بعضها (١) فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان ، كذلك لا ينبغي الإشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار ، فيجب الاجتناب عن الباقي (٢) أو ارتكابه (٣) خروجا (٤) عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه.
فإنه يقال (٥) : حيث إن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده ...
______________________________________________________
أو فقد أحد الميتين ، ثم علم إجمالا بحرمة شرب هذا الماء الموجود أو ذاك الإناء المفقود ، أو وجوب تجهيز هذا الميت الموجود أو ذاك المفقود ـ لم يلزم الاحتياط بالنسبة إلى باقي الأطراف. وعليه : فحال الاضطرار حال الفقدان في منعه عن تنجيز العلم الإجمالي إذا كان سابقا ، وعدم منعه عنه إذا عرض بعد العلم ، فالحق ما ذكره الشيخ «قدسسره» من التفصيل بين الاضطرار اللاحق وغيره.
(١) أي : الفقدان الطاري على العلم الإجمالي لا السابق عليه ولا المقارن له ، وضمير «بعضها» راجع على الأطراف.
(٢) في الشبهة التحريمية ، وضمير «رعايته» راجع على الاحتياط.
(٣) في الشبهة الوجوبية ، كما إذا علم إجمالا بأن أحد الغريقين مما يجب إنقاذه والآخر كافر حربي ، فهلك أحدهما قبل الإنقاذ ، فإن إنقاذ الآخر واجب لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال عليه ، والمفروض تنجز هذا الاحتمال بالعلم الإجمالي الحاصل قبل عروض الاضطرار.
(٤) تعليل لقوله : «فيجب الاجتناب ...» الخ. وضمير «عروضه» راجع على الاضطرار ، وضمير «عليه» راجع على «ما» الموصول المراد به وجوب الاجتناب.
(٥) هذا دفع الإشكال. وحاصل الدفع : يتوقف على مقدمة وهي الفرق بين الاضطرار والفقدان وحاصل الفرق : أن الأول : من قيود التكليف شرعا بحيث يكون كل حكم إلزامي مقيدا حقيقة بعدم الاضطرار ، فمع طروئه يرتفع الحكم واقعا ، إذ الاضطرار يزاحم الملاك الداعي إلى الحكم ، فإن ملاك حرمة أكل مال الغير يؤثر في تشريع الحرمة إن لم يزاحم بمصلحة أهم كحفظ النفس ، ولذا يجوز أكله في المخمصة بدون رضا مالكه فاشتراط التكليف بعدم الاضطرار إلى متعلقه إنما هو من اشتراط الملاك بعدم المزاحم له ، وهذا بخلاف الفقدان ، فإن الحكم لم يقيد في الأدلة الشرعية بعدمه ؛ بل عدم الموضوع يوجب انتفاء الحكم عقلا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الحكم لما كان مقيدا بعدم الاضطرار شرعا لا يجب الاحتياط مع طروئه. هذا بخلاف الفقدان حيث إن الحكم لا يكون مقيدا بعدمه ،