وكان النواب رضي الله عنهم يوصلون المسائل الشرعية إلى الإمام ويأخذون الأجوبة بشكل مسجل أيضاً ، وتسمى بـ ( التوقيعات ، وقد صدر على أيديهم من ذلك شيء كثير جداً ، إلا أن مهمة الإمام لا تنحصر بذلك بل تتعدى إلى المشاكل الفكرية والعقائدية ، بل أمور القضاء والحكم ، والدفاع عن الدين وإدارة شئون الطائفة ، فهذه المهمة لم ترجع إلى النواب ولم تكن مهمتهم بصورة خاصة ، بل انتقلت بكل أعبائها إلى كبراء الأمة وعلمائها ، أولئك الذين أرجع إليهم الإمام في توقيع خاص ، قال فيه : « وأما الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله » (١) .
وشيخنا ابن بابويه عاصر الغيبة الصغرى ، من بدايتها وحتى النهاية وقد قام بدور فعال في ملء الفراغ الحاصل بغيبة الإمام عليهالسلام ، في الجوانب كلها ، ومنها جانب الغيبة نفسها ، التي قارنت بروز مشاكل اجتماعية وفكرية بين المسلمين ، فتصدى الشيخ للأزمة بحزم .
وسيأتي الحديث عن ذلك في هذا الفصل تحت عنوان ٧۱ ـ مكانته الاجتماعية ، ، كما ساهم في هذا المجال بتأليف كتاب الإمامة والتبصرة وهو موضوع الفصل الثاني من هذه الرسالة الان .
٢ ـ ومن ناحية أخرى ، كانت تلك الفترة تشكل بالنسبة إلى الشريعة فترة تحديد النصوص ، كما نرى أن نسميها ، وذلك بانتهاء عصر مصادر التشريع المباشرة ، وهم الأئمة المعصومون عليهمالسلام ، وحلول موعد غيبة الإمام عليهالسلام .
وقد أرجع أمر الشريعة في هذه الفترة ، التي صادفت عصر الغيبة الصغرى إلى رواة الحديث ، بصورة أخص ، وقد تم نصبهم بطريقة رسمية ، بالتوقيع الشريف السابق الذكر ، حيث منحوا في هذه الفترة : مرجعية ، في أمور الفقه وأحكام الشريعة ، ورواة الحديث وإن كانوا يتمتعون بمثل هذه المرجعية حتى في
__________________
(١) الاحتجاج ( ج ١ ص ٢٨١ ـ ٢٨٤ ) .