الشوق. ومع الوصول التامّ الذي تنتفي عنده الإرادة والشوق تزداد المحبّة (وما دام أنّها تقارن طلب أمر باق كانت ثابتة) (١).
ثمّ المحبّة التي في نوع الإنسان سببها امور ثلاثة :
الأوّل : اللذّة ، وهي إمّا جسمانيّة أو وهميّة أو حقيقيّة.
الثاني : الشفقة ، وهي إمّا مجازيّة فهي لامور ينقرض نفعها ، أو حقيقيّة لما يدوم نفعها.
الثالث : مشاكلة الجوهر ، إمّا عامّة كما يكون بين شخصين متقاربين طبعا أو خلقا أو شمائل أو فعلا ، وإمّا خاصّة تختصّ بأهل الحقّ وهي محبّة طلب الكمال.
الرابع : المعرفة بالله. والمراد بها أعلى مراتبها ، فإنّ لها مراتب كثيرة ومثل مراتبها كمثل النار في معرفتها ؛ فإنّ أدناها من يسمع أنّ في الوجود شيئا يعدم كلّ ما يلاقيه ، إلى غير ذلك من خواصّه. ونظير ذلك في معرفة الله تعالى معرفة المقلّدين لأهل العلم.
وأعلى منها معرفة من وصل إليه دخان النار وعلم أنّه أثر لا بدّ له من مؤثّر. ونظيره في معرفة الله تعالى معرفة أهل النظر الحاكمين بالبراهين على وجود صانع ، استدلالا بوجود آثاره على وجوده.
وأعلى منها من أحسّ بأثر من حرارة النار بسبب مجاورتها وانتفع بذلك الأثر. ونظير ذلك في معرفة الله تعالى مرتبة من آمن بالله بالغيب من المؤمنين ، وعرفوا الصانع من وراء حجاب وابتهجوا به.
وأعلى منها مرتبة من شاهد النار بتوسّط نورها فشاهد الموجودات.
ونظير هذه المرتبة في المعرفة مرتبة العارفين ، فإنّ لهم المعرفة الحقيقيّة ، ولهم أيضا مراتب ويسمّون أهل اليقين. ومنهم جماعة لا ينفكّ عنهم المعرفة ـ وهم أهل الحضور ـ وهو نهاية المعرفة التي ينتفي فيها العارف نظير من يحترق بالنار.
الخامس : اليقين. وهو اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يمكن زواله. وهو مؤلّف من علمين : علم بشيء ، وعلم بأنّ خلافه محال. وله مراتب ، وجاء في التنزيل : علم
__________________
١ ـ ما بين القوسين ليس في «ح».