موافقا لطبعه ، وفي مرتبة التسليم يسلّم الطبع وموافقته ومخالفته إليه تعالى ؛ لأنّه ليس له طبع حتّى يكون له موافقة ومخالفة ، فقوله تعالى : (لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) (١) هو مرتبة الرضا ، وقوله : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢) مرتبة أعلى منها.
وإذا نظر السالك نظر تحقيق لم يجعل نفسه في مرتبة الرضا ولا مرتبة التسليم ؛ لأنّه مهما يجعل نفسه بإزاء الحقّ يجعله لها راضيا ومسلّما وذلك ينتفي عند التوحيد.
الرابع : التوحيد. وهو القول بالوحدة وفعل الوحدة.
والأوّل : هو شرط الإيمان الذي هو مبدأ المعرفة ، أعني التصديق بأنّه تعالى واحد (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (٣).
والثاني : هو كمال المعرفة الحاصل بعد الإيقان (٤) ، وذلك هو أن يتيقّن أنّه ليس في الوجود إلّا الله وفيضه ، وليس لفيضه وجود بانفراده ، فينقطع نظره عن الكثرة ويجعل الجميع واحدا ، ولا يتيقّن إلّا واحدا. فيكون قد جعل الكثرة وحدة في سرّه ، وصار من مرتبة «وحده لا شريك له في إلهيّته» إلى مرتبة «وحده لا شريك له في وجوده». وفي هذه المرتبة صار جميع ما سواه تعالى حجابا له ، وصار نظر السالك إلى غير الله شركا مطلقا ، ولسان حاله يقول : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٥).
الخامس : الاتّحاد. وهو كون الشيء واحدا في نفسه ، والتوحيد جعل الشيء واحدا. وأشار إلى الأوّل في التنزيل بقوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (٦) ، وإلى الثاني بقوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (٧). والاتّحاد أبلغ من التوحيد ؛ فإنّ في التوحيد شائبة التكليف ليس في الاتّحاد فإذا ترسّخ وحدة المطلق في الضمير حتّى لا يلتفت إلى الكثرة بوجه من
__________________
١ ـ النساء / ٦٥.
٢ ـ النساء / ٦٥.
٣ ـ النساء / ١٧١.
٤ ـ «م» : الإيمان.
٥ ـ الأنعام / ٧٩.
٦ ـ الإسراء / ٣٩.
٧ ـ القصص / ٨٨.