ومن هنا يظهر الجواب عن قبح التجرّي ، فإنّه لكشف ما تجرّى به عن خبث الفاعل لكونه جريئا عازما على العصيان والتمرّد ، لا عن كون الفعل مبغوضا للمولى.
والحاصل أنّ الكلام في كون هذا الفعل ـ غير المنهي عنه واقعا ـ مبغوضا للمولى من حيث تعلّق اعتقاد المكلّف بكونه مبغوضا ، لا في أنّ هذا الفعل المنهي عنه باعتقاده ينبئ عن سوء سريرة العبد مع سيّده وكونه جريئا في مقام الطغيان والمعصية وعازما عليه ، فإنّ هذا غير منكر في هذا المقام ـ كما سيجيء ـ ولكن لا يجدي في كون الفعل محرّما شرعيّا ، لأنّ استحقاق المذمّة على ما كشف عنه الفعل لا يوجب استحقاقه على نفس الفعل.
ومن المعلوم أنّ الحكم العقلي باستحقاق الذمّ إنّما يلازم استحقاق العقاب شرعا إذا تعلّق بالفعل لا بالفاعل.
وأمّا ما ذكر من الدليل العقليّ فنلتزم باستحقاق من صادف قطعه الواقع ، لأنّه عصى
____________________________________
خلاف فيه ظاهرا.
والسريرة : قد تطلق على السجية والجبلّة ، وقد تطلق على النيات الباطنية والامور الخفية.
وفي مجمع البحرين : السرائر ما أسرّ في القلوب ، والعقائد والنيات وغيرها وما خفى من الأعمال.
(ومن هنا يظهر الجواب عن قبح التجرّي).
فإنّه قبيح لكشف ما تجرّى به عن خبث الفاعل وعن كونه شقيّا لكونه جريئا وعازما على العصيان والتمرد ، وليس حكم العقل على القبح من جهة كون الفعل مبغوضا للمولى لأنّ شرب الخل ليس مبغوضا للمولى.
والحاصل أنّ التجرّي فيه جهتان :
الاولى : أنّ التجرّي كاشف عن سوء سريرة الفاعل ، ولا خلاف في هذه الجهة.
الثانية : أنّ التجرّي يوجب قبح الفعل المتجرّى به ، فيكون محرما شرعا.
فالنزاع في الجهة الثانية بمعنى أنّ التجرّي هل يوجب قبح الفعل ليكون حراما أم لا؟
المصنّف رحمهالله يقول ليس فيه قبح فعلي بل فيه قبح فاعلي ، والقبح الفاعلي لا يستلزم الحرمة الشرعية.