في أوائل شرح التهذيب ، على ما حكي عنه ، قال بعد ذكر كلام المحدّث المتقدّم بطوله :
____________________________________
يقولون بعدم تركّب الجسم ، فيكون الجوهر المادي قسما واحدا ، فتقسيم الجوهر إلى الخمسة صحيح على قول المشّائين ، والّا فعلى قول الإشراقيين يكون الجوهر على ثلاثة أقسام.
والأمر الثاني : أنّ الجسم على قسمين : طبيعي وتعليمي ، ومحلّ النزاع هو الجسم الطبيعي من الجوهر المادي ، لا الجسم التعليمي.
فاتّضح من الأمرين أنّ محلّ النزاع هو الجسم الطبيعي ، فإنّه بسيط عند الاشراقيين ، غاية الأمر هذا الأمر البسيط من حيث جوهريّته يسمّى جسما ، ومن حيث قبوله للصور النوعية يسمّى هيولى ، وأنّه مركب عند المشّائين من المادة والصورة ، والأول ـ أعني : المادة ـ محلّ واستعداد ، والثاني ـ أعني : الصورة ـ حال وفعلية.
ومنها : بيان ما استدلّ به المشّاءون واحتجّوا عليه بوجوه ، والعمدة منها هو برهان الفصل والوصل ، وتقريب هذا البرهان يبتنى على أمرين :
الأمر الأول : أنّ الجسم متّصل في ذاته بعد بطلان تركّبه من الجزء الذي لا يتجزّأ ، ومن الأجرام الصغار الصلبة الديمقراطسية ، والاتصال الحقيقي هو عين الجسم في مقابل الاتصال العرضي الذي يكون عارضا عليه.
والأمر الثاني : أنّ هذا الجسم المتصل قابل للانفصال ، فنقول بعد إثبات الأمرين : إنّه إذا طرأ عليه الانفصال كتفرق ماء كوز إلى كوزين ينعدم الاتصال الأول ، ويحدث جوهران متّصلان في ذاتيهما ، فيسأل الإشراقيون : ممّا طرأ عليه الانفصال ، هل هو الاتصال أو شيء آخر؟ إذا قالوا هو الاتصال الأول ، لقلنا : إنّه لا يصحّ لأنّه قد انعدم ، وقابل الشيء يجب أن يكون باقيا مع المقبول كالجسم القابل للبياض.
فلا بدّ أن يكون قابل الانفصال أمرا آخرا مشتركا بين المتّصل الأول وبين هذين المتّصلين ، وأن يكون ذلك الأمر المشترك باقيا في الحالتين لئلّا يلزم من تفرق ماء كوز إلى كوزين إعدام الماء الأول ، وإيجاد الماءين من كتم العدم ، إذ هو باطل بالضرورة والوجدان ، وليس ذلك الأمر المشترك الّا الهيولى ، فثبت أنّ الجسم المتّصل بالاتّصال الحقيقي يكون مركّبا من الاتصال وهو الصورة ، وعمّا فيه الاتصال وهو الهيولى.