؟ والإمامة لا تُغيَّر ، والنَسَبُ لا يَنقَطِعُ ، والعَدَدُ لَا يَزِيدُ ولا يَنقُصُ .
[١٠] فإن قال قائل : إِنَّ الذي انتهى إليه الوقت في الغيبة غاية عمر أهل الدهر ، ونهاية سنّ خلق هذا العصر ، وأن الآيات قبله لم تظهر ، والدلالات المذكورة بين يديه لم تحدث ؟! .
فهلا يقول بالبداء في هذه الدلالات ويحتج بنسخها ، إذ هو جائز عنده ـ أن يبدو لله في إمام ، فإن ذلك أولى وأحَقُّ ! .
وستجده أكثر من يمتنع من هذا ، ويحتج بأنها من المحتوم ! .
فكيف يجعل هذه الدلالات مما [ لا ] (٢) يبدو لله فيها ؛ لأنها من المحتوم ، ويقول بالبداء في الإمامة ؛ ويَشْكُ (٣) أنها من المحتوم ؟!
__________________
(١) كانت العبارة في النسختين هكذا : ( قسمي إماماً ولما هو وأظهر القبول فيه بالبداء لمثله . والتشويش باد عليها فصححناها بما اثبتنا حسب المعنى .
(٢) كلمة : لا ، أضفناها ليصح الكلام ، فان ذلك القائل ينفي البداء في تلك الدلالات .
(٣) كان في النسختين : لا يشك ، ومن الواضح ان كلمة : لا ، زائدة هنا ، لأن ذلك القائل لا يعتبر الامامة من المحتوم ، لأنه يجوز البداء فيها ، والمحتمل قوياً ان كلمة و لا . نقلت الى هنا من موضعها في قوله : « لا يبدو ، كما لا يخفى .