تعالى.
قال : تبصرة ـ الألم واللّذة تابعان للمزاج ، والمزاج عرض. وحيث إنّ الواجب ليس محلّا للأعراض استحال عليه الألم واللّذة.
أقول : هاتان أيضا صفتان سلبيّتان. واللّذة عند بعض المتكلّمين هي الحالة الحاصلة عند تغيّر المزاج إلى الاعتدال ، والألم هي الحالة الحاصلة عند تغيّر المزاج إلى الفساد.
وعند بعض المعتزلة : إنّ اللّذة هي إدراك متعلّق الشهوة ، والألم إدراك متعلّق النفرة (١). والشهوة هي الميل إلى ما يعتقد أو يظنّ أنّه ملائم للمزاج ، والنفرة هي الهرب عمّا يظنّ أو يعتقد أنّه مناف للمزاج.
وقالت الحكماء : اللّذة إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، والألم إدراك المنافي من حيث هو مناف (٢).
إذا تقرّر هذا فنقول : يستحيل عليه الألم واللّذة بالتفسير الأوّل ؛ لأنّهما ما يتوقّفان على المزاج ، والمزاج عرض ، لأنّه من الكيفيّات الملموسة ، وكلّ كيفيّة ملموسة عرض ، فيكون المزاج عرضا ، والواجب ليس بعرض فيستحيل عليه الألم واللّذة. وكذلك يستحيلان عليه بالتفسير الثاني ؛ لتوقّفهما على المزاج أيضا ، وهو مستحيل عليه تعالى.
وأمّا على تفسير الحكماء فيمتنع عليه الألم عندهم ، لأنّ ما عدا الواجب معلول لذاته ، والعلّة تجامع المعلول في الوجود ، والمنافي لا يجامع ما ينافيه ، فامتنع عليه الألم. وأمّا اللّذة فتنقسم إلى لذّة حسّيّة وإلى لذّة عقليّة ، فاللّذة الحسّيّة هي ما ادركت بأحد الحواسّ العشر (٣) ، وهي ممتنعة عليه تعالى ، لتوقّفها على المزاج أيضا.
__________________
١ ـ قالت المعتزلة : إنّ المدرك إن كان متعلّق الشهوة كالحكّة في حقّ الأجرب ، كان إدراكه لذّة. وإن كان متعلّق النفرة كما في حقّ السليم ، كان إدراكه ألما. تلخيص المحصّل : ١٧١ ، إرشاد الطالبين : ٢٣٣.
٢ ـ قال ابن سينا : إنّ اللّذة إدراك الموافق والألم إدراك المنافي. تلخيص المحصّل : ١٧١ ، ٤٦٦.
٣ ـ وهي السمع والبصر والشمّ والذوق واللمس والحسّ المشترك والخيال والوهم والحافظة والمفكّرة. يأتي ذكرها في صفحة ١٧٣.