بيان ذلك : أنّا إن قلنا بأنّ الواجب من المقدّمة هو خصوص الموصلة ـ أي التوأمة مع الإيصال ـ فغير الموصلة لا وجوب لها ، فهي باقية على تحريمها السابق من غير حاجة إلى الترتّب ، وأمّا إن قلنا بأنّ مقدّمة الواجب واجبة مطلقا فالقول بكون التحريم مشروطا بالعصيان التزام بجمع حكمين متضادّين ، ضرورة كون المفروض فعليّة وجوب الإنقاذ فمقدّمته وهو الاجتياز واجب ، والمفروض أيضا حصول شرط التحريم وهو العصيان فيكون محرّما ، فيكون الاجتياز واجبا وحراما في آن واحد فيكون محالا ، ومحاليّته ليس لكونه طلبا للجمع بين الضدّين ، بل لكونه جمعا بين الضدّين المستحيل لاستحالة مبدئه ومنتهاه ، فإنّ الشوق إلى ذي المقدّمة شوق إلى المقدّمة وكراهتها لكونها محرّمة أيضا متحقّق ، وكذا من حيث المنتهى أيضا لعدم القدرة.
وقد دفع الميرزا النائيني قدسسره هذا الإيراد بدعوى : أنّ الحكمين مختلفان بحسب الرتبة ، وحينئذ فليس في المقام اجتماع ؛ لأنّ اجتماع الضدّين يعتبر فيه اجتماع الوحدات الثمانية ، وأضاف بعض المحقّقين إليها الرتبة ، فما لم يكن بينهما اتّحاد بحسب الرتبة لا اجتماع أصلا.
بيان اختلاف الرتبة : أنّ الوجوب بالإضافة إلى ذي المقدّمة نفسه ليس مقيّدا بوجوده ؛ لاستلزامه طلب الحاصل ، وليس مقيّدا بعدمه لاستلزامه طلب المحال. فليس مطلقا بالإضافة إليهما أيضا ؛ لأنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق فهو مهمل ، وإن كان الوجوب محفوظا في جميع الصور المذكورة فهو يقتضي إتيان متعلّقه وهدم عصيانه ، وكذا وجوب المقدّمة إنّما تقتضي إتيان ذي المقدّمة ؛ لعدم كونها مقصودة بالذات. وحينئذ فوجوب المقدّمة يكون كوجوب ذي المقدّمة أيضا من حيث الإهمال بالإضافة إلى هذه التقارير ، والتحريم لدخول الأرض المغصوبة مثلا إنّما هو على تقدير عصيان أمر ذي المقدّمة فقد اخذ في التحريم هدم موضوع الوجوب فهو متأخّر عنه رتبة فلا اجتماع (١).
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٢ : ١١١.