القائل بالتخيير هو التخيير الواقعي المعلوم تفصيلا مخالفته لحكم الله الواقعي في الواقعة.
____________________________________
بطرح القولين ما إذا كان كلاهما مخالفا له حصل وتحقّق العلم التفصيلي المتولّد من العلم الإجمالي ، فتصل النوبة إلى عدم اعتباره بعد حصوله.
ويتضح لك من هذه الامور أن طرح القولين فيما إذا كان كلاهما مخالفا للأصل والرجوع إلى الأصل المخالف لهما مستلزم لمخالفة العلم التفصيلي ، لأنّا نعلم تفصيلا بمخالفة البراءة للواقع لأن الحكم الواقعي هو إمّا الوجوب أو الحرمة وإن كان علمنا هذا متولّدا من العلم الإجمالي بالوجوب أو الحرمة.
ومقتضى هذا العلم التفصيلي هو ترك البراءة ، والأخذ بالوجوب أو الحرمة حتى لا تلزم المخالفة القطعية ، فطرح القولين والرجوع إلى البراءة ليس الّا من جهة عدم اعتبار هذا العلم وعدم اعتباره لا يعقل الّا من أجل كونه متولّدا عن العلم الإجمالي ، وما ذكر يتمّ فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة ، وكان مقتضى الأصل هو الإباحة كما ذكرناه من المثال.
(بل ظاهر كلام الشيخ رحمهالله ، القائل بالتخيير هو التخيير الواقعي المعلوم تفصيلا مخالفته لحكم الله الواقعي).
ويظهر من كلام المصنّف رحمهالله حيث نسب التخيير الواقعي في مسألة اختلاف الامة على قولين إلى ظاهر كلام الشيخ رحمهالله أن عدم اعتبار العلم التفصيلي المتولّد عن العلم الإجمالي مبنيّ على القول بالتخيير الواقعي ، فلا بدّ من إثبات الفرق بين التخيير الواقعي وبين التخيير الظاهري ، فنقول : إن معنى التخيير الواقعي هو تساوي الفعل والترك واقعا في نظر الشارع ، ولم يتعلّق حبّ الشارع وغرضه الداعي إلى الأمر أو النهي بأحدهما معيّنا ، والتخيير بهذا المعنى مخالف للواقع جزما فيما إذا دار الحكم في الواقع بين الوجوب والحرمة.
ومعنى التخيير الظاهري : هو تساوي الفعل والترك في نظر الشارع في الظاهر حينما لم يتمكّن المكلّف من العلم بالوجوب أو الحرمة فيتخيّر بين الفعل والترك ، بمعنى معذوريّته فيهما من دون تغيير مصلحة الفعل لو كان واجبا في الواقع ، أو مفسدته لو كان حراما ، ومعلوم أن التخيير بهذا المعنى لا يكون مخالفا للواقع أصلا ، فظهر من هذا الفرق بين التخييرين أن القول بالتخيير الواقعي في مسألة اختلاف الامة على القولين مخالف للعلم