دائما لئلّا يقدم على معصية تشغله عن سلوك طريق الحقّ.
السادس : التقوى. وهو اجتناب المعاصي حذرا من سخط الله والبعد عنه. كما يجتنب طالب الصحّة كلّ ما يضرّه ويزيد به مرضه ليتمكّن من العلاج ، كذلك السالك يجتنب كلّ مناف للكمال وكلّ مانع من الوصول إليه ؛ لئلّا يشغله عن سلوك طريق الحقّ. وفي الحقيقة تركّب التقوى من ثلاثة : أحدها : الخوف. وثانيها : التحاشي عن المعاصي. وثالثها : طلب القرب من الربّ تعالى.
قال : ويوجّه همّته بكلّيّتها إلى عالم القدس ، ويقصر أمنيّته على نيل محلّ الرّوح والانس ، ويسأل بالخضوع والابتهال من حضرة ذي الجلال الذي من شأنه الجود والإفضال ، أن يفتح على قلبه باب خزانة رحمته ، وينوّره بنور الهداية الذي وعده بعد مجاهدته ، ليشاهد الأسرار الملكوتيّة والآثار الجبروتيّة ، ويكشف في باطنه الحقائق الغيبيّة والدقائق الفيضيّة.
أقول : هذا إشارة إلى ما يلحق السالك في أثناء حركته وبعدها. ونحن نورد ذلك متمّمين للفوائد التي وعدنا بها فنقول :
الثالثة : فيما يلحق السالك في سلوكه ، وهو امور :
الأوّل : الخلوة. وهي عزلة السالك عن جميع الموانع المتقدّمة ، فيختار موضعا لم يكن فيه مشغل له من المحسوسات الظاهرة والباطنة ، ويجعل القوى الحيوانيّة مرتاضة لئلّا تجذب النفس إلى ملائماتها ، ويعرض بالكلّيّة عن الأفكار المجازيّة التي ترجع غايتها إلى مصالح المعاش والمعاد. ومصالح المعاش هي الامور الفانية ، والمعاد هي امور ترجع غاياتها إلى اللذّات الباقية. أمّا السالك فيجب عليه بعد إزالة الموانع الظاهرة والباطنة إخلاء باطنه عن الاشتغال بما سوى الحقّ ، وأن يقبل بهمّته وجوامع نيّته إلى الحقّ ، مترصّدا للسوانح الغيبيّة ، ومترقّبا للواردات الحقيقيّة ؛ ليحصل له مضمون ما وعده بعد مجاهدته : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (١). ويسمّى ذلك تفكّرا.
الثاني : التفكّر المشار إليه. وهو سير باطن الإنسان من المبادي إلى المقاصد. كذا
__________________
١ ـ العنكبوت / ٦٩.