ويؤيّد ما ذكرنا أنّه لم يستدل أحد من العلماء على حجّية فتوى الفقيه على العامّي بآية النبأ ، مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال.
والظاهر أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلّة قبول قول العادل على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه في ما ذهب اليه المعظم ، بل أطبقوا عليه ، كما في الرياض ، من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات إذا لم تستند إلى الحسّ ، وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر ، من أنّ الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهومها.
____________________________________
(ويؤيّد ما ذكرنا أنّه لم يستدل أحد من العلماء على حجّية فتوى الفقيه على العامّي بآية النبأ) ، أي : إنّ عدم استدلال العلماء على حجّية فتوى الفقيه بآية النبأ يكون شاهدا رابعا على أنّ الآية لا تدل إلّا على نفي احتمال الكذب فقط في خبر العادل ، ولا تدل على نفي الخطأ في الحدس لتكون دليلا على حجّية الفتوى ؛ لأنّ الإفتاء خبر حدسي ، ولهذا لم يستدلّوا بها على حجّية الفتوى (مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال).
واتّفاقهم على عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات ما لم تكن مستندة إلى الحسّ يكون شاهدا خامسا على عدم دلالة الآية على نفي الخطأ في الحدس ، وتصويب المخبر فيه كما أشار اليه المصنّف رحمهالله بقوله : (والظاهر أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلة قبول قول العادل على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه فيما ذهب اليه المعظم ... إلى آخره).
وملخّص ما أطبقوا عليه في باب الشهادة بالامور الحسّية هو أن الامور الحسّية لا بدّ أن تكون شهادتها عن حسّ لا حدس ، فلا تجوز الشهادة بالقتل لمن علم بالقرائن أنّ زيدا قتل عمرا ، ولم يره بعينه ، فلو دلّت الآية على حجّية خبر العادل مطلقا ـ حتى من جهة تصويبه في الاعتقاد وعدم خطئه في الحدس ـ لم يكن وجه لهذا الاشتراط ، أي : اشتراط الحس في الشهادة بالامور الحسّية فيكون الاشتراط المذكور كاشفا عن عدم دلالة الآية على نفي الخطأ في الحدس ، بل إنّما تدلّ على نفي احتمال الكذب فقط ، والخطأ في الحسّ ينفى بالأصل العقلائي ، والخطأ في الحدس يبقى على حاله ، فلذا لا تكون شهادة العادل في الامور الحسّية بالحدس صحيحة وحجّة : (وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر).