فلا بد وأن يكون معنى الفعل بحيث يطلب المفعول به ، فتفسير مادة التكليف بالإيقاع في المشقة لا ينطبق على معناه الحقيقي ؛ لأنّه لا يصح تعديته إلى الفعل المكلّف به بلا واسطة ، بل بواسطة «من» ولأجله عبّر عنه بالمفعول منه مع أنّ مادة التكليف لا ريب في تعديتها إلى ذاك الفعل بلا واسطة ، فلا محالة يكون التكليف مرادفا لمعنى التحميل بمشقة ، فإنّه يصح أن يقال : إنّ الفعل مما حمل بمشقة على المكلف ، وحينئذ فلا يصح إرادة المفعول به حقيقة من الموصول إلّا في خصوص الأفعال ، ولا يعم الأحكام والتكاليف ، اللهمّ إلّا بالإسناد المجازي الذي مرّ ذكره. (١) هنا إشكال وهو أنّ مجرد إمكان إرادة الأعمّ من الموصول والإيتاء لا ينفع لإثبات الظهور لو لم نقل بأنّ الظاهر حسب السياق هو أنّ المراد من الموصول هو الأمر الخارجي ومن الإيتاء هو الإقدار والإعطاء ، فلا مجال للتمسّك بالآية لشمول المقام ، فإنّه فرع إثبات ظهور الموصول في الأعم وظهور الإيتاء في المعنى الجامع بين الإقدار والإعلام ، وهو غير ثابت.
ويمكن الجواب عنه اوّلا : بأنّ الإطلاق يكفي في إثبات عدم تقيد الموصول والإيتاء بأحد الأمرين ومعه لا وجه لاستعمال الموصول أو الإيتاء في بعض مصاديقه ، بل الموصول والإيتاء مستعملان في معناهما ، وحيث لم يقيّدا بمصداق يشمل كل واحد من الأمرين فلا تغفل. هذا مضافا إلى إمكان الاعتضاد بخبر عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أصلحك الله ، هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : لا (فقال) ، قلت : فهل كلفوا المعرفة؟ قال : لا ، على الله البيان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولا يكلف الله نفسا إلّا ما آتاها الحديث. (٢) لدلالته على أنّ الموصول في قوله عزوجل (ما آتيها) يعمّ التكليف بالمعرفة أيضا ، وعليه فالإيتاء أيضا أعم من الإقدار والإعلام بقرينة هذه الرواية ، ومن المعلوم أنّ إرادة الأعم لا تنافي سياق الآية كما لا يخفى ، ودعوى أنّ نفس
__________________
(١) تسديد الاصول ج ٢ ، ص ١٢٦.
(٢) والطريق إلى عبد الأعلى صحيح ونفس عبد الأعلى لم يوثق ولكن نقل الأجلّة يكفي للوثوق به. جامع الأحاديث ، أبواب المقدمات ، الباب الثامن ، ح ١٠.