وكذلك الكلام
حيث يكون المأمور به عنوانا انتزاعيّا كإكرام العادل والمنهيّ عنه عنوانا
انتزاعيّا كإكرام الفاسق فإنّه ينظر إلى منشأ الانتزاع ، فإن كان واحدا فلا محيص
عن الامتناع ، وإن كان متعدّدا فلا مانع من الجواز. فإذا دخل عادل وفاسق في مكان
فأكرمهما أحد ، فإن أكرمهما بعمل واحد كقيام واحد فلا بدّ من القول بالامتناع
ولزوم تقييد أحد الإطلاقين ، وإن أكرمهما بعملين كأن قام للعادل وحيّا الفاسق
بتحيّة فلا مانع حينئذ من توجّه الأمر نحو القيام وتوجّه النهي نحو التحيّة ؛
لأنّهما شيئان لا ربط لأحدهما بالآخر ، غاية الأمر أنّه انضمّ أحدهما إلى الآخر في
الوجود ، وهذا غير ضائر كما هو واضح.
وبالجملة ،
فليس إطلاق القول بالجواز في محلّه كإطلاق القول بالامتناع ، بل الحقّ هو التفصيل
الذي فصّلناه ، هذا كلّه حال الكبرى.
وأمّا تطبيقه
على الصغريات : ففي الوضوء بالماء المغصوب بما أنّ الوضوء أمر انتزاعي من الغسلات
والمسحات والتصرّف المنهيّ عنه أيضا أمر انتزاعي ، وحيث إنّ منشأ انتزاعهما هو نفس
الغسل فلا محيص عن القول بالامتناع وبطلان الوضوء ، إلّا أنّ مقتضى ذلك التسوية
بين صورتي العلم والجهل ؛ لأنّ الجهل لا يغيّر الواقع عمّا هو عليه ، وإنّما هو
رافع للمؤاخذة والعقاب ، إلّا أنّ الأصحاب أفتوا بالصحّة في صورة الجهل ، وقد
ادّعى صاحب مفتاح الكرامة الإجماع على الصحّة في صورة الجهل فإن تمّ الإجماع وكان تعبّديّا ، فبها ونعمت ، وإلّا فلا بدّ من القول بالبطلان كما هو
الظاهر ؛ لأنّه بعد أن كان التصرّف مبغوضا واقعا فقد خرج عن إطلاق الأمر ، والجهل
لا يوجب دخوله تحت الإطلاق ، فافهم وتأمّل في المقام فإنّه واضح.
__________________