المعرفة بالله غير مقدور قبل تعريف الله سبحانه وتعالى ، فلا حاجة في دخولها في الآية الكريمة إلى إرادة الإعلام من الإيتاء في الآية ، بل كانت المعرفة بالله داخلة في الآية ؛ لأنّها بدون تعريفه تعالى غير مقدورة ومحتاجة إلى الإقدار. (١)
مندفعة بأنّ قوله عليهالسلام : لا ، على الله البيان يدلّ على أنّ المراد من قوله (ما آتيها) هو معنى يشمل البيان والإعلام أيضا ، ولا ينافي ذلك كون نفس البيان التفصيلي منه تعالى إقدارا ، ويندرج فيه بهذا الاعتبار أيضا فتدبر.
فتحصل أنّ الآية الكريمة تدل بإطلاقها على أنّه تعالى لا يكلف نفسا إلّا بما اتاه وما لم يؤته لا تكلف به ، ومقتضى هذا الإطلاق أنّ ذوات الأحكام التي لم تعطها الشارع من الأحكام المسكوت عنها أو المختفية عنّا وغير الواصلة إلينا أيضا لا تكون موردا لتكليفه.
والمراد من نفي التكليف بالنسبة إليها هو نفي تنجيزها علينا ، وعليه فلا منافاة بين نفيها ووجودها بحسب الواقع كما لا يخفى ، ثم إنّ الآية الكريمة بناء على تماميّة دلالتها على أنّ الله تعالى لا يكلف أحدا إلّا بما اتاه المكلفين تكون معارضة مع أدلة الاحتياط الدالة على وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الحكم الواقعي غير الواصل ، كما لا يخفى.
قال الشهيد الصدر قدسسره : ثم إنّ البراءة التي تستفاد من هذه الآية الكريمة إن كانت بمعنى نفي الكلفة بسبب التكليف غير المأتي فلا ينافيها ثبوت الكلفة بسبب وجوب الاحتياط ، إذا لم يدل الدليل عليه ، فلا تنفع في معارضة أدلة وجوب الاحتياط.
وان كانت البراءة بمعنى نفي الكلفة في مورد التكليف غير المأتي فهي تنفي وجوب الاحتياط وتعارض مع ما يدعى من أدلته.
والظاهر هو الحمل على الموردية لا السببية ؛ لأنّ هذا هو المناسب بلحاظ الفعل والمال أيضا ، فالاستدلال بالآية جيّد. (٢)
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ١٩٣.
(٢) دروس في علم الاصول ، الحلقة الثالثة : ٣٧.