فقال له النبي : اخرج ، ولا تخف من ذي العرش إقتارا! فنشر كل الجراب ، ولم يكن كثيرا بل مدّين. فوضع النبي يده على التمر ثم قال : كلوا باسم الله ، فأكلوا وأنا معهم حتى ما أجد له مسلكا! ومع ذلك بقي على نطع الأديم مثل ما جاء به بلال كأنّا لم نأكل منه تمرة واحدة!.
قال الرجل : ثم عدت من الغد ومعه عشرة نفر أو يزيدون رجلا أو رجلين ، فقال لبلال : يا بلال اطعمنا. فجاء بالجراب فنثره ، ووضع النبي يده عليه فقال : كلوا باسم الله ، فاكلنا حتى شبعنا ورفع مثل ما صبّ (١).
قال : وكان هرقل قد علم من علائم النبي وصفاته أشياء فبعث إليه رجلا من غسّان من عرب الشام يسأل : هل هو يقبل الصدقة؟ وينظر هل في عينيه حمرة؟ وهل بين كتفيه خاتم النبوة؟ فجاء الرجل وسأل فاذا هو لا يقبل الصدقة ، ونظر الى حمرة عينيه وخاتم النبوة بين كتفيه ، ووعى أشياء من حاله صلىاللهعليهوآله.
ثم عاد الى هرقل (في حمص) فذكر له ذلك. فدعا قومه الى التصديق به فأبوا حتى خافهم على ملكه فامتنع هو أيضا ، ولكنه ظلّ في موضعه في حمص لم يزحف ولم يتحرك. فتبيّن بطلان ما اخبر به صلىاللهعليهوآله عنه من دنوه الى أدنى الشام الى الحجاز وبعثه عسكره نحوهم (٢).
وكان صلىاللهعليهوآله يكثر التهجد في الليل ويصلي بفناء خيمته ، فيقوم ناس من المسلمين يحرسونه ، وأقبل ذات ليلة عليهم فقال لهم : اعطيت خمسا ما اعطيهنّ أحد قبلي :
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ١٠١٧ ، ١٠١٨ وإليه يعود ما جاء مختصرا في اعلام الورى ١ : ٨١ والخرائج والجرائح ١ : ٢٨ ح ١٥ وعنهما في بحار الأنوار ١٨ : ٢٧ ح ٨.
(٢) مغازي الواقدي ٢ : ١٠١٨ ، ١٠١٩ ورواه المجلسي في بحار الأنوار ٢١ : ٢٥١ عن المنتقى للكازروني.