وقد ذكرنا فيما تقدّم : أنّ معنى الطلب هو عبارة عن التصدّي نحو المراد بنحو من أنحاء التصدّي ومثّلنا لذلك بطالب العلم وطالب الضالّة حيث لا يصدقان بمجرّد الشوق ما لم يتصدّ لذلك ، وبما أنّ التصدّي أنواع ، فإذا تعلّق غرض المولى بصدور فعل العبد باختياره فتصدّيه نحوه إنّما يكون بإنشاء الصيغة ، فيقول له : «افعل» فيكون قول : «افعل» من المولى محقّقة لمصداق من مصاديق الطلب ، لا أنّها ينشأ بها الطلب ، ضرورة أنّ الطلب عنوان واقعي غير قابل لأن ينشأ باللفظ ؛ إذ التصدّي هو أمر واقعي يكون نفس النطق بالصيغة محقّقا له كما يحقّقه اشتغال طالب العلم وتفحّص طالب الضالّة.
ومن هنا ظهر : أنّ ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١) من أنّ الصيغة موضوعة لإنشاء النسبة الإيقاعيّة ، وما ذكره بعض الأساطين (٢) من أنّها للبعث النسبي ، في غير محلّه ؛ إذ إنّها محقّقة بنفسها للبعث ولإنشاء النسبة ، لا أنّها موضوعة لذلك ؛ إذ بها يتحقّق فرد من أفراد التصدّي والبعث والإنشاء.
وبالجملة ، فليست الصيغة موضوعة لذلك وإنّما وضعت الصيغة لإبراز الاعتبار النفساني الذي اعتبره المولى ، فإنّه اعتبر في نفسه كون العمل في ذمّة المكلّف ،
__________________
ـ الاعتذار عند العقلاء لا يصلح مؤيّدا ؛ لأنّه لازم أعمّ ، لإمكان استفادة الوجوب من حكم العقل.
نعم ، ما ذكره في كثرة الاستعمال صحيح وحسن ، إلّا أنّ مقايسته بالعموم والخصوص غير تامّة ؛ لأنّ للعموم ألفاظ مختلفة موضوعا كلّ واحد منها بوضع يغاير وضع الآخر ، ولم يثبت استعمال كلّ لفظ منها في الخصوص استعمالا كثيرا حتّى يقال بأنّ كثرة الاستعمال مع القرينة لا يضرّ بالحقيقة ، مضافا إلى ما ذكره هو من أنّ الخصوص ليس استعماله مجاز حتّى يصحّ المقايسة.
(١) أجود التقريرات ١ : ١٣٤.
(٢) نهاية الأفكار ١ : ١٧٨.