الواحد اثنين (١). ولمّا كان حشر الأجساد حقّا ، وجب أن لا يعدم أجزاء أبدان المكلّفين وأرواحهم ، بل يتبدّل التأليف والمزاج. والفناء المشار إليه كناية عنه.
أقول : في هذه الهداية مسألتان :
الأولى : اختلف في أنّ الشيء إذا عدم عدما محضا وصار نفيا صرفا هل يمكن إعادته بعينه وشخصه ، أو لا بل يوجد مثله؟
قالت الأشاعرة والمثبتون من المعتزلة بالأوّل. وقال الحكماء وأبو الحسين البصريّ والمصنّف بالثاني. فبعض الناس ادّعى الضرورة على استحالة إعادته ، والمصنّف استدلّ بأنّه لو أمكن لزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ، واللازم كالملزوم في البطلان (٢).
بيان الملازمة : أنّ الموجود في الزمن الأوّل لو عدم في الزمن الثاني ثمّ اعيد في الزمن الثالث ، فإن كان الوجود الثاني هو بعينه الوجود الأوّل تخلّل العدم في الثاني بين الوجود ونفسه ، وإن كان غيره لم يكن المعاد عين المبتدأ بل مثله. قيل : فيه نظر لجواز أن يكون الوجود الثاني هو عين الأوّل بالماهيّة. والظاهر أنّ مرادهم بإعادته هو وجوده ثانيا بوجود مساو للأوّل ، وقد حصل.
والحقّ أن يقال : إن اريد بإعادة المعدوم إعادته مع جميع لوازمه وعوارضه المشخّصة وغيرها تمّ الدليل. وإن اريد إعادته لا بعينه الشخصيّة لم يتمّ لما قلنا. هذا كلّه
__________________
١ ـ الفصول النصيريّة بزيادة : وهو محال.
٢ ـ قال الأشعريّ : اختلف القائلون بأنّ الأجسام تعاد في الآخرة : هل الذي ابتدأ في الدنيا هو الذي يعاد في الآخرة أم لا؟ فقال قائلون وهم أكثر المسلمين : إنّ المبتدأ في الدنيا هو المعاد في الآخرة. مقالات الإسلاميّين ٢ : ٥٨.
وقال المحقّق الطوسيّ : إعادة المعدوم جائزة عند مثبتي المعتزلة ؛ لأنّ الذات باقية عند تعقّب الوجود والعدم عليها.
وكذلك عند بعض أهل السنّة ، فإنّهم قالوا : الممكن لا يغيّر بانعدامه ممتنعا. ومحال عند غيرهم لاستحالة تخلّل العدم بين شيء واحد بعينه ، فإذن لا يكون المعاد عين المبتدأ بل إن كان ولا بدّ ، فهو مثله. قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ : ٤٤.
واختلف الناس في أنّ الشيء إذا عدم عدما محضا بحيث لم يبق له هويّة في الخارج أصلا : هل يمكن إعادته بعينه مع جميع عوارضه ومشخّصاته التي كان بها شخصا معيّنا أم لا؟ فذهب مشايخ المعتزلة القائلون بثبوت المعدوم إلى أنّ ذلك ممكن ، بناء منهم على أنّ ماهيّته ثابتة حالة العدم ، فإذا وجد حصل له صفة الوجود لا غير وذاته باقية له في الحالين.
وقالت الأشاعرة بعدمه ؛ لأنّه قد بطلت ذاته وصار نفيا محضا ، لكنّه يمكن إعادته لما يأتي من دليلهم.
وقالت الحكماء والمحقّقون من المتكلّمين ـ كأبي الحسين البصريّ ومحمود الخوارزميّ وغيرهما ـ بامتناع إعادته بعينه ، واختاره المحقّق الطوسيّ والمصنّف. إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٣٩٤.