بالجهاد خلاف الظاهر ؛ فان الضمير في قوله (لِيَتَفَقَّهُوا) راجع الى ما هو الاقرب اليه وهو الطائفة لا الى الفرقة ، ومقتضاه هو كون النافرين متفقهين لا الفرقة الباقية. وهكذا ما ذهب اليه المحقق الاصفهاني لا يخلو عن بعد ؛ لان الآية في مقام بيان النفر للتفقه.
وبالجملة هنا ثلاثة احتمالات :
احدها : هو اختصاص الآية بالجهاد ، وقد عرفت انه لا معين له ، بل الظاهر من التفقه والانذار ، مضافا الى بعض الروايات هو أن النفر ليس للجهاد.
وثانيها : هو أن النفر مختص بالجهاد ، ولكن امر في الآية ايضا بتخلف جمع ليتفقهوا وينذروا النافرين اذا رجعوا اليهم من الجهاد ، وهذا ايضا خلاف ظاهر الضمير في قوله (لِيَتَفَقَّهُوا) فانه راجع الى النافرين لا الى الفرقة الباقية.
وثالثها : هو اختصاص الآية بالنفر للتفقه ، وهذا هو الظاهر. والمعنى كما افاد في نهاية الاصول : أن المؤمنين ليسوا بأجمعهم اهلا للنفر ، فلو لا نفر من كل فرقة وقبيلة منهم طائفة. والمستفاد من ذلك أن المقتضي لنفر الجميع موجود بحيث لو لم يكن مانع عنه لامروا جميعا بالنفر والتفقه ، ولكنهم ليسوا اهلا لذلك لاختلال نظامهم وتفرق أمر معاشهم ، وحينئذ فلم لا يجعلون الاحتياج الى المطالب الدينية في عرض سائر احتياجاتهم فيوجّهون طائفة منهم الى تحصيلها كما يتوجه كل طائفة منهم الى جهة من الجهات الاخرى المربوطة بأمر المعاش كالزراعة والتجارة ونحوها ... الى أن قال : وبالجملة فهذه الآية على ما ذكرنا تدل على انه لو لا مخافة اختلال النظام لامر الجميع بالنفر في تحصيل الفقاهة ، ولكنه بعد ما يلزم من نفر الجميع الاختلال فلم لا ينفر بعضهم ليرشدوا أنفسهم ويرشدون ويصير ذلك سببا لاطلاع جميع الناس على احكام الله تعالى وحلاله وحرامه ، فسياق الآية ينادي باعلى صوته الى مطلوبية الانذار والحذر ووجوبهما ، فلا نحتاج في اثبات ذلك الى بيان مفاد «لعل» وأن المراد بها ليس هو الترجي الحقيقي بل مطلوبية مدخولها ونحو ذلك من التقريبات ، والتعبير ب ـ «لعل» انما هو من جهة أن الانذار ليس مستتبعا لحذر القوم دائما ؛ اذ ربما لا يؤثر كلام