فتحصّل أنّ النفر واجب للتعلم والتفقّه والإنذار وصدر الآية الكريمة إخبار عن عدم تمكّن جميع المؤمنين لذلك فأوجب الله سبحانه وتعالى مع عدم تمكنهم للنفر المذكور جميعا على كل طائفة من كل فرقة بنحو الوجوب الكفائى ليتفقهوا ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ويتحذّر قومهم بمجرد إنذارهم من دون تقييد التحذّر بحصول العلم كما لا يخفى.
قال السيد المحقق الخوئى قدسسره : والانصاف أنّ دلالة هذه الآية على حجية الخبر أظهر وأتم من دلالة آية النبأ. (١)
ومنها ـ اي من الآيات التي استدل بها لحجيّة الخبر ـ آية الكتمان ، وهي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ). (٢)
بتقريب أن حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الاظهار ، وإلّا لزم لغوية حرمة الكتمان ووجوب الاظهار.
ألا ترى أنهم حكموا بحجية اخبار المرأة عن كونها حاملا واستدلوا عليه بقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ).
وفيه : أوّلا ـ كما افاده المحقق الاصفهاني قدسسره ـ أن الآية الكريمة اجنبية عما نحن فيه ؛ لان موردها ما كان فيه مقتضى القبول لو لا الكتمان ؛ لقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) فالكتمان حرام في قبال ابقاء الواضح والظاهر على حاله ، لا في مقابلة الايضاح والاظهار ، وما هو نظير ما نحن فيه آية كتمان النساء ما خلق الله في ارحامهن ، فالملازمة انما تجدي في مثلها ، لا فيما نحن فيه. (٣)
ولذلك قال في نهاية الافكار : أن سوق الآية انما هو في اصول العقائد ردا على اهل
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ / ١٨٤.
(٢) البقرة / ١٥٩.
(٣) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٨٩.