بم تحكم؟ قال : بالكتاب والسنّة والاجتهاد) ولم يذكر التوراة والإنجيل ، وشرع من قبلنا ، فزكاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصوبه ، ولو كان ذلك من مدارك الأحكام لما جاز العدول إلى الاجتهاد إلا بعد العجز عنه» (١).
وهذا الاستدلال متين جدا لو لم تكن رواية معاذ من الموضوعات عليه ، وقد سبق أن ناقشناها ونظائرها في مبحث القياس فلا نعيد (٢).
ثانيها : «ان ذلك لو كان مدركا لكان تعلمها ونقلها وحفظها من فروض الكفايات كالقرآن والأخبار ، ولرجعوا إليها في مواضع اختلافهم ، حيث أشكل عليهم كمسألة العول ، وميراث الجد ، والمفوضة ، وبيع أم الولد ، وحد الشرب ، والرّبا في النسيئة ، ومتعة النساء ، ودية الجنين ، وحكم المكاتب إذا كان عليه شيء من النجوم ، والرد بالعيب بعد الوطء ، والتقاء الختانين ، وغير ذلك من أحكام لا تنفك الأديان والكتب عنها ، ولم ينقل عن واحد منهم مع طول أعمارهم وكثرة وقائعهم واختلافاتهم مراجعة التوراة ، لا سيما وقد أسلم من أحبارهم من تقوم الحجة بقولهم ، كعبد الله بن سلام ، وكعب الأحبار ، ووهب ، وغيرهم ، ولا يجوز القياس إلا بعد اليأس من الكتاب ، فكيف يحصل القياس قبل العلم؟» (٣).
وهذا الاستدلال كسابقه من أمتن الأدلة التي يمكن ان تساق في هذا المجال للقطع بمضمونه ، بل ربما حوّل المسألة إلى كونها من الضروريات ، إلا أنه لا ينفي إقرار أصل الشرائع السابقة كما لا ينفي صحة ما ذهب إليه جمهور الحنفية ، وغاية ما ينفيه عدم الرجوع إلى الكتب المتداولة للشرائع وهي مما يعلم بدخول
__________________
(١) المستصفى : ١ ـ ١٣٣.
(٢) راجع : ص ٢٨٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٣) المستصفى : ١ ـ ١٣٤ ، والأمثلة التي ذكرها لا يخلو بعضها من مناقشة لورود النص فيه ، اقرأ ما كتبه المؤلف عن المتعة في كتابه (الزواج الموقت ودوره في حل مشاكل الجنس) طبعة دار الأندلس ، وما كتبه الإمام شرف الدين في النص والاجتهاد. (المؤلف).