وبالجملة ، إن كان الساقط من جهة المزاحمة أصل الخطاب فالترتّب مستحيل ، وإن كان الساقط إطلاقه فالترتّب ممكن بل واجب ، فالقائل بالترتّب لا بدّ له من إثبات الثاني.
ومن هنا ظهر أنّه إذا كان الخطاب بالمهمّ مشروطا بالقدرة الشرعيّة فالترتّب غير معقول كما في المتيمّم ، فإذا كان عنده مقدار من الماء تعيّن صرفه في إحياء نفس محترمة فإذا لم يصرفه في إحيائها وتوضّأ به لا يكون وضوؤه صحيحا ؛ لاشتراطه بالقدرة الشرعيّة والعقليّة فهو الآن غير قادر شرعا على الوضوء فوضوؤه باطل ؛ لسقوط أصل خطابه لعدم الملاك ؛ لكون ملاكه مختصّا بالمقدور شرعا ، ومع وجوب صرفه في رفع عطش المؤمن مثلا فليس بقادر شرعا حينئذ ، هذا ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١).
وحيث عرفت أن لا طريق لنا إلى إحراز الملاك أو نفيه إلّا أمر الشارع فحيث يوجد الأمر يوجد الملاك وحيث ينتفي ينتفي يعني لا نحرزه نحن ، فلا فرق بين ما أخذت القدرة فيه شرعا أو عقلا في أنّ المزاحمة بين المهمّ والأهمّ إن كانت رافعة للأمر بالأهمّ كلّية فلا أمر به ، وإن كانت رافعة لإطلاقه لصورة امتثال الأهمّ ففي صورة العصيان للأهمّ لم يرتفع إطلاق الأمر بالمهمّ فيصحّ الإتيان به ، كما أنّ ما ذكره ثانيا لمنع الترتّب في أمثال المقام من أنّ الأمر هنا بنفسه معجّز بخلاف موارد الترتّب فإنّ الامتثال للأهمّ فيها معجز ، لا يخفى ما فيه ، فإنّ فيه الامتثال أيضا معجّز والكلام فيما إذا عصى الأمر بالأهمّ في صحّة المهمّ. كما أنّ ما ذكره من جعله صورة الأمر بصرف الماء في الطهارة الخبثيّة من أمثلة الترتّب فلا يخفى ما فيه ، فإنّ الترتّب في صورة تزاحم الواجبات النفسيّة لا الغيريّة.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٢ : ٩٠ ـ ٩١.