ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟». فقالوا : بلى ، فمن هو؟ قال : «سعد بن معاذ». قالوا : قد رضينا بحكمه ، فأتوا به في محفّة (١) ، واجتمعت الأوس حوله يقولون له : يا أبا عمرو ، اتّق الله ، وأحسن في حلفائك ومواليك ، فقد نصرونا ببعاث ، والحدائق (٢) ، والمواطن كلّها. فلما أكثروا عليه ، قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فقالت الأوس : واقوماه ، ذهبت والله بنو قريظة آخر الدهر. وبكت النّساء والصبيان إلى سعد ، فلما سكتوا ، قال لهم سعد : يا معشر اليهود ، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا : بلى ، قد رضينا بحكمك ، وقد رجونا نصفك ، ومعروفك ، وحسن نظرك. فأعاد عليهم القول ، فقالوا : بلى ، يا أبا عمرو. فالتفت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إجلالا له ، فقال : ما ترى ، بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله؟ قال : «احكم فيهم ـ يا سعد ـ فقد رضيت بحكمك فيهم». فقال : قد حكمت ـ يا رسول الله ـ أن تقتل رجالهم ، وتسبى نساؤهم وذراريهم ، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والأنصار. فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «قد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة (٣) ثم انفجر جرح سعد بن معاذ ، فما زال ينزف حتى قضى.
وساقوا الأسارى إلى المدينة ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأخدود ، فحفرت بالبقيع ، فلما أمسى ، أمر بإخراج رجل رجل ، فكان يضرب عنقه ، فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسد : ما ترى يصنع بهم؟ فقال له : ما يسوؤك ، أما ترى
__________________
(١) المحفة : مركب من مراكب النساء كالهودج ، إلا أنها لا تقبب. «الصحاح ـ حفف ـ ج ٤ ، ص ١٣٤٥».
(٢) بعاث والحدائق : موضعان عند المدينة ، كانت فيهما وقعتان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام ، انظر. «الكامل في التاريخ ج ١ ، ص ٦٧٦ و ٦٨٠».
(٣) يعني سبع سماوات ، وكل سماء يقال لها رقيع. «النهاية ـ رقع ـ ج ٢ ، ص ٢٥١».