وما ذكره الميرزا النائيني إن رجع إلى هذا فجوابه جوابه ، وإن أراد إثبات الملاك بمقدّمات الحكمة فالجواب حينئذ أظهر ؛ إذ من شرط مقدّمات الحكمة كون المولى في مقام البيان للملاك ، فمعلوم أنّه ليس إلّا في مقام بيان متعلّق أمره. ولو سلّمنا أنّه في مقام بيان الملاك فخروج هذا الفرد عن حيّز الأمر بفعليّة الأمر لغيره ممّا يصلح للقرينة في نفي الملاك ، فمن أين يحرز أنّه لم يبيّن انتفاء الملاك ، ومن المحتمل أنّه اعتمد على عدم الأمر في بيان عدمه.
وهذا هو الأمر الثاني الذي به يستكشف الملاك. فتلخّص أنّ قصد الملاك يجزي حيث يحرز الملاك ، ولكن لا طريق إلى إحرازه غير الأمر ، فالواجب يعتبر فيه القدرة ، فغير المقدور تارة يكون غير مقدور عقلا واخرى يكون غير مقدور شرعا والأوّل على قسمين :
تارة : يكون غير مقدور بتمام أفراده ، وهذا لا يجوز أن يكون موردا للتكليف ؛ لأنّه تكليف بما لا يطاق كالطيران إلى السماء فإنّه بتمام أفراده غير مقدور.
واخرى : يكون بعض أفراد الطبيعة مقدورا وبعضها الآخر غير مقدور ، فهنا لا ريب في عدم دخول الأفراد الغير المقدورة تحت الأمر ؛ لأنّها غير مقدورة عقلا فالأمر بها لغو. كما لو أمره بأكل حيوان فإنّه يقدر على أكل العصفور بتمامه والحمامة بتمامها إلّا أنّ البعير لا يمكنه أكله بتمامه ، وبما أنّ الإطلاق رفض القيود فالقيود والخصوصيّات تلحظ فترفض ، فهو في الحقيقة بيان لعدم دخل الخصوصيّات ، فشمول الأمر لمثل هذه الأفراد الغير المقدورة لغو صرف لا يترتّب عليه أثر ، فلا بدّ من اختصاص الأمر بالمقدور عقلا لئلّا تلزم اللغويّة.
نعم ، قد يكون الشيء غير مقدور ؛ لأنّه لا يقع بالإرادة والاختيار ، كما إذا زلقت قدمه فسقط في البحر فغسلت ثيابه النجسة ، فمثل هذه الأفراد من غير المقدور لا بأس بشمول إطلاق الأمر لمثله ؛ لعدم لزوم اللغويّة ؛ فإنّ ثمرته سقوط الوجوب