مائة سنة وقد يكون أكثر وحضور وقت العمل بالعموم بالنسبة إلى مورد الخاصّ قد حضر أكثر من مرّة قطعا ، أشكل عليهم الأمر من جهة أنّ التخصيص يقتضي تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح وإن جاز التأخير عن وقت الخطاب على الظاهر. والالتزام بالنسخ إمّا غير جائز أصلا بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أو أنّه وإن أمكن بأن يكون الحكم مؤقّتا فيوعز النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى وصيّه أمد الحكم ثمّ وصيّه يوعز إلى وصيّه وهكذا إلّا أنّه لم يقع ، أو أنّه يقتضي كون جميع الأحكام منسوخة وهو ممنوع قطعا فقد وقعوا في حيص وبيص ؛ إذ إنّ الالتزام بالتخصيص مع حضور وقت العمل غير ممكن ، وبالنسخ لجميع العمومات المخصصة في زمن الصادقين عليهماالسلام أيضا غير ممكن.
ومن هنا التجأ الشيخ الأنصاري (١) وتبعه صاحب الكفاية (٢) قدس سرّهما إلى كون العمومات الواردة في الكتاب والسنّة النبويّة عمومات ظاهريّة وإنّ ورود المخصّص نسخ للحكم الظاهري وبيان للمراد الجدّي ، والحكم الواقعي هو الذي لا ينسخ.
أقول : قد تقدّم في بعض المباحث المتقدّمة أنّ التخصيص للعامّ لا يقتضي مجازيّته وأنّه إنّما يكشف عن تخالف الإرادة الجدّية مع الإرادة الاستعماليّة ، وأنّ اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي ، والتخصيص إنّما اقتضى عدم تطابق الإرادة الاستعماليّة مع الإرادة الجدّية ، وحينئذ فما ذكره هو عين التخصيص وهو عين تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فما زعموه رافعا لقبح تأخير البيان لم يتّضح رفعه للقبح.
فالأولى أن يقال : إنّ قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة قبح في نفسه ، بمعنى أنّه باعتبار كونه على خلاف التعهّد الصادر من واضع الألفاظ فهو نظير خلف الوعد فقبحه ليس لازما لا ينفكّ كقبح الظلم مثلا ، بل قبحه في نفسه ، فإذا انضمّ إليه ما
__________________
(١) راجع مطارح الأنظار ٢ : ٢٣٢ ، وانظر فرائد الاصول ٤ : ٩٤ ـ ٩٥.
(٢) كفاية الاصول : ٢٧٨.