واستقلاله (١) بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام ، كما في الفروج والدماء ؛ بل (٢) وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر.
وأما بحسب المرتبة : فكذلك (٣) لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف ؛ إلا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر (٤).
______________________________________________________
(١) عطف على «عدم» في قوله : «بعدم» ، يعني : فيمكن أن يقال باستقلال العقل بوجوب الاحتياط. وضمير «فيه» في الموضعين راجع على الموصول في «فيما» ، المراد به المورد في الموضعين.
(٢) إضراب عن استقلال العقل بوجوب الاحتياط في الفردين إلى استقلاله بوجوبه في الفرد الخفي أيضا مما يمكن القول بوجوب الاحتياط فيها ؛ ما لم يوجب عسرا أو حرجا ، وأما في الموارد الثلاثة : فيجب فيها الاحتياط مطلقا ، من غير تقييد بعدم استلزامه للحرج.
(٣) أي : فكالمورد فيما ذكرناه من التفصيل بين الظن الاطمئناني وغيره كما عرفت.
وحاصله : أن حكم العقل في المقام معيّن وهو الاكتفاء بالإطاعة الظنية فما ليس للشارع مزيد اهتمام ، ولزوم الاحتياط فيما علم للشارع مزيد اهتمام فيه. فالنتيجة من حيث الموارد معيّنة أيضا ولكنها ليست كلية بل هي حجية الظن في غير ما علم مزيد اهتمام الشارع فيه.
(٤) والحرج ، فيتنزل إلى مرتبة الأقوى فالأقوى. هذا مبني على كون النتيجة التبعيض في الاحتياط بأن يقال : إن مقتضى العلم الإجمالي بالأحكام هو الاحتياط التام ؛ لكنه ـ لإخلاله بالنظام ، أو لإيجابه للعسر والحرج ـ يرفع اليد عنه ، ويقتصر فيه على المقدار غير الموجب للعسر ، فإن ارتفع العسر برفع اليد عن الاحتياط في موهومات التكليف فقط اقتصر عليه ، ووجب الاحتياط في غيرها من المظنونات والمشكوكات ، إذا ارتفع العسر بتركه في بعض موهومات التكليف ـ وإن كان مما ظن اطمئنانا عدم التكليف فيه ـ اقتصر عليه ، ووجب الاحتياط في البعض الآخر من موهومات التكليف ؛ وإن كان من المظنون اطمئنانا عدم التكليف فيه.
وبالجملة : لا بد في رفع اليد عن الاحتياط التام من الاقتصار على ما يرتفع به محذور الاختلال أو العسر ، وهذا هو المراد بقوله : «في رفع محذور العسر» ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٢٢».