والحقّ خلافه ؛ لأنّ وجود الإمام نفسه غير ملجئ للخلق إلى دفع الفساد ؛ لما بيّنّا في تعريف اللطف أنّه لا يبلغ الإلجاء ، وحينئذ جاز وقوع الفتنة والفساد مع وجوده. فلو تعدّد لزم نقض الغرض من نصبه. إذ لو اجتمع في زمان واحد إمامان فرغب بعض الناس إلى أحدهما وبعضهم إلى الآخر ، والفرض أنّ كلّا منهما يجوز له عقد الإمامة لنفسه فيقتل مخالفيه ويقع الفساد.
وأيضا لو جاز قيام إمامين في زمان واحد لزم المحال ؛ لأنّهما متساويان فلا أولويّة لاتّباع أحدهما دون الآخر ، فإمّا أن يتّبعا معا وهو محال لجواز اختلافهما ، أو يتّبع أحدهما فيلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو لا يتّبعا وهو باطل لوجوب وجود الرئيس المستلزم لوجوب اتّباعه.
إن قيل : إذا كان الإمام واحدا فكيف يكون حاله مع المكلّفين بعيدي الدار عنه؟
قلنا : يستعين بنوّابه على إنفاذ أوامره ونواهيه.
قال : هداية ـ لمّا كانت العصمة أمرا خفيّا لا يطّلع عليه إلّا علّام الغيوب ، لم يكن للخلق طريق إلى معرفة المعصوم ، فيجب أن يكون منصوصا عليه من قبل الله تعالى ، أو من قبل نبيّ ، أو من قبل (١) إمام قبله.
أقول : اختلف الناس في الطريق إلى تعيين الإمام بعد اتّفاقهم على أنّ النصّ من الله أو من النبيّ أو من إمام قبله طريق إلى ذلك.
فقال أهل السنّة : يحصل أيضا بالبيعة والاختيار (٢).
وقال الزيديّة بالقيام والدعوة ، فعندهم الشرائط خمسة : العلم بأحكام الشرع ، والزهد ، والشجاعة ، والقيام والدعوة ، ويكون من ولد الحسنين عليهماالسلام أو أحدهما (٣).
__________________
١ ـ من الفصول النصيريّة.
٢ ـ تثبت الإمامة عند أكثر الفرق باختيار أهل الحلّ والعقد وبيعتهم ، من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ، ولا عدد محدود ، بل ينعقد بعقد واحد منهم. الأحكام السلطانيّة ١ : ٢٣ ، غاية المرام في علم الكلام للآمديّ : ٣٧٦ ، الأربعين للرازيّ : ٤٣٨ ، شرح المقاصد : ٢٨١.
٣ ـ قال الزيديّة بالنصّ من النبيّ في الإمامة على عليّ عليهالسلام ، والإمامة بعد الحسن والحسين في أولادهما بالشورى ، فمن خرج منهم بالسيف وهو عالم شجاع فهو إمام. الملل والنحل ١ : ١٣٨ ، شرح المواقف : ٦٢٨.