العكس ، فإنّ الصّفرة والحمرة ضدّان بالثالث دون الثاني ؛ إذ ليس بينهما غاية الخلاف ، والسّواد والبياض ضدّان بهما. والمصنّف نفى الضدّيّة عنه بالمعنى الثالث ؛ إذ لم يتعرّض لذكر غاية الخلاف ، ويلزم منه نفيها بالمعنى الثاني ؛ لأنّ نفي العام يستلزم نفي الخاصّ ، مع أنّ الدليل الذي ذكره على نفي الثالث بعينه دالّ على نفي الثاني.
وتقريره أنّ الضدّين بالتفسير المذكور عرضان ، فلو كان للواجب ضدّ لكان الواجب عرضا ، لكنّ اللازم باطل بما تقدّم فالملزوم مثله ، والملازمة ظاهرة.
الثانية : أنّه لا ندّ له. والندّ هو المثل والنظير ، والمثل للشيء هو المساوي في حقيقته. وقد ثبت ببرهان التوحيد السابق أنّه لا يوجد من حقيقة الواجب لذاته إلّا فرد واحد ، فلو وجد له مساو في الحقيقة لكان الموجود من حقيقة الواجب اثنين ، هذا خلف.
واعلم أنّ هنا دقيقة جليلة يجب أن ينبّه عليها ليتحقّق معنى قولنا : لا مثل له ، فنقول : ليس المراد من أنّه (١) لا مثل له في الخارج أنّ الواجب نفسه حقيقة واحدة نوعية لها أفراد ذهنيّة ولا يوجد من تلك الأفراد إلّا فرد واحد وباقي الأفراد يمتنع وجودها خارجا ؛ لأنّ تلك الحقيقة لذاتها تقتضي وجوب وجودها ، فلا يجوز اتّصاف شيء من أفرادها بالعدم وإلّا لاتّصفت الحقيقة ـ التي هي في ضمن ذلك الفرد ـ بالعدم ، وما يقتضي وجوب وجود نفسه لا يتّصف بالعدم. فلو قلنا بانتفاء المثل بهذا المعنى لزم منه وجود المثل ، بل ينبغي أن يتحقّق أنّ الواجب مفهومه مفهوم شخصيّ لا أفراد له ذهنا ولا خارجا.
وبالجملة ليس بكلّي بل هو جزئيّ حقيقيّ. وتشخّصه عين مفهومه ، وسلب المثل عنه إنّما هو بالمناسبة ، كما نقول : ليس له ما نسبته إليه كنسبة زيد إلى عمرو في الإنسانيّة. فالسلب وارد على نفس مفهوم المثل لا على وجوده فقط ، أي لا يتصوّر له مثل ، لا أنّ هناك مثلا متصوّرا غير موجود.
ويظهر ممّا ذكرنا جواب مغالطة على وجود شريك البارئ.
تقريرها : شريك البارئ عبارة عمّا يشارك البارئ تعالى في النوع ، وكلّ ما يشارك البارئ في النوع يترتّب عليه لوازم ذلك النوع. ومن لوازمه وجوب الوجود خارجا ،
__________________
١ ـ «م» قولنا.