ولا يخفى أنّ ما ذكره (من كون المعاني الحرفيّة إيجاديّة لأنّها ليست إخطاريّة ممنوع ؛ لأنّ عدم كونها إخطاريّة بنفسها لا تستلزم كونها إيجاديّة ؛ لأنّ عدم كونها إخطاريّة بنفسها لا ينفي كونها إخطاريّة بتبع متعلّقها ، كما نبيّنه إن شاء الله) (١) [كما أنّ ما ذكره](٢) من حدوث معنى عند الإتيان بالحرف لم يكن قبل الإتيان به مسلّم إلّا أنّ هذا المعنى ليس من لوازم الحرف الذاتيّة حتّى لا يحتاج إلى وضع بل هو محتاج إلى الوضع ، فكلامنا نحن في المعنى الذي وضعت له هذه الحروف حتّى صارت تفيد الربط كما ذكرتم.
وبالجملة ، فما ذكره مسلّم إلّا أنّه لا يثبت المقصود.
فالتحقيق أن يقال : إنّ معاني الحروف ـ بعد اشتراكها في كونها معان في الغير ـ ليس لها ضابط كلّي بل إنّها مختلفة لا يمكن حصرها في ضابط كلّي ، وإنّها ممتازة معنى عن المعاني الاسمية وسنخ مغاير لها.
بيان ذلك أن يقال : إنّ المفاهيم الاسمية متفاوتة في الضيق والسعة كما في مفهوم الحيوان ومفهوم الإنسان ، فإنّ الثاني أضيق من الأوّل ، وإنّ الألفاظ غالبا قد وضعت للماهيات المهملة المسمّاة باصطلاح القوم باللاشرط المقسمي غير ملحوظ بها حتّى الوجود أو العدم ، فترى بعض الماهيّات لم يعرضها الوجود أصلا.
ثمّ إنّ هذه المعاني الاسميّة سواء كانت كليّة أو جزئيّة تنحلّ إلى حصص ، مثلا الإنسان الذي هو كلّي ينحلّ إلى حصص غير متناهية ؛ لأنّه ينحلّ إلى طويل وقصير ، أبيض وأسود في الليل أو في النهار ، عربي أو غير عربي ، هاشمي أو غيره ، عالم أو غيره ، عادل أو غيره ، ولد ليلا أو نهارا إلى غير ذلك من الانقسام إلى المعاني الغير المتناهية ، فهو منقسم إلى حصص لا تتناهى ، وكذا إذا كان
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة اقتضاها السياق.