أمر آخر تصدر عنه هذه الحروف والأصوات. وصفاته عندنا نفس ذاته ، فتكون هذه الحروف والأصوات صادرة عنه. فإن وصفتم الذات باعتبار صدور الكلام عنها بأنّ لها صفة هي الكلام ، فنحن نقول : إنّ الذات ـ باعتبار صدور الحروف والأصوات ـ لها صفة هي القدرة ، فتكون منازعة في التسمية. ثمّ نقيم الدلالة على استحالة زيادة صفاته على ذاته ، وعلى بطلان قديم غيره.
قال : لطيفة ـ قد ثبت أنّه تعالى ذات واحدة مقدّسة ، وأنّه لا مجال للتعدّد والكثرة في رداء كبريائه ، فالاسم الذي يطلق عليه ـ من غير اعتبار غيره ـ ليس إلّا لفظة : «الله». وما عداه (١) إمّا أن يطلق عليه باعتبار إضافته إلى الغير ، كالقادر والعالم والخالق والبارئ والكريم. أو باعتبار سلب الغير عنه ، كالواحد والفرد والغنيّ والقديم. أو باعتبار الإضافة والسلب معا ، كالحيّ والعزيز والواسع والرحيم. فكلّ اسم يليق بجلاله ويناسب كماله ممّا لم يرد به إذن شرعيّ (٢) جاز إطلاقه عليه تعالى ، إلّا أنّه ليس من الأدب ؛ لجواز أن لا يناسبه من وجه آخر ، كيف ولو لا غاية عنايته ونهاية رأفته في إلهام الأنبياء والمقرّبين أسماءه لما جسر (٣) أحد من الخلق أن يطلق واحدا من أسمائه عليه سبحانه.
أقول : هذه اللطيفة تشتمل على ذكر أسمائه تعالى وضبط أقسامها ، وتحقيق ذلك يتمّ بفوائد :
الاولى : الاسم هو اللفظ الدالّ على المعنى بالاستقلال المجرّد عن الزمان. فقد يكون نفس المسمّى كلفظ الاسم ، فإنّه لمّا كان إشارة إلى اللّفظ الدّال على المسمّى ـ ومن جملة المسمّيات لفظ الاسم ـ فقد دلّ عليه. وقد يكون مغايرا له كلفظ الجدار الدالّ على معناه المغاير له.
الثانية : الاسم إذا اطلق على الشيء فإمّا أن يكون المسمّى به ذات الشيء ، أو ما
__________________
١ ـ الفصول النصيريّة : وأمّا ما عداه.
٢ ـ من الفصول النصيريّة.
٣ ـ «ن» والفصول النصيريّة : جزء.