٣ ـ جواز رجوعه إلى الغير مع عدم إعمال ملكته وعدمه :
اختلف الأعلام في جواز الرجوع إلى الغير مع جهله بالحكم لعدم إعمال ملكته للوصول إليه.
فالجبائي لا يسوغ الرجوع لغير الصحابي ، ويرى ان تقليده مع ذلك خلاف الأولى ، وبه قال الشافعي في رسالته القديمة وجوز بعضهم الرجوع إلى الصحابة والتابعين دون من عداهم (١) ، وفصّل محمد بن الحسن بين الأعلم وغيره ، فأجاز تقليد الأعلم دون غيره ممن هو دونه أو مثله ، كما فصّل قوم بين ما يخصه وما يفتي به ، فأجازوا في الأول ومنعوا في الثاني ، وهناك تفصيل آخر فيما يخصه بين ما يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد ، وما لا يفوت حيث أجيز في الأول ومنع في الثاني (٢) ، بينما أطلق الجواز كل من : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، والثوري ، ولأبي حنيفة روايتان (٣).
والعمدة في هذا المجال التماس أدلة جواز التقليد والنّظر في عمومها أو إطلاقها لشمول مثله.
وعمدة الأدلة كما يأتي بناء العقلاء الممضى قطعا من قبل الشارع ، ولعل في أمثال آيتي النفر (٤) وسؤال أهل الذّكر (٥) ، ما يكفي لإثبات ذلك الإمضاء.
والظاهر ان بناء العقلاء ، إنما يفرق بين خصوص القادر على إعمال ملكته وعدمه. فالقادر على إعمالها لسعة الوقت وتوفر أدوات البحث لا يرى معذرا له في ترك إعمالها لعدم انطباق عنوان الجاهل عليه ، وهو إنما يقر رجوع الجاهل إلى
__________________
(١) اقرأ هذه الأقوال في الأحكام للآمدي : ٣ ـ ١٥٨.
(٢) اقرأ هذه التفصيلات في المستصفى : ٢ ـ ١٢٢.
(٣) الآمدي في الأحكام : ٣ ـ ١٥٨.
(٤) (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[سورة التوبة : الآية ١٢٢].
(٥) (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[سورة النحل : الآية ٤٣].