موافقا لطبعه ،
وفي مرتبة التسليم يسلّم الطبع وموافقته ومخالفته إليه تعالى ؛ لأنّه ليس له طبع
حتّى يكون له موافقة ومخالفة ، فقوله تعالى : (لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) هو مرتبة الرضا ، وقوله : (وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيماً) مرتبة أعلى منها.
وإذا نظر السالك
نظر تحقيق لم يجعل نفسه في مرتبة الرضا ولا مرتبة التسليم ؛ لأنّه مهما يجعل نفسه
بإزاء الحقّ يجعله لها راضيا ومسلّما وذلك ينتفي عند التوحيد.
الرابع
: التوحيد. وهو القول
بالوحدة وفعل الوحدة.
والأوّل
: هو شرط الإيمان
الذي هو مبدأ المعرفة ، أعني التصديق بأنّه تعالى واحد (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) .
والثاني
: هو كمال المعرفة
الحاصل بعد الإيقان ، وذلك هو أن يتيقّن أنّه ليس في الوجود إلّا الله وفيضه ،
وليس لفيضه وجود بانفراده ، فينقطع نظره عن الكثرة ويجعل الجميع واحدا ، ولا
يتيقّن إلّا واحدا. فيكون قد جعل الكثرة وحدة في سرّه ، وصار من مرتبة «وحده لا
شريك له في إلهيّته» إلى مرتبة «وحده لا شريك له في وجوده». وفي هذه المرتبة صار
جميع ما سواه تعالى حجابا له ، وصار نظر السالك إلى غير الله شركا مطلقا ، ولسان
حاله يقول : (إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) .
الخامس
: الاتّحاد. وهو كون الشيء
واحدا في نفسه ، والتوحيد جعل الشيء واحدا. وأشار إلى الأوّل في التنزيل بقوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، وإلى الثاني بقوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ
اللهِ إِلهاً آخَرَ) . والاتّحاد أبلغ من التوحيد ؛ فإنّ في التوحيد شائبة
التكليف ليس في الاتّحاد فإذا ترسّخ وحدة المطلق في الضمير حتّى لا يلتفت إلى
الكثرة بوجه من
__________________