ذلك دلائل أشار المصنّف إلى أمتنها.
وتقريره أن يقال : مجموع هذه الحوادث التي لا نهاية لها ـ من حيث مجموعيّته ـ ممكن ، وكلّ ممكن عدمه سابق على وجوده. ينتج : مجموع هذه الحوادث التي لا نهاية لها من حيث مجموعيّته عدمه سابق على وجوده.
أمّا الصغرى فلأنّ المجموع متوقّف على أجزائه ، وأجزاؤه غيره. وكلّ متوقّف على غيره فهو ممكن.
وأمّا الكبرى فلأنّ إمكانه مقتض لحدوثه. أمّا أوّلا فلما تقدّم ، وأمّا ثانيا فلأنّ إمكانه الذاتي لذاته ، ووجوده مقتضى علّة خارجة عن ذاته ، وما بالذات أقدم ممّا بالغير ، فوجوده مسبوق بلا وجوده ، وإمكانه يقتضي أن لا وجود له من حيث هو ، ولازم اللازم لازم ، فلا وجوده من حيث هو مقتضى ذاته ، ولا وجوده عبارة عن عدمه. وإذا كان المجموع ـ من حيث هو مجموع ـ مسبوقا بعدمه كان منقطعا ، إذ أفراده متتابعة شيء بعد شيء. فإذا انتهى بها الحال إلى أن لا يكون لشيء منها وجود فقد انقطع تتالي الأفراد عند ذلك الجزء الذي انتهى الموجود عنده ، وقد فرض ذاهبا إلى غير نهاية ، وهذا خلف.
قال : مقدّمة ـ كلّ مؤثّر إمّا أن يكون أثره تابعا للقدرة والداعي أو لا يكون ، بل يكون مقتضى ذاته. والأوّل يسمّى قادرا ، والثاني يسمّى موجبا. وأثر القادر مسبوق
__________________
اجتماع القدرة والإرادة ، هل يمكن مقارنة حصولها معها أو لا يمكن بل إنّما يحصل بعد ذلك؟ والفلاسفة ذهبوا إلى أنّه مع اجتماع القدرة والإرادة يجب حصول الفعل. ولقولهم بأزليّة العلم والقدرة ، وكون الإرادة علما خاصّا حكموا بقدم العالم.
تلخيص المحصّل : ٢٦٩.
ولازم هذا القول جواز تحقّق حوادث لا إلى أوّل ، ويلزم التسلسل حيث إنّه عبارة عن وجود ما لا يتناهى ، ولأجل الفرار من هذا الالزام شرطوا ـ لبطلان التسلسل ـ حصول أمرين : الأوّل : أن يكون آحاده موجودة معا. الثاني : الترتيب بين الآحاد ، إمّا الترتيب الوضعيّ كما في الأجسام والمقادير ، أو الترتيب الطبيعيّ كما في العلل والمعلولات ، وكلّ ما لا يجتمع فيه هذان الأمران لم يحكموا ببطلانه ، وجوّزوا عدم تناهيه ، وإن حصل فيه أحدهما دون الآخر. وجوّزوا عدم التناهي في الحركات الفلكيّة وإن كانت ذات أجزاء مترتّبة ؛ لعدم اجتماع أجزائها في الوجود. وكذا النفس ، جوّزوا عدم تناهيها لعدم الترتيب لكلا معنييه. والحوادث الغير المتناهية لا إشكال فيها ؛ إذ لم تكن أجزاؤها مجتمعة في الوجود.
إرشاد الطالبين : ١٦٧.