المنذرين فيهم كما هو المحسوس بين الانبياء واقوامهم ايضا ، فالمراد أن المنذر يجب عليه العمل بوظيفته ، ولا يعوقه عن ذلك احتمال عدم تأثير كلامه ؛ فان في التبليغ مظنة التأثير.
هذا هو المعنى المستفاد بالتأمل في ظاهر الآية ، وتشهد لهذا الوجه اخبار كثيرة حيث استشهد الائمة عليهمالسلام بالآية لوجوب النفر للتفقه والتعليم والتعلم. (١)
أن قلت : أن مقتضى ما ذكر هو اختصاص الآية بالنفر للتفقه والانذار المحقق بقول العادل وأن لم يوجب اليقين والعلم ، وهذا لا يتناسب مع الروايات الواردة في استشهاد الامام بالآية الكريمة على وجوب معرفة الامام وانذار النافرين للمتخلفين ؛ لان الامامة مما لا تثبت إلّا بالعلم ، وعليه فالاستناد بالآية لحجية الدليل الذي لا يفيد العلم كما ترى.
قلت : لا مانع من شمول اطلاق التفقه والانذار للمعرفة بالحقائق الاعتقادية والانذار بها ايضا ؛ لان اعتقاد المنذر بها تفقه ، ويكفي ذلك في وجوب الانذار به ، وهو يكفي في وجوب التحذر من مخالفة هذا الاعتقاد وأن لم يحصل له بنفس الانذار قطع بها ؛ اذ مع الانذار يلزم عليه أن يسمع انذار الآخرين حتى يحصل له العلم به أو بخلافه ، فالتحذر في الفقه بالعمل وهو محقق بنفس انذار عدل واحد ، والتحذر في الاعتقاديات بالاعتقاد وهو يحتاج الى تكرر الانذار والاستماع حتى يحصل العلم. نعم لو حصل له العلم بانذار جماعة دفعة فلا حاجة الى تكرار الاستماع ، لان العلم حاصل. وبالجملة يختلف التحذر باختلاف موارد الانذار ، وجميع الموارد مشمول للآية الكريمة.
هذا ، مضافا الى ما في تسديد الاصول من أن الآية بظاهرها مختصة بتعلم احكام الدين والانذار بها ، واستفادة حكم غيرها انما هو بالغاء الخصوصية ؛ لانها ارشاد الى طريقة عقلائية : هي نفر جمع بالمقدار اللازم في كل مورد والاخذ بمقتضى قولهم ، فلا ينافي أن يعتبر في غير موردها حصول العلم ... الى أن قال : فصح الاستناد بالآية في كلا الامرين ، والمقتضى
__________________
(١) نهاية الاصول : ص ٤٩٩ ـ ٥٠٠.